مقالات

انتفاضة منبج  ….و اليتم السّياسيّ

محمد بشير الخلف

كاتب وسياسي
عرض مقالات الكاتب


تفاجأت جميع الأطراف بزخم و امتداد الانتفاضة في المدينة و الرّيف، غير أنّ سلطات قسد حيدت المدينة بفرض حضر التّجوّل و منع أهل الرّيف من دخول المدينة.
كلّ المصادر تؤكّد أنّ البداية كانت عفويّة و ليس من موجّه خارجيّ لها، و إنّما التّراكمات السّلبيّة سواء لجهة الفساد الّذي أخذ يستشري، أو لجهة الضّرائب الّتي لم يظهر أثرها في مرافق جديدة في المدينة بحيث تستوعب احتياجات الشّباب للعمل، و جاءت قرارات رفع المحروقات و ندرتها، و الشّكوى من سوء تصنيع الخبز و توزيعه، و كان فرض التّجنيد الإجباريّ الشّرارة الّتي اجتاحت القلوب اليائسة و اليابسة من أيّ أفق لتحسين الأوضاع .
في اليوم الثّاني للانتفاضة بدأت تظهر خيوط ركوب اتباع النّظام لهذه الانتفاضة و استغلّت حماس الشّباب و امتعاضهم من سلطات قسد، و أخذت تسوّقها باتّجاه العودة إلى الدّولة السّوريّة المزعومة دولة بشار و إيران الّتي تمثّلها عائلات أصبحت مكشوفة تريد بناء مجدها الشّخصيّ على دماء الأبرياء، غير أنّ لعبتهم سرعان ما تكشّفت بعد أن حذّر النّاشطون الوطنيون من ألاعيبهم، و بالتّالي إبعادهم عن توجيه الشّباب و البحث في الحلول و المطالب الّتي نادى بها الشّباب.
اللَافت أنّ هؤلاء الشّباب لم يطالبوا بانسحاب سلطات قسد من منبج لوعيهم السّياسيّ بمحيطهم و بجوارهم من السّلطات الأخرى -قد يكون ليس حبّاً بقسد، و إنّما لأنّ شروط الحياة مؤمّنة فيها أكثر ممّا حولهم- لذلك كانت مطلبية صرفة بالرّغم من شعورهم بالغبن و الظّلم من حيث عم التّوازن في أشغال المؤسسات الأمنيّة و العسكريّة و حتّى المدنيّة، فسلطات قسد بعد مضي خمس سنوات على وجودها في منبج ما زالت تحتكر الفضاء العام بحيث تخالف هي نفسها عنوانها الّذي أطلقته على نفسها-سوريا الديمقراطية- فما زالت تحكم بعقليّة الحزب الواحد، و هذا الوباء كأنّه متأصّل في عقليتنا؛ فكلّ السّلطات التي تناوبت على إدارة المدينة تصرّفت بعقليّة اقصائيّة فردانيّة و إن بتفاوتات بسيطة.
لهذه الأسباب أعتقد أنّ الشّباب الّذين قاموا بإطلاق الحراك ليس لديهم ثقة بكلّ الأطراف المتنازعة على منبج، و مؤكّد أيضاً تحاشياً لاتّهامهم بالتّواصل مع الجيش الحر أو حتّى داعش و إعطاء المبرر للتّنكيل بهم.
أمسك شيوخ العشائر بملف التّفاوض مع قسد لتلبية مطالب المنتفضين و مع شديد احترامنا للشّرفاء منهم فهم لا يمتلكون رؤية سياسيّة و لا مماحكات السّياسة و فنونها، و إنّما بالكلمة اللّينة و الطّيّبة قد يضيّعون حقوق هؤلاء الشّباب لطيبهم و لفطرتهم البسيطة.
حاولت سلطات قسد أن تستجيب لمطالب الشّباب إلّا أنّ البيان الّذي صدر عنهم فيه غموض و التفاف، و عليهم أن يدركوا أنّ الحريق قد يمتدّ إلى أماكن أخرى، فعليهم مراجعات سياساتهم اتّجاه منطقة شرق الفرات، و أن يكونوا شركاء حقيقيين للمكوّنات الأخرى إن أرادوا للسلم الأهلي أن يستمرّ كما كان عبر قرون طويلة تداخل النّسيج الاجتماعيّ فيما بينهم، بحيث أصبحت هناك سجّادة اجتماعيّة جميلة لا تكونوا مخرزاً في فلّ خيوطها و إنّما يزيد في تشبيكها.
لذلك يحتاج هذا الحراك إلى تأطير سياسيّ منظّم بعيداً عن مؤسسات تدّعي تمثيل الثّورة، و إنّما فتح سياق سياسيّ جديد تكون منبج سبّاقة إليه؛ بحيث يصبح بناء قوياً ينافس السّلطات الموجودة على إدارة المدينة بعقليّة منفتحة تتوسّل وسائل و أدوات سلميّة مدركة توازنات المنطقة، و تقدّم نفسها للتّحالف الدّوليّ المسؤول قانونيّاً عن حماية المدنيين و الحفاظ على أملاكهم؛ لأنّه تنطبق عليهم صفة الاحتلال و عليهم واجبات بحسب القانون الدّوليّ يفرض عليهم مراعاتها، و على أنّ هؤلاء الشّباب جديرون في المشاركة مع التّحالف الدّوليّ في إدارات ملفّات المنطقة إلى أن تحلّ المسألة السّوريّة.
و كلمة أخيرة للمرّة الثّانية أتباع النّظام يحاولون إعادة تدوير النّظام في منبج بدماء الشّباب البريء، انظروا إلى جيرانكم من عشيرة الغانم و عشيرة النّاصر و غيرهم كثير مع جلّ احترامنا لهم و اعتزازنا بمواقفهم الملتحمة مع إرادة الشّعب لماذا لم يقبلوا أن يكونوا إمّعات و أدوات رخيصة للنّظام، أو لإيران و مليشياتها المتوّحشة المتربّصة بأعراضكم و أموالكم .
أهل منبج نرجوا أنّهم خبروا الدّروس الّتي مرّت عليهم و شبابهم المثقّف أعداده هائلة أدعوهم إلى الإمساك بإدارة أنفسهم، و المشاركة مع السّلطة الموجودة كأنداد لأنّ البلد ملك لأهله، لأنّ المعطى الدّوليّ و الأقليميّ هذه خريطته السّياسيّة الآن، و حين تتغيّر الخريطة السّياسيّة لكلّ حادث حديث و لتكن مشاركتكم من خلال الدّعوة إلى انتخاب مجلس محليّ يدير شؤون المدينة بشكل فعليّ
و امنعوا العابثين و المسترخصين دماء الأبرياء، و إن كانت سلطات قسد تتحمّل المسؤوليّة الجنائيّة و الأخلاقيّة بسبب إطلاق عناصرها الرّصاص الحيّ على المتظاهرين السّلميين، فلهم أمّهات دعاءهنّ سيحرقهم في الدّنيا و الآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى