دين ودنيا

هل الحيوانات ستُحَاسب يوم القيامة وتعذَّب؟

أ.د. إبراهيم عوض

كاتب ومفكر مصري.
عرض مقالات الكاتب


لفضيلة الشيخ الشعراوى رأى فى حشر الحيوانات يحسن أن نعرفه ونناقشه. وقد عرض رأيه هذا عند تناوله للآية التالية: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام/ 38). قال غفر الله له: “إنه سبحانه يوضح لنا: أنا أعطي الآيات التي أعلم أن الفطرة السليمة تستقبلها كآية وتؤمن بها. وأنزلت لكم القرآن لتؤمنوا بالرسول الذي يحمله منهجا يُصْلِح حياتكم. وقد جعلتكم سادة للكون تخدمكم كل الكائنات لأنكم بنو آدم. وكان الأجدر بكم أن تنتبهوا إلى أن الحيوان في خدمتكم، والنبات في خدمة الحيوان وخدمة الإنسان، وكل كائنات الوجود تصب جهدها المسخر لخدمتكم. فإذا كنتُ قد جئتُ للأجناس كلها وجعلتُها دونكم وأعطيتها ما يصلحها ويقيمها ووضعت لها نظاما، وأعطيتها من الغرائز ما يكفي لصلاح أمرها حتى تؤدي مهمتها معكم على صورة تريحكم، فإذا كان هذا هو شأننا وعملنا مع من يخدمكم فكيف يكون الحال معكم؟ إنني أنزلت المنهج الذي يصلح حياة من استخلفته سيدا في الأرض: “وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام/ 38).
وكل الدواب دون الإنسان أعطاها الإله الإيمان بالفطرة، وهداها إلى الرزق بالغريزة. وميز الإنسان فوق كل الكائنات بالعقل، ولكن الإنسان يستخدم عقله مرة استخداما سليما صحيحا فيصل إلى الإيمان، ويستخدمه مرة استخداما سيئا فيضل عن الإيمان. وكان على الإنسان أن يعلم أنه تعلم محاكاة ما دونه من الكائنات: فقابيل تعلم من الغراب كيف يواري سوأة أخيه، ومصمم الطائرات تعلم صناعة الطيران من دراسة الطيور. إذن كان يجب أن يتعلم الإنسان أن له خالقا جعل له من الأجناس ما تخدمه ليطور من حياته ومن رعاية كرامته بعد الموت. والمثال ما قالته نملة لبقية النمل: “حَتَّى إِذَآ أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ” (النمل/ 18). إن النمل أمة لها حرس، قالت حارسة منهم هذا القول تحذيرا لبقية النمل. والله سبحانه يقول: “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ” (الإسراء/44).
إذن فكل أمة من تلك الأمم الكثيرة التي خلقها الله في الكون تسبح بحمده، ولكن لا يفهم أحد لغات تلك الأمم… ويقول الحق سبحانه وتعالى في محكم آياته الكريمة: “مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام/ 38). إذن كل شيء يحشر يوم القيامة. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقَاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء”. أي أن الحق سبحانه يقتص من الشاة ذات القرون التي نطحت الشاة التي بلا قرون ويعوضها عن الألم الذي أصابها. وبعد أن يأخذ كل كائن من غير الإنس والجن حَقَّه يصير إلى تراب”.
ويهمنى فى هذا النص أن الشيخ يقول إن الحيوانات ستحاسب. وليس فى الآية أنها ستحاسب بل أن أمم الدواب الأرضية والطير سوف تحشر، ثم لا شىء آخر. وقد سبق أن قال الإمام الطبرى عميد المفسرين بهذا القول لدى تفسيره لهذه الآية، وإن كان قد عاد فى تفسيره للآية الخامسة من سورة “التكوير” فقال إن حشر الحيوانات والطيور لا يعنى إلا أنه سبحانه سوف يجمعها ثم يميتها، وهذا كل ما هنالك. وهو أيضا ما لاحظته فى تفسير “الكشاف” للزمخشرى، إذ قال فى تفسير آية “الأنعام” أنها ستحشر، ولكنه لما بلغ آية “التكوير” نكص عن رأيه السابق. وأغلب الظن أنه هو والطبر قد نسيا ما كانا قد قالاه من قبل. وهذا قد يحدث لأى إنسان بوجه عام. أما مثل تلك القضية فكنت أتوقع أن تكون حاضرة دوما فى ذهن العالمين الجليلين بحيث لا يفتيان فيها بفتويين متناقضتين.
ولْنَجْتَزِئْ بالطبرى، الذى نراه، فى تفسيره لقوله عز جلاله: “وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام/ 38)، يقول بأنها سوف تحاسَب ويعذَّب منها ما اجترح ظلما فى حق أمثاله من العجماوات. وهذا نص كلامه: “يقول تعالى ذِكْرُه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذّبين بآيات الله: أيها القوم، لا تحسبُنّ الله غافلاً عما تعملون أو أنه غير مجازيكم على ما تكسبون. وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها، وهو غير غافل عن عمل شيء دبّ على الأرض صغير أو كبير ولا عمل طائر طار بجناحيه في الهواء؟ بل جعل ذلك كله أجناسا مجنَّسة وأصنافا مصنَّفة، تعرف كما تعرفون وتتصرّف فيما سُخِّرتْ له كما تتصرّفون، ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها، ومثبَت كلّ ذلك من أعمالها في أمّ الكتاب. ثم إنه، تعالى ذكره، مميتها ثم مُنْشِرها ومجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها. يقول: فالربّ الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدوابّ في الأرض والطير في الهواء حتى حَفِظ عليها حركاتها وأفعالها وأثبت ذلك منها في أمّ الكتاب وحَشَرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء، أَحْرَى ألا يضيع أعمالكم ولا يفرّط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها أيها الناس حتى يحشركم فيجازيكم على جميعها: إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا، إذ كان قد خصكم من نعمه وبسط عليكم من فضله ما لم يعمّ به غيركم في الدنيا، وكنتم بشكره أحقّ، وبمعرفة واجبه عليكم أولى لما أعطاكم من العقل الذي به بين الأشياء تميزون والفهم الذي لم يعطه البهائم والطير الذي به بين مصالحكم ومضارّكم تفرّقون”. وبعد أن أورد آثارا تقول بأنها ستُبْعَث وتحاسَب، منها ما ورد عن أبى هريرة من أنه “قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة: البهائم والدوابّ والطير وكلّ شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذٍ أن يأخذ للجَمّاء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا. فلذلك يقول الكافر: يا لَيْتَني كُنْتُ تُرابا”، وعن أبى ذر من قوله: “قال: انتطحت شاتان عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: “يا أبا ذَرّ، أتَدْرِي فِيمَ انْتَطَحتَا؟”. قلت: لا. قال: “لَكِنِ اللّهُ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي بَيْنَهُما”. قال أبو ذرّ: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلاّ ذكرنا منه علما، وبعد أن أورد كذلك آثارا أخرى بأنها ستموت فقط ولا تُبْعَث ينتهى إلى أن “الصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى أخبر أن كلّ دابة وطائر محشور إليه: وجائز أن يكون معنيًّا بذلك حشر القيامة، وجائز أن يكون معنيا به حشر الموت، وجائز أن يكون معنيا به الحشران جميعا. ولا دلالة في ظاهر التنزيل ولا في خبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أيّ ذلك المراد بقوله: “ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ”، إذ كان الحشر في كلام العرب: الجمع. ومن ذلك قول الله تعالى: “والطّيْرَ مَحْشُورَةً كُلّ لَهُ أوّابٌ”، يعني: مجموعة. فإذ كان الجمع هو الحشر، وكان الله تعالى جامعا خلقه إليه يوم القيامة وجامعهم بالموت كان أصوب القول في ذلك أن يُعَمّ بمعنى الآية ما عَمّه الله بظاهرها وأن يقال: كلّ دابة وكلّ طائر محشور إلى الله بعد الفناء وبعد بعث القيامة، إذ كان الله تعالى قد عمّ بقوله: “ثُمّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ” ولم يخصص به حشرا دون حشر”.
هذا ما قاله الطبرى وأكده لَدُنْ شَرْحِه لما جاء فى الآية المذكورة، وإن كان قد أورد أثناء تناوله للآية، كما رأينا، أثرين: أحدهما عن أبى هريرة، والآخر عن أبى ذر، ينصّان على أنها سوف تبعث وتحاسب. ولهذا لم يعتمد فيما اختاره من رأى على هذين الأثرين، بل على أنه لم يرد عن الرسول شىء فى ذلك، وأن كلمة الحشر كلمة عامة، فالأَوْلَى إذن حَمْلُها على كل ما تدل عليه من معان مختلفة. ومع هذا كله فإنه، حين تناول قوله تعالى فى الآية الخامسة من سورة “التكوير”: “وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ”، وبعد أن ساق الآراء المختلفة فى تفسير “الحشر” فيها من أنه الموت والجمع والاختلاط والبعث والحساب، أنهى كلامه فى تلك القضية بقوله: “وأَوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: “معنى حُشِرَتْ: جُمِعَتْ فأُمِيتَتْ” لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع. ومنه قول الله: “والطّيْرَ مَحْشُورَةً (لمشاركة داود فى التأويب لربه)، يعني: مجموعة، وقوله: “فَحَشَرَ (أى حشر فرعون السحرة من كل أنحاء مصر) فَنادَى”. وإنما يُحْمَل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله لا على الأنكر المجهول”. وهو ما يعنى أنه قد قال بالقول ونقيضه فى قضية واضحة تمام الوضوح لا تحتمل تناقضا. كما أنه، عندما اختار القول بأن الحشر معناه البعث والحساب، لم يستند إلى الآثار الواردة فى ذلك، بل إلى عقله وتحليله المنطقى واللغوى كما رأينا. كذلك كان عليه، عندما اختار القول بأن الحشر هو مجرد الجمع، إما أن يردّ الآثار الواردة بخلاف هذا المعنى والتى ذكرها هو نفسه ويبين أنها آثار غير مقبولة، وإما أن يقول إنها آثار صحيحة، لكن الكلام فيها على المجاز. بيد أنه للأسف لم يفعل هذا ولا ذاك. أى أنه فى كلا الحالين لم يصنع ما كان ينبغى أن يصنعه، وهو أمر غريب، وبخاصة أنه، نوَّر الله جَدَثه، ليس مفسرا ولا عالما عاديا، بل أحد كبار العلماء وعميد المفسرين فى كل العصور.
وأرى أننا إذا ما قبلنا الآثار الواردة فى حساب الحيوان فالأفضل عندئذ حملها على المجاز، والقرآن مفعم بالعبارات المجازية كقوله تعالى: “وبلغت القلوب الحناجر”، “نَسُوا الله فنَسِيَهم”، “ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى”، “وقالوا: قلوبنا فى أَكِنَّةٌ مما تدعونا إليه، وفى آذاننا وَقْرٌ، ومن بيننا وبينك حجاب”، “هنّ (أى الزوجات) لباسٌ لكم، وأنتم لباسٌ لهنّ”، “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيَصْلَوْن سعيرا”، “نساؤكم حرثٌ لكم”، “وأقرِضوا الله قرضا حسَنا”. وإلا فهل ستحاسب الحيوانات الظالمة فقط كما يفهم من نصوص هذه الآثار ولا تثاب الحيوانات الطيبة؟ فأى حساب هذا الذى لا يعرف غير العقاب؟ ثم ماذا عن الطيور؟ أليس هناك طيور تمارس قوتها وشراستها على غيرها من الطيور الضعيفة بل قد تأكلها هو وأولادها وتدمر أعشاشها؟ أم إن الحساب لا علاقة له بالطيور؟ وماذا عن الزواحف كالثعابين، والحشرات كالصراصير والخنافس، والهداهد وآباء قردان والفتاتيح والفراش والنحل والزنابير والبعوض والذباب والبراغيث والبق والديدان والخنافس والعناكب وبنات آوى والفيران والقطط والكلاب والثعالب والأسود والنمور والدببة والفيلة والرنة، وغير ذلك كثير؟ أم إن الحساب لن يشمل سوى الجداء؟ ولكن لماذا؟ وإذا كان الله سوف يقتص للشاة الجلحاء من القرناء من أجل نطحة لا راحت ولا جاءت، وتتكرر كثيرا جدا، فماذا عن الإنسان وما ينزله بالحيوان والطير من آلام حين يذبحه ليأكله؟ وإذا كانت الحيوانات والطيور تمارس حياتها ونشاطاتها بالغريزة التى ركبها الله فيها ولا تستطيع أن تسيطر عليها، بله أن تلغيها وتتخلص منها، وهو ما أكده فضيلة الشيخ الشعراوى حين قال: “وكل الدواب دون الإنسان أعطاها الإله الإيمان بالفطرة، وهداها إلى الرزق بالغريزة. وميز الإنسان فوق كل الكائنات بالعقل”، فكيف يحاسبها سبحانه وتعالى على أنها اتبعت ما ركَّبه فى كيانها ولا يمكنها تجاهله؟ أم إن مبدأ “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” لا ينطبق على الحيوان والطير؟ فلماذا ما دام هناك حساب وثواب وعقاب؟ ثم أى حساب هذا الذى يحيى فيه الله سبحانه الحيوانات والطيور ليعاقب العدوانى منها ثم يصيّرها للتو ترابا؟ ترى ما فائدة مثل هذا الحساب؟ ولماذا لم يتركهم الله عز وجل ترابا بدلا من أن يوقظهم من موتهم ثم يعقد لهم مجلس حساب ينظر فى كل عمل وفى كل مظلمة ليأتى الله فى النهاية فيحول الحيوانات والطيور إلى تراب كما كانوا؟ أهو تضييع وقت، والسلام؟ جل سبحانه عن العبث!
وقبل ذلك كيف يحاسب الله الحيوانات ويعذبها، وهو سبحانه القائل: “وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولا”؟ ترى أيكون الله قد اصطفى من بين الخراف والحمير والجاموس والغربان والهداهد واليمام… إلخ رسلا كلفهم دعوة بنى جنسهم إلى عبادة الله الواحد الأحد ونبذ الأصنام والتظالم؟ لكن لماذا لم يأت ذكر ذلك فى القرآن؟ وحتى لو تابعنا بعض علماء المسلمين فى فهمهم لـ”الرسول” هنا على أنه هو “العقل”، فهل تتمتع الحيوانات والطيور مثلنا بالعقل؟ إن القرآن كلما تكلم عن عدم استخدام البشر للعقل الذى وهبه لهم شبههم بالحيوانات بما يعنى أنهم ليس عندهم عقل ولا فهم. كما أنه كلما تحدث عن التكليف والرسل والجنة والنار لا يذكر سوى الإنس والجان ولا يشير إلى الحيوانات والطيور من بعيد ولا من قريب.
الواقع أنه لو كان ثم حساب وعقاب يوم القيامة للحيوانات فلسوف يكون يوما على الأسود والنمور والفهود والفيول والتماسيح والثعابين والأفاعى والنسور والصقور أسود من قرن الخروب لأن حياة هذه المخلوقات تقوم على الافتراس والقتل منذ أن تفتح عينيها فى الصباح وتقول: يا فتاح ياعليم، يا رزاق يا كريم! وليس عندها “يا أمى، ارحمينى”! ولكن لم، وهى لم تأت بشىء من عندها بل كانت تتبع غريزتها التى بثها الله فى كيانها، والتى لو تخلت عنها، ولا أدرى كيف، إذ ليس لديها عقل ولا ضمير ولا ذاكرة ولا تخيل للمستقبل، لما استطاعت العيش لحظة واحدة؟ أيجبرها المولى على شىء ثم يستدير فيعاقبها عليه، ثم يحولها بعد ذلك إلى تراب؟ أما كان أغنى الضارب والمضروب والقاتل والمقتول والسارق والمسروق من الحيوانات والطيور وما أشبه عن الإحياء والحساب والإماتة والإعادة إلى التراب من جديد؟ وكله كوم، والثعلب كوم آخر.ترى كيف نصنفه؟ وأين نضعه؟ أتصور أنه ينبغى أن يوضع مع المنافقين رأسا برأس مع زعيمهم عبد الله بن أبى بن سلول. إنه يتسحَّب ويبدى لنا ما يخفى عكسه فى قلبه ولا يتحرك إلا فى الظلام ولا تأخذه شفقة ولا رحمة بالدجاج المسكين ويريد أن يحرمنا نحن البشر من هذا الطعام اللذيذ، وهذا فى حد ذاته جريمة بشعة قائمة بذاتها. وهو من ثم يناسبه أن يحشر ويوضع فى جهنم الحمراء مع المنافقين المكارين. ولكن هل أساء ثعلبنا الظريف إلى رسول الله أو تآمر على دينه وأتباعه؟ أبدا. فكيف يعذبه الله بالنار؟ ثم إذا كان هذا هو حال الشاة القرناء التى نطحت زميلتها الجلحاء فما الذى سوف ينتظر بنى آدم يوم الحساب والعقاب، وهم لم ينطحوا الشاة فقط، بل أمسكوها هى والبقرة والجاموسة والأرنب والبطة والوزة (اللى بتقول: واك واك واك) وذبحوها وأكلوها وهضموها، وفى مواسير الصرف الصحى أفرغوها، وإلى البلاعات المنتنة أرسلوها؟ وهذا هو رأيى فيما قاله شيخنا الهمام الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى