مقالات

كوميديا التعاطف الدولي مع الأقليات

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

من كثرة الأقليات، وكثرة الأكثريات التي تتعرض لهٰذه الكوميديا بما فيها مفارقات تحار من أين تبدأ وبأي شاهد تفتتح.

عشرات السنين مضت وما يسمى المجتمع الدولي يطرب آذاننا كل يوم بأسطوانة حماية الأقليات وحقوق الأقليات ومراعاة الأقليات حَتَّىٰ نكاد نحسب أن المجتمع الدولي هٰذا ينطق بلسان النبوة خشية وورعاً من خوفه وحرصه علىٰ حقوق الأقليات بوصفهم المستضعفين في الأرض.

المقدمات ذاتها لا بُدَّ أن تقول إلىٰ النتائج ذاتها. هٰذه حقيقة منطقية ولغوية وعقلية في آن معاً. هٰذا يعني أنَّ هٰذا المدعو بالمجتمع الدولي والمتمثل في حقيقة الأمر بالدول الكبرى وخاصة منها الخمس في مجلس الأمن الدولي… لا يمكن أن يكون صادقاً لا مع نفسه ولا مع الآخرين في مزاعمه المرسلة في حماية الأقليات وحقوق الأقليات. ثَمَّةَ وراء الأكمة ما وراءها. 

ما يسمَّى بالازدواجية في سياسات وتصريحات هٰذه الدول الكبرى ويكشف عن عوارا وكذبها الأصيل المتأصل يجب أن يقودنا إلىٰ أَنَّهُ من المحال أَنَّهَا تضمر نوايا حسنة في هٰذه التصريحات والقوانين والقرارات التي ثقبت آذاننا منذ نحو نصف القرن علىٰ الأقل.

حكاية الأقليات ليست أكذوبة وحسب بل من أحقر الأكاذيب علىٰ الإطلاق. لننظر في الدول الكبرى والعظمى والراقية والديمقراطية أي صاحبة هٰذه الأسطوانة المشروخة؛ هل يوجد عندهم حقوق أقليات في بلادهم؟ هل يضمنون حقوق الأقليات في بلادهم؟ هل تنال الأقليات حقوقها في بلادهم؟

ستجد الكثير من الأجوبة النفاقية والغبية المدافعة عن السياسة الغربية تجاه الأقليات في العالم الغربي. هي نفاقية وغبية بامتياز، تحاول حجب  الشمس بالغربال. ربَّمَا يكون هناك احترام وتقدير لحق الأقليات سائر الأقليات ما عدا المسلمين باليقين. علىٰ الأقل المسلمون وحدهم لا حقوق لهم علىٰ الإطلاق بل حقوقهم مسلوبة معتدى عليها ليل نهار من قبل السلطة ذاتها ومن قبل الأفراد. إذا كنت لا ترى هٰذه الحقيقة فأنت أعمى البصر والبصيرة ولن تجديفي إقناعك الأدلة مهما كانت كثيرة.

أعرف أنَّ المسلمين في أوروبا يعيشون حرية وديمقراطية أكثر من التي يحظون بها في بلادهم بمئات المرات، لا أنكر ذٰلك. ولٰكنَّ السبب، هو الانعدام التام للحرية والديمقراطية في العالم العربي خاصة والإسلامي عامة. وليس الكرم الغربي تجاه المسلمين. ودعك تماماً من أنَّ المستبدين العرب عبيد هٰذا الغرب وينفذون إرادة الغرب في فمع الإسلام والمسلمين.

حسبك فوبيا الإسلام والسياسات الغربية علىٰ مدار ما سبق من السنين لدمج الأقليات المسلمة بمجتمعاتها الغربية ومحو هويتها الإسلامية. الدمج يعني محو هوية الأقليات وعقيدتها. فأي احترام لحقوق الأقليات. بعد اندماج المسلم بالثقافة الغربية للم يعد أقلية ولن يبحث عن حقوق الأقليات ولن يفكر فيها، والغرب لن يتعامل معه علىٰ أَنَّهُ أقلية. 

وتعجب كل العجب أنَّ الأقليات غير المسلمة لا أحد يقترب من أخلاقها ولا عقائدها ولا عاداتها بل يتم الترويج لها وتسويقها في الثقافة الغربية. مسألتان هنا الآن صارتا واضحتين وهما الحقيقة.

المسألة الأولى: أنَّ الغرب الذي يبوح وينوح ويسوح في مزاعم حماية الأقليات كاذب في ذٰلك ولا شك، فهو علىٰ أرضه لا يعرف شيئاً اسمه حقوق الأقليات ولا بحال من الأحوال. يبدو ذٰلك واضحاً جليًّا مع المسلمين، والشواهد علىٰ ذٰلك أكثر من أن تعد وتحصى، وحَتَّىٰ الأقليات الأُخْرَىٰ ليست بمنأى من ذٰلك، ولٰكنَّ المعطيات الواقعية لهٰذه الأقليات من عدم تعارضها مع مصالح الأكثريات تجعلها في منأى عن المعاناة من الإجحاف أو الاستهداف.

المسألة الثانية: أنَّ بؤرة حماية الأقليات وعدم حمايتها منصبة علىٰ الإسلام وموقع الأقلية من الإسلام. ولا يمكن الاقتناع بغير ذٰلك أبداً، ليس من باب عدم الرغبة في الاقتناع، ولا عدم إرادة الاقتناع، وإنَّمَا منت باب أنَّ الواقع يقطع بذلك من دون أدنى إمكانية للمناقشة. والأمثل والشواهد التي عشناها ونعيشها منذ عقود طويلة تنوف عن نصف القرن أكثر من أن تعد ونحصى.

حماية الأقليات ليست أكذوبة وحسب بل من أحقر الأكاذيب علىٰ الإطلاق. والأمثلة والشواهد والأدلة أكثر من أن تعد وتحصى. أعطي أمثلة مشهورة بالكاد تجد من لا يعرفها ولا يفهمها مهما كانت جنسيته وعقيدته.

لأبدأ من المأساة السورية الشاهد الحي الأكبر والأعظم والأكثر غنى علىٰ تناقضات الغرب علىٰ مختلف أنواع التناقضات. في حين أنَّ المسلمين السنة العرب تحدياً وهم الأكثرية المطلقة في سوريا علىٰ مستوى العرق والعقيدة معاً، والأقليات الأُخْرَىٰ كثيرة أكثرها لا يزيد عن 8 بالمئة… في حين أنَّ العرب السنة في سوريا يتعرضون لمذبحة من أبشع ما يمكن أن يوصف عبر التاريخ، ووصل الأمر إلىٰ أنَّ ثمانية عشر مليون سوري من أصل اثنين وعشرين مليون سيكونون بحاجةٍ ماسَّة إلىٰ تقديم الإغاثة خلال أشهر قليلة، وليس الذين يحتاجون إلىٰ ذۤلكَ الآن بأقل من ذۤلكَ بكثير. في عام 2013 حين كتابة هٰذا الكلام. وبعد ذٰلك تم تشريد وتهجير أكثرهم خارج سوريا وكثير منهم داخل سوريا… في ظل ذٰلك كله كان المحلِّلون والسِّياسيُّون، وخاصَّةً الغربيون منهم يبعبون ليل نهار:

ـ لدى المسيحيين مخاوف… وهي مخاوف مشروعة.

هٰذا حقهم فهم أقلية…

ـ لدى العلويين مخاوف… وهي مخاوف مشروعة.

هٰذا حقُّهم فهم أقليَّة…

ـ لدى الدروز مخاوف… وهي مخاوف مشروعة.

هٰذا حقُّهم فهم أقليَّة…

وما لم يقله أحد هو: ليس من حقِّ تسعين بالمئة من الشَّعب السوري أن يكون لديه أيُّ مخاوف وهم الذين يتعرضون لحملة إبادة حقيقية، علىٰ يد أقليَّة من هٰذه الأقليات، وهم كلُّهم تقريباً ما بَيْنَ مشرَّدٍ ومعتقلٍ وجريحٍ وقتيلٍ في ذٰلك الحين، والآن حدِّث ولا حرج.

فبأيِّ عقلٍ تفكرون؟

وكيف تفكرون؟

لا أقول إنَّهُم عميان، فهم مبصرون، ويعرفون ماذا يفعلون. ولذۤلك هم مسؤولون، مسؤولون عن كلِّ قطرة دمٍ، عن كلِّ أنَّات الجرحى والمشردين والمعذبين.

لا تقولوا لم نر فإنَّ إبليس منذ سنة يتوسَّل إليكم أن تنظروا لأنَّهُ لم يعد يستطيع احتمال شيطانيتكم. لقد بدا إبليس أمامكم ملاكاً طاهراً، ولم يحتمل أن ينافسه في أبلسته الإنسان فراح يرجوكم، يتوسل إليكم، يناشدكم… ولٰكن أبيتم إلا أن تكونوا أبالسةً أكثر من إبليس.

لنتابع في الشاهد ذاته ليكون مفصلاً قليلاً، ويمكن تعميمه علىٰ ما بعد ذٰلك من  الشواهد، فالمبدأ واحد، والقانون واحد، والضحية واحدة، والجاني واحد. إن الجريمة ترتكب بحق الأكثرية من قبل الأقلية في سوريا برعاية الغرب المنادي بحقوق الأقليات تكشف عن هٰذه  الكذبة الكبرى وتعريها تماماً، فلم يكتف الغرب بالمناداة بحقوق الأقلية بل رعى المحرقة التي تتعرض لها الأكثرية علىٰ يد أقلية بل تجاوز ذٰلك إلىٰ حماية هٰذه الأقلية. وقد كتبت منذ بداية الثَّورة السورية وقلت ونشرت للتوثيق: «إنَّ أمريكا هي من سيحمي بشار الأسد والدُّول العربيَّة معها»(). وفي ذٰلك تصريحات كثيرة لننظر في هٰذا المشهد:

في مطلع النصف الثاني من عام 2015م أجرى موسى العمر لقاءً مع النَّاطق الرَّسمي باسم وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة جوش بيكر وعندما سأله الإعلامي موسى العمر قائلاً:

ـ تعلمون أنَّ ضربات جوية مركزة علىٰ النِّظام بدمشق سيسقط بساعات…

أجاب جوش بيكر: نعم، ولٰكن ومن يحمي العلويين؟

وعلىٰ نحو مماثل تماماً لما صرح به كيري وبيكر كان تصريج المؤرِّخ الإسرائيلي الفرنسي ألكسندر أدلر عام 2012م إذا قال: «لا يمكن أن نسمح بحدوث مجزرة بحق العلويين ونحن نتفرج».

هٰذا الجواب هو ذاته جواب المسؤولين الأمريكيين الكثيرين في مختلف المستويات، بما يعني أنَّهُ ليس اجتهاداً شخصيًّا، ولا ارتجالاً، ولا حَتَّىٰ خوفاً علىٰ العلويين. إنَّهَا سياسة دولةٍ معممة علىٰ مختلف المسؤولين. وكأن العلويين هم الضحية وهم الذين يتعرضون للمحرقة!!!

ألا يعني ذۤلكَ أنَّ أمريكا تسترخص دماء المسلمين السنة وتستبيحها وترى قتل السنة حلالاً وجائزاً؟ وفي المقابل: ألا يعني ذۤلكَ أن أمريكا تريد أن تكافئ القاتل والجاني والمجرم وتمنع الاستداد منه للضحايا؟ 

المسألة باختصار ووضوح من دون لف ولا دوران هي أنَّ  المسلمين هم الهدف سواء أكانوا أقلية أم أكثرية. وعندما أقول المسلمون فإني أعني السنة فالإسلام هو السنة والسنة هم المسلمون بأدلة لا يجهلها اليوم مما نشاهده ومنها ما سبق في هٰذه السطور، وما سيأتي.

من عجائب هٰذه البدعة التي تسمى حماية الأقليات واحترام حقوق الأقليات أَنَّهَا تبيح للأقليات غير المسلمة أن ترتكب ما تشاء وتستطيع من مجازر ومحارق بحق المسلمين أكانوا أكثرية أم أقلية. وفي الوقت ذاته تمنع المسلمين أكانوا أكثرية أو أقلية من التعبير عن نفسها أو حَتَّىٰ الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان من أقلية أو من أكثرية، وسواء أكانوا أقلية أم أكثرية.

المسلمون في إفريقيا الوسطى تعرضوا لمحرقة ومجزرة من أبشع المجازر وحشية عبر التاريخ ولم يظهر أي صوت غربي يدعو لحماية هٰذه الأقلية المسلمة في جمهورية إفريقيا الوسطى. نحن لا نقول إِنَّهُم لم يتقدموا لحماية هٰذه الأقلية، ولا نقول إِنَّهُم لم يفعلوا شيئاً لحماية هٰذه الأقلية، بل نقول لم يدينوا هٰذه المجزرة التي دامت سنوات، ولم يطلقوا حَتَّىٰ أي تصريح فيه شيء من الاستنكار أو عدم  القبول أو عدم الرضى. بَيْنَما لاحظنا من قبل ماذا كان.

بل الأدهى من ذٰلك والأكثر وساخة وقذارة أنَّ من يفتح مثل هٰذه الباب لفضح هٰذه السياسة الغربية الخادعة والتضليلية فإِنَّهُ لن يكون بمنأى عن الأذى بطريقة أو بأُخْرَىٰ. ما حدث في جمهورية إفريقيا الوسطى انتقل بعدها علىٰ الفور، بعد تصفية المسلمين فيها، إلىٰ الصين إذ بدأت الصين ولم تزل حملة مجازر وحشية وتصفية عرقية ودينية للمسلمين في إقليم الإيغور الخاضع لاحتلالها. وعندما تساءل اللاعب الدولي مسعود أزيل عن سبب صمت العالم حول هٰذه المجازر بحق المسلمين تم إيقافه عن اللعب مع ناديه علىٰ الرَّغمِ من أن ناديه يدفع له عشرات ملايين الدولارات راتباً سنويًّا.

بالتزامن مع لم يخرج صوت غربي واحد لإدانة المجازر التي ترتكبها الأكثرية بحث الأقلية المسلمة في الصين. ارتفعت بعض الأصوات للتعمية وللاستغلال السياسي ولٰكنَّهَا كذب وضحك علىٰ الذقون. ففي حين يرتكبون المجازر بحق الأكثرية المسلمة في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان ويحمون الأقليات التي ترتكب هٰذه المجازر بحق الأكثريات المسلمة فإِنَّهُ يغضون الطرف ويسكتون بل يدعمون قيام الأكثريات غير المسلمة بارتكاب المجازر بحق الأقليات المسلمة. 

وهل يمكن نسيان المجزرة الوحشية التي قل نظيرها في التاريخ ضد الأقلية المسلمة في مينمار من قبل الأكثرية البوذية؟ بل لقد منحوا رئيسة مينمار جائزة نوبل للسلام علماً أَنَّهَا عرابة هٰذه المجازر وجيشها هو الذي يقوم بهذه المجازر. هل يوجد عهر وفجور أكثر من ذٰلك؟!

وليس بعيداً عن أوروبا بل في قلبها تعرضت الأكثرية المسلمة في بلدها ووطنها لأبشع مجزرة في تاريخ أوروبا الداخلي من قبل المحتلين الصرب. لم تصمت عليها أوروبا والغرب بل كانوا يدعمونها وفرحين بها أيَّمَا فرح، لقولهم العلني والسري: لا نريد قيام دولة مسلمة في قلب أوروبا. تلكم هي الحقيقة الواضحة الجلية ولا يكذبها أو ينكرها إلا مأفون عفن أو عاهر فاجر. 

حماية الأقليات ليست أكذوبة وحسب بل من أحقر الأكاذيب علىٰ الإطلاق. أي أقلية تتعرض للاضطهاد أو التهميش أو هضم الحقوق لا يبالون بها إلا إذا كان هٰذا التعرض من قبل المسلمين فإِنَّهُم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إلىٰ حد تدخل الجيوش لإنقاذ هٰذه الأقليات. تذكروا تصريح بول برييمر الحاكم العسكري الأمريكي للعراق إبان الاحتلال الذي قال في هٰذه الأيام: «لقد قضينا علىٰ تفرد الأكثرية السنة في حكم العراق وحمينا الأقليات».

حماية الأقليَّات ليست أكذوبة وحسب بل من أحقر الأكاذيب علىٰ الإطلاق. لا يمكن أن تجد أكثرية تتعرض للاضطهاد والتَّهميش وهضم الحقوق من قبل أي أقلية إلا فقط وفقط إذا كانت أكثرية مسلمة تخضع لأقلية غير مسلمة. لا يمكن أن تجد في التاريخ ومنه القرن العشرون أي أكثرية تخضع لحكم أقلية إلا المسلمون… وتتعرض الأكثرية لمجازر وليس فقط هضم حقوق، والمجتمع الدولي المنادي بحماية حقوق الأقليات صم بكم عمي في عهرهم يتمادون.

حماية الأقليات ليست أكذوبة وحسب بل من أحقر الأكاذيب علىٰ الإطلاق. والسُّؤال يجب أن يطنَّ في أذنيك كل يوم طنيناً، ويرنُّ فيهما كل يوم رنيناً:

لماذا علىٰ المسلمين وحدهم مراعاة شعور أصحاب الأديان الأُخْرَىٰ والكفار وعبدة الأوثان ولا يجب على غير المسلمين مراعاة شعور المسلمين؟

هٰذا السُّؤال في أبسط وأيسر وأسهل وألطف الأحوال. يعني هٰذا إذا تجاهلنا كلَّ ما سبق من وحشية في القذارة في الفعل ودعم الفعل والسكوت عن الفعل.

لا تحدِّثني عن أشخاص وحالات فرديَّة. هٰذه سياسة أوضح من أن تنكر. ولا يكذبها أو ينكرها، كما قلت، إلا مأفون عفن أو عاهر فاجر. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى