التسويف .. إلى متى ؟
( سَوْفَ ) مرض عضال استشرى عند أصحاب الهمم الميتة – وأنا منهم – حتى جعلهم يكتفون بالأمانى والأحلام ويبنون قصورا على الرمال ، ولذلك صدق من قال : ” أكثر عذاب أهل النار من كلمة سَوْفَ ” ، وقيل لرجل من عبد القيس : أوصنا ، فقال : احذروا سَوْفَ .
- نحن والتسويف :
الغريب فى أمر التسويف أن الكثيرين منا قد جعلوه مشجبا يعلقون عليه تكاسلهم وتقصيرهم واستمراءهم للدعة والنقصان ، فمن قائل : لازلت صغير السن والوقت أمامى ، وقائل : سوف أصلى حين تتيسر الظروف ، وقائلة : سوف ألتزم وأتوب وأرتدى الخمار عندما أتزوج .
وكأنهم فى غفلة عن الحقيقة الكبرى ” الموت “
أو ظنوا أنهم اتخذوا عند الله عهدا بتأخيره ريثما ينتهون من تحقيق الأحلام وبلوغ الأمانى !
- التسويف والحجج الباطلة :
ما أكثر الحجج الباطلة التى تقال لتبرير التسويف ، فمنها :
1- الاعتقاد بأنه سيتفرغ فى مستقبل أيامه ، وهذا ولاشك وهم كاذب وسراب خادع ، لأن كل وقت له عمله ، وليس هناك فراغ
ولما قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وقد بدا عليه التعب من كثرة العمل : أخر هذا العمل إلى الغد ، فقال : ” لقد أعيانى عمل يوم واحد ، فكيف إذا اجتمع علىَّ عمل يومين “
ومعروف أنه كلما تقدمت السن زادت المسئوليات وضاق الوقت .
2- الاعتقاد بأنه سيعيش إلى غد
روى أن أميرا دعا رجلا صالحا إلى طعام ، فاعتذر بأنه صائم ، فقال الأمير : أفطر وصم غدا ، فقال له : وهل تضمن لى أن أعيش إلى غد ؟!
وإن ضمن الإنسان أنه سيعيش إلى غد ، فهل يضمن ألا يكون هناك مزيد من الشواغل والعوائق وربما الأمراض التى تمنعه عن فعل ما فاته ؟
أقوال السلف فى التسويف :
اجتهد أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه قبل أن يموت اجتهادا شديدا ، فقيل له : لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ، فقال : ” إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها ، والذى بقى من أجلى أقل من ذلك ” ، ولم يزل على ذلك حتى مات رحمه الله .
وقال المنذر : سمعت مالك بن دينار يقول لنفسه : ” ويحك! بادرى قبل أن يأتيك الأمر ” ، حتى كرر ذلك ستين مرة ، أسمعه ولا يرانى .
وقال الحسن البصرى رحمه الله : ” إياك والتسويف ، فإنه بيومك ولست بغدك ، فإن يكن لك غد فكن كيسا كما كنت اليوم كيسا “
وقال أيضا : ” يابن آدم إنما أنت أيام ، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك “