مقالات

المستشرقون الجُدُد”دانيال بايِبْس وبقية أفراد العصابة!

أ.د. إبراهيم عوض

كاتب ومفكر مصري.
عرض مقالات الكاتب

والآن إلى كلمة عن كل من برنارد لِوِيس ودانيال بايِبْس ومارتن كِريمر وصامويل هَنْتِنْجتُون وفرانسيس فوكوياما، أولئك الخبراء الشيطانيين الذين يضعون أنفسهم فى خدمة المشروع الاستعمارى بل الاستئصالى الأمريكى الذى يتغيا العرب والمسلمين والذين صوب الدكتور مصطفى عبد الغنى إصبع الاتهام فى وجوههم. ونبدأ ببرنارد لِوِيس (Bernard Lewis)، وهو يهودى بريطانى الأصل وُلِد فى لندن سنة 1916م، وإن كان قد اكتسب الجنسية الأمريكية فيما بعد عام 1982م، وتخرج من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن (SOAS) عام 1936م حيث دَرَس تاريخ الإسلام فيها وحصل على الدكتورية منها فى نفس الموضوع وأصبح من أساتذتها. ثم انتقل فى 1974م إلى العمل بجامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم أربع سنوات فى جامعة كُرْنوِيل قبل أن يعتزل. وهو مقرَّب من الحكومة الأمريكية الحالية ورجالها، إذ يعتمدون على آرائه ومشورته. ولم لا، والمتحكمون فى أمريكا الآن هم الصهيوصليبيون الكارهون للعرب والإسلام والمنحازون قلبـًا وقالبـًا وكُلاًّ وجزءًا إلى اليهود والذين قد تكون نهاية أمريكا كقوة عظمى على أيديهم إن شاء الله بتوريطهم لها فى كل مكان على ظهر الأرض وإغرائهم إياها باستثارة عداء المسلمين والعرب ضدها والدخول فى حروب ومعارك لا تنتهى اغترارا بقوة الولايات المتحدة واقتصادها وتقدمها العسكرى والصناعى، غير دارين صحة المثل البلدى القائل: “خذ من التلّ يختلّ”. وأمريكا بما تنفقه على الدوام من جهود وأموال وبما يُقْتَل من جنودها وضباطها وما تفقده من طياراتها وصواريخها ومدافعها فى أثناء ذلك وما يترتب عليه من تشتيت الانتباه وإثارة السخط فى قلوب آباء الجنود والضباط وأمهاتهم وإخوتهم وأخواتهم وأبنائهم إنما تحفر قبرها بيدها، ولو على المدى الطويل، وإن كنا نرجو ألا يطول الانتظار. والمهم أن يكون العرب والمسلمون مستعدين لذلك اليوم ولا أخال، إذ كل المؤشرات تقول بصوتٍ بَيِّنٍ فصيحٍ إنهم لا يزالون نياما فى كهوف التخلف والجهل والضلال ولا يظهر حتى الآن ما يدل على أنهم عما قريبٍ مُفِيقون.
وفى كتابات لِوِيس نجده يتهم المسلمين بأنهم وحدهم سبب التخلف الذى هم فيه، وذلك لشعور الغطرسة الذى يعانون منه ويمنعهم من التعلم مما فى يد الآخرين ويحرمهم مما تستلزمه هذه العملية من مرونة كما يقول، وأنْ ليس للغرب أى يد فى هذا الذى يقاسونه. وهذا المنطق مغلوط إلى حد بعيد، لا لأننى أنكر أن العرب والمسلمين مسؤولون عما هم فيه، بل لأنه من غير المنطقى ولا الإنسانى تبرئة الغرب من مسؤوليته هو أيضا عن هذا التخلف وتلك المعاناة بعد هاتيك القرون التعيسة التى احتل فيها بلادهم ونزح ثرواتهم واستعبدهم ودمر ثقافتهم وأنزل بأحرارهم العسف والتنكيل وساعد حكامهم المستبدين ضدهم ومكّن لهم من رقابهم كى يقوموا على مصالحه ويسهروا على رعايتها، وبَذَر بذور الشقاق والفتن فى كل مكان فى بلادهم ومسح شيئا اسمه فلسطين وجلب شذاذ اليهود من كل صقع وأفق وأسكنهم فيها وأقام لهم دولة يحميها وينصرها فى الحروب والمحافل الدولية… إلى آخر ذلك كله إن كان له آخر، ثم يأتى برنارد لِوِيس فيمحوه بجرة قلم سخيفة، ويريدنا أن نصدق تحليلاته!
نعم، المسلمون والعرب هم المسؤولون رقم واحد عما هم فيه من مأزق حضارى لأنهم استكانوا إلى الشكلانية فى الدين واستناموا إلى البلادة والخمول والكسل وكرهوا بذل المجهود فى تحصيل العلم وفى الإبداع وفى إتقان ما يعملونه وينتجونه على قلته وتفاهته غالبا، ووهموا أنهم يحسنون بذلك صنعا، فأضحت حياتهم تعيسة ذليلة خانعة خاضعة، ولم يفكروا لحظة فيما سيقولونه لربهم يوم القيامة أو فى الألم الذى يسببونه لرسولهم رغم الجهود الهائلة التى بذلها فى تبليغ رسالته وتطبيقها وتبيينها والتحذير من مغبة التهاون فى الأخذ بها مما يحصدون الآن ومنذ قرون ثماره المرة بل فى الحقيقة: ثماره السامة، وسمحوا لهؤلاء الغربيين أن يدخلوا بلادهم ويسودوهم ويركبوهم كما تُرْكَب الحمير والبغال ويسوموهم سوء الهوان والعذاب، وفوّتوا على أنفسهم الفرصة تلو الفرصة للتخلص من هذا العار دون أن يفترصوها، وأحسنوا الظن بأعدائهم الملاعين وصدّق فريق منهم أنهم يريدون بهم خيرا فتعاونوا معهم ضد أمتهم وانحازوا لهم وكانوا لهم إلبا. لكن هذا وغير هذا لا يمكن أن يغطى على الإجرام الذى ارتكبه الغربيون وما زالوا يرتكبونه فى حقنا. كل ما هنالك أن المجادلة مع الغرب لن تؤتى أية ثمرة، بل القوة والتقدم والسلاح الذى ينبغى أن نصنعه بأيدينا والقوت الذى يجب أن نزرعه فى أرضنا ونكتفى به فلا نمد أيدينا إلى ذلك العدو ليَمُنّ علينا ويستذلنا ويفرض برغم أنوفنا فى الوحل والطين شروطه المجحفة المذلة فلا نجد بدا من الرضى الذليل بها رغم أننا نقدم له فى مقابلها ما هو أكثر بكثير من الفتات الذى يمن ويشمخ به علينا.
ويبذل لِوِيس كل ما لديه من وسع فى تأريث نار العداوة بين الغرب والعالم الإسلامى قائلا إنها طويلة طول تاريخ الإسلام، إذ ترجع إلى بداية ظهور ذلك الدين منذ أربعة عشر قرنا وأنها تزداد التهابا الآن. كذلك فهو صاحب المصطلح الذى انتشر بعد ذلك حين تبناه صمويل هانتنجتون وتوسع فى الكلام فيه وجعله عنوانا لكتابه الشهير: “صدام الحضارات: Clash of Civilizations”. وبالمناسبة فقد نبه الدكتور مصطفى عبد الغنى بحق إلى أن اللفظة الإنجليزية هى “صدام” لا “صراع” الحضارات، وهأنذا أكتشف أن المصطلح هو من صياغة لِوِيس لا هانتنجتون، وذلك فى مقاله: “The Roots of Muslim Rage “، الذى نشره عام 1990م. وهو كذلك دائم التحريض على إيران زاعما أنها، فى أنثاء إعدادها الرد المنتظر على مطالبة الدول الغربية لها بالتوقف عن أنشطتها النووية، إنما تخطط لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وربما العالم كله على بكرة أبيه أيضا.
ولا يطيق لِوِيس أن يمس أحد إسرائيل أو ممارساتها العنصرية الإجرامية بكلمة، ومن هنا ألفيناه يؤلف كتابا عن معاداة السامية يحمل فيه على كل من تسول له نفسه بانتقاد أى توحُّشٍ تقترفه إسرائيل فى حق الفلسطينيين المساكين الذين شردهم اليهود بمساعدة الغرب عن بلادهم وصادروا أراضيهم وهدموا بيوتهم على رؤوسهم واغتصبوا نساءهم وقتلوا أطفالهم وروّعوا كل إنسان هناك، مطبّقين بهمة إبليسية تعاليم توراتهم المحرَّفة القاضية بمحو كل شىء يخص أعداءهم من الوجود ولا يتركوا نَفْسًا تتنفس، بشرا كانت هذه النفس أو حيوانا.
والطريف أنه يلجأ فى دفاعه عما قامت وتقوم به إسرائيل من عدوان على العرب والمسلمين فى فلسطين وخارج فلسطين إلى القول بأن المسلمين يقاسون من ويلات أخرى لا تقل عن تلك التى تنزلها العصابات الصهيونية على رؤوسهم كالغزو السوفييتى لأفغانستان والحرب العراقية الإيرانية وما إلى ذلك. جميل! لكن من قال له إننا نرحب بتلك الويلات ولا نعمل على القضاء عليها؟ ثم إنه لأمر عجيب أن يحاججنا اللص بأننا لا ينبغى أن نعمل على استرداد ما سرقه منا بحجة أن آخرين سواه قد سرقونا أيضا! ولقد نجح المسلمون فى إخراج السوفييت من أفغانستان، فهل تركهم الأمريكان فى حالهم؟ كما أننا نعرف الدور الإبليسى الذى قام به الأمريكان فى الحرب العراقية الإيرانية وتأليبهم كل فريق على الآخر وتسهيل وصول السلاح لهم حتى لا يتوقفوا عن إفناء بعضهم بعضا، وإن كنا لا نبرئ المسلمين من المسؤولية أبدا، فلولا غباؤهم وقصر نظرهم وانخداعهم بأعدائهم ومسارعتهم إلى التقاتل فيما بينهم بدلا من اتحادهم على قلب رجل واحد لمقاتلة أمريكا وإسرائيل والقضاء على شرورهما كما قَضَوْا على شرور السوفييت فى أفغانستان ما حصل شىء من ذلك الذى يعايرنا به برنارد لِوِيس!
ولكل هذا يتهمه إدوارد سعيد وغيره من الأساتذة الأمريكان بالتحيز والتمركز حول الذات والجهل بالشرق الأوسط والعالم العربى، الذى لم يضع قدمه فى أى بلد منه منذ ما يزيد على أربعين عاما كما قال، وكذلك بمحاولة إشعال ما انطفأ من نيران الحروب الصليبية بحيث تستمر إلى ما لا نهاية، والعمل على وضع الإسلام والمسلمين على الدوام موضع الاتهام دون أمل فى النهوض مما هم فيه لأنهم معيبون طبيعة ودينا حسب اتهاماته لهم، وهو ما ليس هناك من أمل فى علاجه والتخلص منه طبقا لما يزعم! وبالمثل كان برنارد لويس وراء قرار الحرب ضد العراق فى أمريكا، وكان تسويغه الشيطانى لها بأنها السبيل لتحديث منطقة الشرق الأوسط إحدى الحجج التى تذرع بها المحافظون الجدد فى الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى