مقالات

مستحيلات تركيا وخيالات مصر والخليج!

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

جاء تصريح البروفسور “ياسين اقطاي ” مستشار الرئيس اردوغان ليضع النقاط فوق الحروف في العلاقات التركية المصرية والخليجية ، يحدد ما هو ممكن ومتاح وما هو مستحيل وخيال ، ما هو مبدأ لا تنازل فيه وما هو تكتيك تحدده الظروف والأحوال والمصالح ،

هذا هو الفارق الجوهري بين إدارة الدول والمؤسسات وفقا للدستور والقانون والأعراف الإنسانية العامة وبين إدارة الإقطاعيات والممالك الخاصة والتي يكون فيها الحاكم هو القانون ومؤسسات الدولة خادمة لأحلامه وأوهامه وخيالاته ،

من هنا مازالت إلشواهد تؤكد مدى نضج ورشد السياسة والدبلوماسية التركية في التعامل مع دول المنطقة والعالم خاصة أمريكا واسرائيل وأوروبا وايران وروسيا ، ومازالت الشواهد تؤكد مدى مراهقة وصبيانية السياسة والدبلوماسية المصرية والخليجية في كل الملفات داخليا وإقليميا ودوليا ،

تركيا تتحرك بانفتاح معلن تجاه مصر والخليج قدمت بعض إجراءات حسن النوايا بضبط بوصلة الإعلام المصري المعارض عندها ، وتفهمت المصالح المصرية في ليبيا فأوقفت التقدم العسكري هناك ، وعرضت الوساطة في الملف الأثيوبي لما لها من عمق افريقي تمدد في السنوات العشرة الأخيرة ، وتعاملت مع المقاطعة الاقتصادية السعودية بحكمة ورشد ، وطرحت الشراكة في الملف الفلسطيني لما لها من علاقات قوية خاصة بشعب غزة ومقاومته ، يرجع هذا وغيره لاعتبارات الثقافة والتعليم والسياسة والتاريخ والممارسات التركية كدولة ديمقراطية حاضرة ورائدة وطامحة في المنطقة ، دولة يحكمها الإدارة المدنية التي يحاسبها الشعب السيد ، وليست الإدارة العسكرية التي تتسيد على الشعب وتعتبره أسيرا لديها ،

على الطرف الآخر غلب فكر ونمط صبيان العسكر وغلمان الخليج في مصر والسعودية وبالطبع الامارات ، حين تعاملوا مع التقارب التركي وكأنه نوع من الاستجداء والتوسل !! لا أدري لماذا وما هي شواهده ؟ لكنه في ثقافة الدول المتحضرة تتقدم المضامين والنتائج والمكاسب على الأشكال والأوهام والخيالات ، بمعنى ليس من المهم من بدأ بالتواصل لأن الأهم النتائج والمصالح وانعكاساتها على حياة الشعب اقتصاديا واجتماعيا وأمنياً ، أيضا ليس بالضرورة التوافق حتى التطابق فهذا عمليا شبه مستحيل ، لكن الاتفاق في ملفات أو أجزاء منها ، والاختلاف في ملفات و كذلك تأجيل أو تعليق بعض الملفات ،

هذا هو الفكر السياسي والدبلوماسية المدنية القائمة على العلم والخبرة والكفاءة ، وليس فكر ونمط وثقافة الصحراء والبادية والعسكر و رؤساء العصابات معا ، القائم على فكر كل شئ أو لا شئ ، وقد جاءت تجربة الحصار الخليجي المصري تؤكد هذا النمط ، حين اشترطت دول الحصار 13 شرطا عقابيا على قطر فصمدت وثبتت وقاومت سنوات ثم زال الحصار دون شرط أو قيد واحد ،

تقدمت تركيا نحو مصر والخليج بعقل ناضج وفكر راشد وتصريحات مريحة مرحبة ، وتعاملت مصر والسعودية بصبيانية مدهشة حين جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري وكأنه وضع تركيا الكبيرة في اختبار أو حكم عليها بالحبس الاحتياطي المتبع مع الخصوم السياسيين لحين التأكد والاطمئنان ، ممارسات وتصريحات وأفكار مؤلمة تشهد على حالة التردي وغياب أصحاب العلم والفكر والكفاءات وأن مربع الحكم لم يعد فيه الا الهواة والحواة وأنصاف الكفاءات ،

طرح شكري شروط نظام العسكر بالأصالة عن مصر وبالنيابة عن السعودية والإمارات ، شرط خاصة بالمعارضة المصرية في تركيا وأيضا بالقوات التركية لليبيا ، وربما القادم تكون القوات التركية في شمال سوريا والعراق وربما أذربيجان ، فجاء الرد حاسما بأن هذا من المستحيلات ، وطرحت تركيا مستحيلاتها القائمة على القانون المحلي والدولي والراعية لمكان ومكانة ومبادئ تركيا أمام خيالات مصر والخليج والتي لا تعتبر القانون ولا الأعراف ولا الحقوق وتتعامل بفكر أن كل شئ ممكن بالمال تارة والخديعة تارة وربما بالمنشار والبندقية تارة أخرى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى