مقالات

ثلاثة مشاريع تنتظر السوريين!

أحمد البرهو

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

الآن، في عام 2021، أصبح من اليسر بمكان إدراك أن ثمة ثلاثة مشاريع تُعنى بالشأن السوري : شعبا، وجغرافيا.

1- ثورات الحرية التي كانت قد اندلعت في غالب الدول ذات الأنظمة الاشتراكية، وثورة الشعب السوري تنتمي إلى تلك الثورات، غير ان الوعي بموت الثورة / عدم قدرتها على الفعل بعد سنة 2014..إن هذا الوعي مطلوب لأنه سيترك المشروع الثالث (رقم 3) مكشوفا ، وهذه المقالة تصب في ذلك المسعى .

2- أنظمة كانت قائمة في سورية، والعراق، واليمن و.. وأوكرانيا، كان من الضرورة بمكان توخي الدقة في توصيف تلك الأنظمة، وأن يكون الوصف من وجهة نظر الثورة، كي لايخلط الإعلام بين مفاهيم يفترض أنها صادرة عن ثورة حرية، وبين مفاهيم أخرى لها علاقة بالشرق الأوسط الجديد.

3- مشروع الشرق الأوسط الجديد: الذي، وبحجة دعم الثورة، تم صرف مليارات الدولارات لإنشاء مبررات حدوث جغرافيا جديدة من خلال صناعة حدث او تزييف حدث آخر، بل والدفع باتجاه قضايا ماكانت ستكون صادرة عن إرادة الشعب السوري القاطن في مناطق تخضع إلى ما يسمّى بالنظام، ولا عن إرادة الشعب السوري القاطن في مناطق تم التوافق على إطلاق صفة (حرّة) رغم احتلالها من قبل تنظيمات لا تنتمي لا إلى ثورة، ولا تعترف بالحرية.
إذا فنحن ننكر واقعا كاملا بدعوى أن هذا الواقع مفروض على الشعب السوري، لا صادر عنه، حيث لا تقع المسؤولية إلا على من له إرادة حرّة.

يمكن للباحث إن كان من قبل ثائرا ، أن يسرد تاريخا موازيا يحمل منطقا غير مشوّه ، يثبت من خلاله كيف تمت عملية تزييف وإيهام كبيرين فقط لتضربَ الأرنبُ العصا كل مرة.
في 2011 يتحدث النظام الذي يواجه ثورة الشعب السوري عن مؤامرة كونية لتمزيق سورية، ثم لا تظهر هذه المؤامرة إلا بعد سنتين حين تكون التنظمات القادمة من خارج سورية قد تمكنت بالفعل من السيطرة على حراك الشعب السوري، واسره في كانتونات ، لتجيير حراكه لصالح المشروع الذي كان قد تنبّأ به النظام !.
ثم سيقوم النظام (الوطني) بالوقوف بوجه مشروع الشرق الأوسط الجديد
بقصف المدن والأحياء والقرى بالبراميل المتفجرة، ليدفع أهلها إلى النزوح الجماعي نحو الشمال!
الشمال الذي كانت الجماعات الإرهابية قد سيطرت فيه تماما، على (الثورة) حتى أضحى مناطق لايمكن فيها الحديث عن وطن فضلا عن ان يكون وطناً حراً!.
ثورة الحرية لم تقم بحكمةِ قائد، ولم تنجبه، ولم يسمح لها العالم المؤسساتي أن تنتج مؤسسة تمثلها، غير ان من يؤمن بها مايزال يدرك أن لها زاوية النظر الخاصة بها، والتي من خلالها تدفع بمفاهيمها و وجهة نظرها، لذلك هي كانت ثورة.
إن الثائر الحر من جهته، والمواطن السوري غير المنتمي إلى فريق النظام او إلى إحدى المعارضات من جهة أخرى، يمكنهما معا رؤية مصلحة مشتركة يعمل لها فريق عمل ما، موزّع على جبهتي الصراع (نظام/ معارضة).
إن هكذا تصور أولي يساعد على فهم لعبة جرى خلالها تبادل الأدوار بين من يصنع الهدف، وبين من يسدّد ليُسجَّل باسمه ذلك الهدف.. كل مرّة.
إن مَثَلَ (الأرنبِ والعصا) فيه عبرة لا تخفى على السوريين، تتضمن التشكيك بنتيجة الحدث النهائي.
فالأرنبَ مشهور بحمقه، ما يجعل من المستحيل معه توقع ردود أفعاله، لذلك يُلمّح المثلُ أن إرادةً ما لابد من توفرها خلف اليد التي ترمي العصا، فتُحدِثُ الفعلَ الذي يتمثل في حال تحقُّقه بـ إصابة العصا للأرنبِ، لكون الأرنب مفعولا به ، أمّا أن يُقبِلَ الأرنبُ راكضاً من مسافة بعيدة (لنقل منذ 2011) فيضربُ العصا مرارا، مرّة لينتج داعش ثم أخرى لينتج جبهة نصرة، ثم ثالثة فينتج PYDالمتحالف مع PKKالذي سيجري اتفاقا مع تركيا عام 2014 لينتقل للعمل في سورية، ثم يصبح هو والجولاني وابو عمشة رموز الثورة !.
إن ذلك الأرنب الذي يُحقّقُ نبوءات النظام والدول المحيطة والعالم لهو أرنبٌ مدهشٌ!.
اليوم في عام 2021 مايزال الناشطون باسم النظام /الدولة يعملون بجد ونشاط ليؤكدوا بأنها كانت مؤامرة، وأن من قال: اريد حرية في 2011 كان خائنا للوطن، ليصبّ زعم هذا ، في ظاهره فقط، في مصلحة شعارات النظام في وحدة الأراضي السورية وإعادة الأجزاء الخارجة عن سيطرة النظام/الدولة!.

إنّ تخوين إعلام وسياسة النظام لثلثي الشعب السوري المُهجّر او المُحتجز لدى تنظيمات عسكرية، هو مصلحة حقيقية تتلقى من خلاله تلك التنظيمات مشروعية وجودها كممثل للخيانة والتآمر على وحدة سورية أرضا وشعبا، فترد للنظام الجميل بالمثل، وتهدر إنسانية الإنسان السوري القاطن بحكم الضرورة في مناطق سيطرة النظام أو في مناطق سيطرة التنظيمات الأخرى، والخاسر الأكبر هم السوريون كشعب، وسورية كجغرافيا وطن.

إن التمييز بين الثورة وبين المعارضة أو التمييز بين النظام وبين الدولة ليس عملا كيدياً يناكد عبره سوري سورياً آخر، بل هو الفرق بين كونك ثورة وبين كونك خائن وهو الفرق بين أن تكون وطنيا أو أن تكون قاتلا باسم الوطنية !

تحتل التنظيمات العسكرية التي تنتمي إلى المعارضة قسما من الأرض السورية
فيتشاركون مع النظام حصتهم من الشعب السوري المذعور وفي الجغرافيا الممزقة، ويعلنون عبر نشطائهم (الثوريين) إجرام الشعب السوري القاطن في مناطق النظام لأنه مجموعة عبيد يستحق التشفي بمأساته في طوابير الخبز والغاز و… الخ
يمكن لأي قائد فصيل في المناطق (المحرّرة) أن يجلد ظهر من يتحدث عن وحدة الأراضي السورية بتهمة أنه عميل للنظام، كما يمكن لأي عنصر امن عند النظام ان يشحط أكبر شنب يقول بأن الشعب الذي في إدلب، مثلا، سوريون.

ثمة تهمتان جاهزتان في وجه السوري لأنه سوري، إحداهما انه عميل للإرهابيين، والأخرى أنه عميل للنظام، وكلتاهما تصدران عن جهات تقول بلسانها أنها تقاوم امريكا القادمة لتمزيق المنطقة فيما تُنفذ هذه الجهات ذاتها، الإرادة الأمريكية لا غير !
لنتفق كسوريين جميعاً أننا أيتام لا صوت لنا، وأن إطلاق احكام عامة بحق الشعب السوري الذي في الطرف المقابل لا يمكن اعتبارها رأيا، ولا وجهة نظر، بل هو خطأ علمي و سياسي واخلاقي يساهم في سياسة التقسيم.
إنّ إيهام قسم من الشعب السوري بإمكانية حصوله على خير شريطة عدم حصول السوريين الآخرين الذين هم في الطرف المقابل على نسبة منه..إن هذا وهمٌ يساهم في ثقافة التقسيم.
إنّ توهُّم حصولي كسوري على امتياز على حساب السوري الآخر ، أيا يكن دينه او عرقه او رأيه السياسي، إن هذا وهمٌ لا ينتمي إلى منظومة الفكر الحر.
الآن في عام 2021 امسى المخطط اكثر وضوحا، وانتشر المثقفون السوريون في انحاء العالم كافة، وصاروا أحرارا كفاية ليعملوا على إعادة قراءة سنواتهم العشر الماضية بعيدا عن أجندات معارضة ونظام عميلين، فيعيدوا صياغة الأحداث وينسبوا كل حدث إلى إطاره المعقول، على مستوى السياسة والثقافة . إن تمكنوا من هذا الفعل الأخير في حكايتهم فإنهم سينزعوا المشروعية السياسية من كافة المشاريع التي تم الاتفاق عليها بين القوى المستفيدة من مأساتنا كشعب سوري، فقط ليبقى الأمل متوفرا لدى الجيل القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى