دين ودنيا

أوهام عند منكري السنة

سعد عبد الرحمن التركماني

كاتب وباحث تركي
محرر الشؤون الدينية في رسالة بوست
عرض مقالات الكاتب

إن لظاهرة “إنكار السنة” جذورا عميقة في التاريخ، حيث ظهرت بوادرها في القرن الأول الهجري في عهد الصحابة ، وكانت بدايتها عند بعضهم بسبب عدم معرفة قيمة السنة كمصدر ثانٍ للتشريع، فحاولوا البحث عن كافة المسائل في القرآن الكريم وحده دون السنة، كما يتبين ذلك مما يأتي :
روی الحافظ ابن عبد البر القرطبي (ت 463 هـ) بسنده عن الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه أن رجلا أتاه فسأله عن شيء، فحدّثه، فقال الرجل: حدثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره. فقال عمران خانه : “إنك امرؤٌ أحمق !، أتجد في كتاب الله الظهر أربعاً لا تجهر فيها بالقراءة ؟”. ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحو هذا، ثم قال: ” أتجد هذا في كتاب الله مفسراً ، إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك”.
وقال التابعي الجليل الحسن البصري (ت 110 هـ): “بينما عمران بن الحصين يحدث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذ قال له رجل: يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن، فقال له عمران: “أرأيت أنت وأصحابك تقرؤون القرآن، أكنتم محدثي كم الزكاة في الذهب، والإبل، والبقر، وأصناف المال، ولو شهدت وغبت أنتم؟”.
ثم قال: “فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الزكاة كذا وكذا”.
فقال الرجل: يا أبا نجيد أحييتني أحياك الله، ثم قال الحسن: “فما مات ذلك الرجل حتى كان من فقهاء المسلمين”.
فكان ذلك أول ظهور لمنكري السنة النبوية ، ومن هنا نعلم أن إنكار السنة المطهرة ناتجٌ عن الجهل بالقرآن العظيم ، فمع ادّعاءهم بالاكتفاء بالقرآن نرى أن كثيراً من الآيات ترد عليهم ، يقول الله تعالى : ( وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُوا۟ۚ فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ ) [المائدة ٩٢] ، فلو صحَّ قولهم في الإكتفاء بالقرآن دون السنة لما ذكر الله طاعة الرسول ﷺ إذ أن طاعته من طاعة الله ، لكن الله عزوجل أراد الإشارة إلى وجوب العمل بالسنة إلى جانب المصدر الأول وهو كتاب الله تعالى ، فمسألة إنكار السنة لم تعد فقط مجرد شبهة ترِد على القلب فينتج عنها ترك الأخذ ما ورد في السنة وإنما هي خطط ممنهجة لهدم الإسلام من الداخل ، فمعظم التشريع والأحكام موجودة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أهمها الأحكام المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة ففي الصلاة هناك أركان وواجبات وسنن وأحكام الطهارة ونواقضها والزكاة وما يجب فيها وغيرها ، كل هذا لا نجدها في القرآن الكريم، لأن الله سبحانه بيّن الأحكام على سبيل الإجمال والسنة جاءت بالتفصيل فيها ، ولا بد قبل الرد على منكر السنة أن نعرف دينه ومنهجه أولاً ، لأنه قد يكون ملحداً فيكون النقاش معه ضياعاً للوقت لأن يُنكر أهم من ذلك وهو وجود الله عزوحل ، وترى أن كل من يتكلم في موضوع السنة وردّها وعدم القبول بها ناتج عن الجهل بعلم الحديث وشروطه وقواعده وأساسياته ، ولهذا السبب ظهر الخلاف والشبهات حول السنة لذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله : ” لو سكت من لا يعلم لقلَّ الخلاف ” .
فعلم الحديث وقبول ما فيه وردّه من الأحاديث خاص بالمحدّثين الحُفاظ الذين يملكون أدواته وأساسياته والمعرفة برجال الحديث وأسانيده ومتونه ، ومن أسباب ظهور هؤلاء المنكرين ، جعلهم العقل أساساً في الأخذ بالنصوص وردّها ، وهنا نقول أن هذا الأمر باطلٌ لعدة أمور :
أولاً : معرفة الحكمة من حديث معين ليست واجبة على الإنسان وليست مطلوبة إنما نحن مأمورون بالتسليم له .
ثانياً : إختلاف العقول والأفهام بين البشر يُبطل ما يحتجون به من العقليات في ردِّ الأحاديث فلا يمكن أن يكون عقل منكر الحديث حجةً على أي أحد .
ثالثاً: العقل شأنه شأن أيةِ حواس في الإنسان له حد لا يتجاوزه ولا تُدرك كل ما جاءت به الشريعة .
فكل من ييريد الخوض في علم الحديث لا بد أن يمتلك قواعده وأدواته وله معرفة واسعة في الرجال والأسانيد والعلل ثم يحق له رد وقبول أي حديث بالدليل الواضح .
ويجب التنبيه على أمر وهو أن الله سبحانه وتعالى لما أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم كقوله سبحانه:
 وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ  المائدة /92.
دل ذلك على أنه قد بيّن على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مالم يذكره بنصه في القرآن الكريم.
قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
” وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله؛ فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله.
وقال تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ).
فقد اختص الرسول -عليه الصلاة والسلام- بشيء يطاع فيه، وذلك (السنة) التي لم تأت في القرآن، وقال تعالى:   مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ .
وقال تعالى:  ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .
وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول ، وكل ما أمر به ، ونهى؛ فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن؛ فلا بد أن يكون زائدا عليه ” انتهى من”الموافقات” (4 / 321 – 322)
ولأن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده بتيسير تلاوة القرآن، حيث قال سبحانه وتعالى:
 ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ  ) القمر/17.
فلو كان يلزم أن يكون كل ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من تفاصيل الأحكام الشرعية واخبار ما كان ، وما سيكون ، مذكورا في القرآن ؛ لشق على الناس تلاوته ، ونيل ثواب حفظه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى