ثقافة وأدب

الوهم!

صالح موسى الحمزة

محام وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب


شاءَ اللهُ أن يجتمع خالد الأحمد المصاب بالربو المزمنِ مع منصور حسين المصاب بهشاشة العظام في غرفة الفندق الأخيرة المشتركة في تلك الليلة من ليالي كانون الباردة.

شكا خالدٌ لزميله المؤقّت في الغرفة عن سبب قدومه للمدينة، والسبب هو رؤية الطبيب « سمير علي » خريج بريطانيا لعلّه يجدُ عنده حلّاً لمشكلة الربو، تلك التي أنقصت عليه حياته.
وصف له الطبيب بعض الحبّات وعددٍ من الحقن وأوصاه بتجنب الغرف المغلقة والرطبة، بطبيعة الحال لم يكن خالد ينام في غرفة مغلقة لأنّ ذلك يسبب له نوبةَ ربوٍ حادةٍ قد يرقدُ بسببها أسبوعاً في المستشفى تحت أجهزة التنفّس والرذاذ، لذلك اعتاد على فتحِ النافذه مهما كان الجو بارداً.

أمّا منصور حسين فقد جاء إلى الطبيب « أنطونيوس داميرجان » خريج جامعة السوربون الفرنسية حيث إن منصور يعاني من هشاشة عظام وراثية مرتبطة باعتلال غدة درقية تجعل جسده بارداً كقطعة ثلجٍ في كلّ أيام السنة، أعطاه الطبيب مجموعة كبيرة من الحقن وحباتٍ لامعةٍ تشبه خرز المسباح، ووصّاه بتجنّب البرد ما استطاع، وبطبيعة الحال كان منصور يكثرُ من اللباس حتى في عزّ الصيف ولا يستطيع النوم إلا في غرفة محكمة الإغلاق، وإلا تسلل ذلك الصليل المؤلم إلى عظامه كأنّها مساميرٌ تُغرَس في كلّ جسده لا يمكنه معها النوم مطلقاً!

أغلق منصور نافذة الغرفة بإحكام وسدّ أسفل باب الغرفة بمنشفة صغيرة حتى لا تتسرّبُ نسمةُ بردٍ واحدةٍ إلى الغرفة ثم أطفأ مصباح الغرفه واندثر في فراشه وكوّر اللحاف جيداً حوله.
حاول خالد النوم ولكن بدأ صدره يضيق وبالكاد يستطيع التنفس فهرع إلى النافذة الموصدة بإحكام وفتحها بقوة فارتدت إليه روحه مع دخول الهواء البارد إلى الغرفه هدأ قليلاً ثم عاد إلى فراشه يتنفس الصعداء.
مع دخول الهواء البارد إلى الغرفة حاول منصور أن ينام ولكن بدأت تلك المسامير المدببة تنغز في عظامه مجدداً محدثة ذلك الألم الفظيع، اخذ يرتجف تحت غطائِه محاولاً التحمّل قدرَ المستطاع ولكن كلّ محاولات الصبرِ تلك باءت بالفشل.

قفز بسرعةٍ إلى النافذة وأعاد إغلاقها بقوةٍ وعادَ إلى فراشه محاولاً النوم من جديد.

في تلك الأثناء أخذ صدر خالد يضيق وتنفسه يزداد أكثر صعوبة، لقد خَبُر هذه الحالات كثيراً أنّها جرسُ الإنذار المبكّر لنوبةِ الربو الحادة.

في تلك الغرفة المظلمة أخذَ خالدٌ يتلمسُ ما حوله فوقعت يده على صحن السجائر، شدّ قبضتهُ عليه وبكلّ قوةٍ قذفه صوبَ النافذة الوحيدة في الغرفة، سمع صوت تهشم الزجاج وتناثره في الغرفه فهدأت نفسه وارتاحت وأخذ يغط بنوم عميق بينما زميله الآخر منصور تكور تحت لحافه مرتجفاً وعاد إليه ذلك الوخز في عظامه مانعاً إياه من النوم.

في الصباح ومع تساقط أشعة الشمس على زجاج النافذة استقيظ خالد بنشاط بعد أن هنأ بنومة لا مثيلَ لها، بينما منصور كان يرتجفُ تحت الغطاءِ كالشرنقة وقد إزرقّ وجهه وأحمرّت عيناه.

نظر كلّ واحدٍ منهما إلى الآخر ثم نظرا سويّةً إلى النافذة.

كانت النافذة على حالها مغلقة بإحكام لم تصب بأي كسر وبجانبها بقايا حطام لمرآة صغيرة متناثرة يتوسطها صحن سجائر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ما شاء الله تبارك الرحمن، حفظكم ربي من كل شر والنعم منكم ومن أصلكم الطيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى