بحوث ودراسات

الحل على الطريقة الروسية: هل هنالك مبادرة دولية حول سوريا؟ الانتخابات الرئاسية ،لا جديد لدى الأسد !

المرصد الاستراتيجي
قسم البحوث والدراسات

في يوم الخميس، 27 مايو 2021، أعلن النظام فوز بشار الأسد بولاية رابعة بعد حصوله على نسبة 95,1% في الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في أسوأ ظروف مرت بها الجمهورية العربية السورية منذ تأسيسها عام 1932.

وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية التي استعرضها النظام في وسائل إعلامه؛ إلا أن ذلك لم يغير شيئاً من الواقع المؤلم للبلاد، حيث استيقظ الناس في اليوم التالي على طوابير الخبز والغاز والمحروقات، في ظل تأكيد تقارير الأمم المتحدة أن سوريا تعيش أسوأ “كابوس” في تاريخها نتيجة تعرض نحو 60% من السوريين لخطر الجوع، وارتفاع معدل التضخم إلى نحو 200 بالمئة، وزيادة التضخم السلعي بنسبة 300 بالمئة، وتكبد الاقتصاد السوري خسائر تزيد عن 530 مليار دولار.

وفي مشهد سريالي طالما تكرر في العقود الخمسة الماضية؛ ظهر الأسد منتشياً بنصر وهمي على أنقاض بلاد تصدّرت قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم بنسبة بلغت 82,5%، حيث يعيش نحو 90 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر، ويعاني 12,4 مليون منهم تبعات انعدام الأمن الغذائي، ويقبع مئات الآلاف في السجون، ويعاني مليون ونصف المليون من إعاقات مستديمة، ويقيم أكثر من 13 مليون بين لاجئ ونازح، فيما تحتل البلاد قاع الترتيب العالمي لمؤشر الحرية للعام 2021، وتحتل المركز 174 (من أصل 180 بلداً) في التَّصنيف العالمي لحرية الصحافة، وتحافظ على المرتبة الأخيرة في قائمة المؤشر العالمي للفساد.

وكان المتغير الوحيد هو خروج بشار الأسد في خطاب مأزوم لا يتناسب مع احتفالات النصر التي استعرضها إعلامه الرسمي، حيث كال الشتائم لمعارضيه، ولم يأت في حديثه بأي تلميح أو تصريح حول استعداده للإصلاح أو استيعاب مقتضيات التغيير الحتمي. 

أما على الصعيد الدولي؛ فقد استُقبل الانتصار الوهمي ببرود، حيث استنكر وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا إجراء الانتخابات خارج إطار القرار الأممي (2254)، وأعلنت الأمم المتحدة أنها غير منخرطة في تلك الانتخابات، فيما أكد الاتحاد الأوروبي عدم شرعيتها، وأبلغت السلطات التركية القنصلية السورية في اسطنبول رفضها فتح صندوق انتخابي بداخلها على الأراضي التركية، معتبرة أن الانتخابات “فاقدة للشرعية”.

ورأت صحيفة “غارديان” البريطانية (26 مايو 2021) أن الفائز في الانتخابات -المحسومة سلفاً- هو مجرد “رئيس عصابة”، فيما اعتبرت صحيفة “ديلي تلغراف” (24 مايو 2021) الانتخابات مزورة، مؤكدة أن الشباب السوري لا يهمه سوى الفرار من البلاد التي دمرتها الحرب، وأن 90 بالمئة من اللاجئين السوريين لا ينوون العودة إلى سوريا في المستقبل القريب. 

ما لم يتم إعلانه للملأ هو أن بشار الأسد كان قد أبدى استعداده لتأجيل الانتخابات شريطة توفر النية الجادة لدى جيرانه في تسريع وتيرة إعادة تأهيله، إلا أن روسيا ضغطت على دمشق لإجراء الانتخابات في موعدها، وأصرّت على عدم ربطها بمخرجات اللجنة الدستورية أو القرار (2254)، وبات من الواضح أن خطاب بشار المأزوم كان موجهاً بالدرجة الأولى إلى حلفائه، وأن الهدف منه هو التأكيد على تمسكه بتلابيب السلطة التي وعدت موسكو بإمكانية التنازل عن بعضها في مرحلة ما بعد الانتخابات.

الرؤية الروسية للانتقال السياسي

كان بوتين أول مهنئي بشار الأسد، وذلك من خلال رسالة أكد فيها أن: “نتائج التصويت أكدت سمعتكم السياسية العالية وثقة مواطني بلدكم بالنهج الذي يمارس بقيادتكم لاستقرار الوضع في سوريا وتعزيز مؤسسات الدولة فيها بأسرع وقت ممكن”، مشدداً على: “تقديم عملية تسوية سياسية، وإعادة إعمار البلاد”.

وفي أتون الاحتفالات الصاخبة التي رعاها إعلام النظام؛ كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُحضّر حزمة من الملفات التي سيضعها على طاولة اللقاء المرتقب مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في سويسرا (16 يونيو 2021)، وأبرزها ورقة “شرعية” بشار الأسد لمدة سبع سنوات مقبلة، والتي يرغب من خلالها تأكيد قدرته على رسم المسار السياسي في سوريا.

ولتحقيق ذلك الهدف؛ استبق بوتين الانتخابات الرئاسية بإيفاد وزير خارجيته سيرغي لافروف في جولة خليجية (8-12 مارس 2021) قدم فيها تعهدات بإمكانية كسر الجمود في الملف السوري مقابل تعويم نظام الأسد، إلا إنه فوجئ بتحفظ كل من الرياض وأنقرة والدوحة، ورفضها فك عزلة الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية “دون معالجة مسببات الأزمة” والتخلي عن دعم مشروع التوسع الفارسي في المنقطة، ما دفع لافروف للتحذير (31 مارس 2021) من:” إمكانية انهيار الدولة السورية إذا استمر النزاع”. 

وفي إحدى العواصم الخليجية؛ همس أحد المسؤولين في أذن لافروف بضرورة دفع الأسد لإبداء بعض المرونة، واستحداث متغيرات جدية لتمكين دولته من المساهمة الفاعلة في إخراج سوريا من أزماتها السياسية والاقتصادية، ورد عليه لافروف بنية موسكو تحقيق ذلك شريطة أن تتم عملية التغيير تحت مظلة النظام، وليس من خلال إملاءات تفرضها الدول الغربية عبر الوساطة الأممية.

وكان الكرملين قد عكف على إعداد خطة تحول سياسي تتضمن: تشكيل حكومة تضم عناصر من “معارضة الداخل”، وإشراف بشار الأسد على تنفيذ عملية انتقالية تتضمن إقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات بلدية ونيابية، وبذلت الدبلوماسية الروسية جهوداً -غير معلنة- لإقناع الدول الفاعلة بالرؤية الروسية تحت عنوان: “تعديل سلوك الأسد”، وهي العبارة التي تكررت على ألسنة العديد من المسؤولين الغربيين فيما بعد.

وتتضمن الرؤية الروسية: “الحفاظ على وحدة الأراضي السورية مع استحداث بعض التغييرات داخل الحدود”، بحيث تتشكل حكومة وحدة وطنية على أساس “اتفاق طائف” سوري يوزّع الصلاحيات والمسؤوليات على المؤسسات، فلا تبقى محصورة في شخص الرئيس.

إلا أن تلك المقترحات لم تجد قبولاً في دمشق، وخاصة منها ما يتعلق بمنح إقليم الجزيرة ومناطق سيطرة “قسد”، وبعض المحافظات التي تضعف فيها سيطرة النظام قدراً من الاستقلالية ضمن الدولة السورية، وعلى رأسها: إدلب ودرعا والسويداء. 

وكان دبلوماسيون روس قد تحدثوا عن استياء النظام السوري من تصويت موسكو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدعم تشكيل حكومة انتقالية، وتأكيدهم أن بعض التعديلات المقترحة على الدستور، والتي نوقشت في جنيف، تستلزم فعلياً وضع دستور جديد.

في هذه الأثناء؛ يسود القلق في أرجاء القصر الجمهوري من محاولة الكرملين إعادة التسويق لمشروع الدستور الروسي لسوريا (الذي طُرح في أستانة عام 2017)، والذي يتضمن بنوداً مثيرة للجدل، أبرزها؛ تخفيض صلاحيات رئيس الجمهورية، واقتراح منظومة تشريعية ثنائية لتقاسم السلطات قوامها البرلمان (مجلس الشعب) ومجلس المناطق (مجلس الشيوخ)، ومنح مجلس الشعب صلاحيات أكثر من الحكومة التي لن يكون بوسعها حل مجلس الشعب أو الدعوة لانتخابات جديدة، واستحداث مفهوم “المحاصصة الطائفية” في تشكيل الحكومة، والتنصيص على المساواة بالكامل بين اللغتين العربية والكردية كلغتين رسميتين للدولة، ما دفع ببشار الأسد لرفع السقف في خطابه، والتأكيد على أنه يتمتع بتخويل شعبي لقيادة البلاد دون أي تدخل خارجي.

وتلعب موسكو في الوقت الحالي على عدد من الأوراق التي تزعج دمشق، ومن ضمنها؛ دعم بعض التيارات السياسية المقربة منها في “المعارضة”، وإبراز عدد من الشخصيات التي يمكن أن تُضعف نفوذ الأسد، وعلى رأسها؛ شقيقه ماهر (الذي أثار مخاوف جدية في القصر الجمهوري خلال الأيام الماضية)، وابن خاله رامي مخلوف (الذي تسبب بكثير من الجدل في الآونة الأخيرة)، ومناف طلاس (الذي يسعى للعودة إلى المشهد السياسي من خلال مجلس عسكري تتنامى حظوظ الاعتراف به من قبل أطراف روسية وأوروبية). 

وتأمل موسكو في تحقيق توافق بين الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها: واشنطن، وتل أبيب، وطهران، وأنقرة، وتتضمن الاعتراف بسيطرة تلك الدول على مناطق نفوذ خاصة بها ضمن كيان “اتحادي”، حيث أكد وزير الخارجية لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو، في عدة مناسبات، إمكانية إنشاء جيوب حماية لبعض الفئات المجتمعية ضمن نظام فيدرالي.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن موسكو قد حصلت بالفعل على تعهدات من قبل بعض الدول العربية بتعزيز جهودها في تمويل تلك الجيوب، مقابل تعاون بشار الأسد الذي ستتم مكافأته بحزمة ضخمة من مشاريع إعادة الإعمار والتطبيع معه وإعادته إلى الحظيرة العربية. 

ويبدو أن واشنطن وتل أبيب تنسجمان مع تلك الخطة من حيث المبدأ، حيث تبذل واشنطن أقصى جهدها لتأمين الدعم الإقليمي للوحدات الكردية، فيما تتفق تل أبيب مع بعض الدول العربية على ضرورة إضعاف الموقف التركي والإيراني في الشمال السوري، إلا أن البيت الأبيض لا يرغب في تقديم أية حوافر للنظام ما لم يُبدِ جدية والتزاماً بالعملية السياسية.

إخفاقات الدبلوماسية الروسية

إلا أن التعهدات التي بذلتها روسيا لا تمتلك أرضية قوية لتطبيقها على أرض الواقع، فإزاء كل نقطة قوة تمتلكها موسكو، تكمن مجموعة من العوائق التي تجعل المكتسبات الروسية هشة وقابلة للانهيار؛ حيث يرهن بوتين رؤيته للحل في سوريا بتعاون شركاء لديهم رؤى مختلفة وحسابات مغايرة، ولا تزال الدبلوماسية الروسية غير قادرة على ترجمة التفوق الروسي إلى اتفاقيات ملزمة في المسرح الدولي. 

وتتحدث المصادر عن توجيه بوتين أصابع اللوم إلى وزير خارجيته سيرغي لافروف، ووصف أدائه بالمتردد والرديء، ويبدو أن وزير الدفاع سيرغي شويغو يوافق بوتين على هذا التقييم، ويحمّل كل منهما وزير الخارجية لافروف مسؤولية فشل روسيا في التوصل إلى توافقات دولية صلبة تضمن مصالح روسيا في المنطقة. 

ويكمن القلق الأكبر لدى بوتين في عدم وضوح موقف الإدارة الأمريكية الجديدة وعدم الإفصاح عن نواياها في المرحلة المقبلة، حيث يقتصر دور واشنطن في الوقت الحالي على إفساد الترتيبات الروسية شمال شرقي سوريا، دون التقدم بأية مقترحات أو مبادرات بناءة، فيما تُعرض الدول الغربية عن محاولات الروس إشراكهم في العملية السياسية والمساهمة في إعادة الإعمار.

أما الإخفاق الأكبر؛ فيتمثل في الاعتماد المفرط على نظام الأسد لتحقيق الرؤية الروسية، فبعيداً عن المظاهر الاحتفالية المفبركة على وسائل الإعلام؛ تسود الفوضى في مختلف المحافظات السورية بما فيها العاصمة دمشق، حيث ينتشر التذمر من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتفشي الفساد.

ويدور الحديث في الأروقة السياسية الروسية عن ضعف تأثير التحركات الروسية في المنطقة العربية، ما يجعل الدبلوماسية الروسية غير قادرة على تحقيق أية مكتسبات، حيث فشلت إستراتيجية موسكو في تحقيق مصالحة فلسطينية رغم الجهود التي بذلتها منذ عام 2019، ولم يكن لها أي دور يذكر في المواجهات الأخيرة مع “إسرائيل”، ولم تفلح اتصالاتها المكثفة مع مختلف الأطراف اللبنانية في تحقيق أي إنجاز يذكر، ما أثار تساؤلات حول كفاءة الدبلوماسية الروسية في استثمار “الانتصار” الذي تحقق لها في سوريا، وتحويله روسيا إلى لاعب مهم ومؤثر في المنطقة، خاصة وأن مسار “أستانة” قد فقد صلاحيته، ولم يعد قادراً على حفظ التوازن بين أطرافه الثلاثة.

وعلى الرغم من الحشود العسكرية والتعزيزات التي حرصت القوات الروسية على استعراضها بالتزامن مع المسرحية الانتخابية في سوريا؛ إلا أن حظوظ موسكو في تحقيق أية جدوى سياسية أو اقتصادية من تلك الحشود لا تزال محدودة للغاية، حيث تعاني روسيا من ضغط عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن ركود الاقتصاد الروسي. 

معالجة الأزمة السورية كجزء من منظومة الحل الإقليمي

ولتعزيز مصالحها الاقتصادية عبر البوابة السورية، تقرن موسكو بين الحشود العسكرية المتمثلة في: توسيع قواعدها العسكرية لاستقبال قاذفات نووية إستراتيجية، وتوفير خدمات جديدة لمعداتها الحربية وجنودها، والضغط على النظام لإبرام اتفاقيات تمنح الشركات الروسية حق التنقيب عن النفط والغاز، وتبذل في الوقت نفسه تعهدات بتشكيل نظام سياسي أكثر شمولاً، مع الإبقاء على بوابة الإصلاح الدستوري مفتوحة، حيث أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (4 يونيو 2021) إمكانية: “إجراء انتخابات وفقاً للدستور الجديد أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكل مبكر وليس بعد سبع سنوات”.

ويأتي تصريح بوغدانوف، لتعزيز فرص الدبلوماسية الروسية في المنطقة، حيث ترى الخارجية الروسية فرصة سانحة في موجة “المصالحات” التي تشهدها المنطقة، والتي يمكن أن تسفر عن توافقات من شأنها تمكين روسيا من تحقيق موطئ قدم، وذلك من خلال لعب دور الوسيط بين “إسرائيل” ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة وإيران من جهة ثانية.

في هذه الأثناء؛ تستثمر الدبلوماسية الروسية في تنامي مشاعر القلق الإقليمي من توجه الإدارة الأمريكية الجديدة لإبرام اتفاق جديد مع إيران في معزل عن حلفائها، ما يدفع دول المنطقة للعمل على فتح قنوات تفاوضية بديلة يمر معظمها عبر روسيا.

وبناء على تلك المعطيات؛ فإن معالجة الأزمة السورية لن تأتي كحل منفرد على النمط الذي تتبناه الوساطة الأممية، بل من خلال حزمة اتفاقيات بين إيران والدول الخاضعة لنفوذها (بغداد-دمشق-بيروت- صنعاء)، مع دول مجلس التعاون ومصر، وذلك بهدف التوصل إلى صفقة إقليمية، يمكن للمنصة الثلاثية (موسكو-أنقرة-الدوحة) التي تم إبرامها في الدوحة (11 مارس 2021) أن تقوم فيها بدور الوسيط.

في هذه الأثناء؛ ترشح من كواليس الدبلوماسية العربية تسريبات حول استعداد الدول الفاعلة لمراجعة الملف السوري، وفتح سائر تفاصيله في زحمة “المصالحات”، وذلك بهدف التوصل إلى تفاهمات إقليمية تشمل كلاً من موسكو وطهران وأنقرة وتل أبيب.

وجاءت مبادرات فتح سفارات بعض الدول العربية، والسماح بإجراء الانتخابات في سفارات النظام بالكويت ودولة الإمارات وعمان ولبنان، ومن ثم إرسال برقيات التهنئة من قادة لبنان والسلطة الفلسطينية والجزائر، لتؤكد استعداد تلك الدول للترحيب بدور جديد للنظام السوري في المرحلة المقبلة، في ظل الحديث عن احتمال عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

المباحثات الجارية والخيارات المتاحة

مثّل تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا في مجلس الأمن غير بيدرسون (27 أكتوبر 2020) بأن وضع دستور جديد للبلاد عبر مفاوضات اللجنة الدستورية لا يمكن أن يكون كافياً للحل، ودعوته لتدشين عملية سياسية أوسع وأكثر مصداقية؛ بداية تحريك عجلة الدبلوماسية الإقليمية لمعالجة الوضع السوري، حيث أعقب بيدرسن تصريحاته بزيارة للقاهرة، ولقائه بوزير الخارجية المصري سامح شكري (4 نوفمبر 2020) وبالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط (5 نوفمبر 2020) لمناقشة سبل الدفع بالمسار السياسي في سوريا.

وتزامنت تلك الزيارة مع تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش (7 نوفمبر 2020) بأن الأزمة السورية بحاجة إلى مقاربة جديدة، وتأكيده على ضرورة وجود دور عربي لإنهاء العنف والاقتتال.

وفي شهر أبريل؛ قام بها ألكسندر لافرينييف مبعوث الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين بزيارة لدمشق (10 أبريل 2021)، بعد جولة، غير علنية، قام بها لافرينييف إلى دول عربية، حيث نقل رسالة من بوتين، أكد فيها أن الانتخابات الرئاسية السورية ستكون: “مفصلية في مسار الأزمة السورية التي مر عليها عشر سنوات”.

ونقل المبعوث الروسي إلى بوتين تأكيد معظم الدول العربية على أن تحقيق تلك الرؤية يتطلب: “مبادرات من الجانب السوري”، وضرورة: “اتخاذ دمشق سلسلة من الخطوات السياسية لتنفيذ القرار 2254، والتعاطي الإيجابي الملموس في اجتماعات اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، وتوفير ظروف عودة اللاجئين، وأن يتخذ السوريون قراراتهم فيما يتعلق بالعملية السياسية للحفاظ على استقرار سوريا ووحدتها”.

كما طالبت بعض الدول العربية كلاً من موسكو ودمشق باتخاذ “خطوت ملموسة” لتخفيف النفوذ الإيراني في سوريا و”إخراج الميلشيات الطائفية” منها، و”الوفاء بتفاهمات سابقة تخص لجم نفوذ إيران وإطلاق العملية السياسية.

ودار الحديث آنذاك عن مسودة تحمل اسم “مبادرة العمق العربي”، وتتضمن: الحوار مع الحكومة السورية لبحث إجراءات بناء الثقة، كإطلاق المعتقلين، وإعادة النازحين بدعم عربي، وفصل السلطات لضمان استقلالية القضاء، والتشجيع على إقامة منصة سورية جديدة تحظى برعاية الجامعة العربية، وصياغة مشروع متطور للإدارة المحلية، ينتج عنه نظام لامركزي إداري واقتصادي، ودراسة مشاريع الحوكمة التي يمكن تطبيقها في سوريا، بدءاً بالأطراف، مثل شمال شرقي سوريا، وفي الجنوب كالسويداء ودرعا، وإقناع “الإدارة الذاتية” شرق الفرات بتشكيل “إدارة جديدة تقوم على مبدأ تقاسم سلطة حقيقي مع الأحزاب الكردية الأخرى والعشائر العربية”.

وتلقت دمشق تلك المقترحات بحساسية بالغة، مبدية تحفظها على “سرعة” و”عمق” المقترحات، ومؤكدة أن “الإصلاح السياسي سيأتي بعد الانتخابات”، شريطة مساعدة الدول العربية في تحسين الوضع الاقتصادي.

ونظراً لتقديمها مصالح الدول الفاعلة؛ فقد بات من الواضح أن التفاهمات الإقليمية المرتقبة لن تحظى بقبول النظام السوري وقوى الثورة والمعارضة على حد سواء، خاصة وأنها تأتي ضمن سياق معالجة شاملة لأزمات العراق واليمن ولبنان وليبيا بالإضافة إلى الملف السوري، بحيث يتم إعادة تأهيل بشار الأسد وإنقاذ اقتصاده مقابل تنازلات على مستوى السلطة والسيادة.

أما على صعيد المعارضة؛ فيمكن ملاحظة محاولات بعض المسؤولين بمؤسساتها القفز من السفينة الغارقة، وسعيهم للبحث عن بدائل جديدة في ظل المفاوضات الإقليمية الدائرة حول مستقبل الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية والحكومة المؤقتة، الأمر الذي يدفع للدعوة إلى إجراء مراجعات شاملة تهدف إلى تحقيق ما يلي:

1- البحث عن بدائل للتأثير عبر القنوات الدبلوماسية المتاحة، والخروج من وهم “الإصلاح الدستوري” نحو آفاق عملية سياسية شاملة تراعي مصالح الشعب السوري وتحقق التمثيل العادل لمختلف القوى الوطنية الفاعلة.

2- امتلاك زمام المبادرة عبر توظيف حزمة من الملفات الضاغطة لتحقيق موقف تفاوضي أفضل.

3- تعزيز مسارات الدبلوماسية الإقليمية خارج إطار التفاوض الأممي، بدلاً من الانجرار خلف أوهام “الإصلاح الدستوري” ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال صياغة رؤية سياسية تحقق مطالب الشعب السوري وتواكب تحولات المرحلة، وتوفر الحد الأدنى من المبادئ التي يمكن لسائر قوى الثورة أن تعمل تحت مظلتها، وهو أمر منوط بما ستؤول إليه أوضاع المؤسسات التي أخفقت في تمثيل القضية العادلة للشعب السوري في المحافل الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى