مقالات

بين ربيعين “عربي – عبري “

د. محمد زويل

محاضر جامعي – باحث استراتيجي
عرض مقالات الكاتب

 لعب الربيع العربي مثالا واضحا علي فهم ما يدور في الشرق الأوسط من مفارقة إستعصاء التغيير مع إستحالة إستمرار ماهو قائم .

 في لحظة فارقة بدا الماضي ثقيلا مثخنا بالأوجاع الإقتصادية والإستبدادات السياسية وفقد الحرية والعدالة الإجتماعية علي الشعوب العربية في محاولتها الخروج من تلك الهموم الكبري بعد أن أرهقتها وهي تسعي للبحث عن ذواتها في إقتصادات متحولة وهجينة.

فكان الربيع العربي حلقة الوصل بين سقوط الحلم الوطني وضياع الحلم الشخصي فلم يعد مستطاعا التوفيق بين المهانة الوطنية والمهانة الشخصية خصوصا في ظل الخوف علي ومن المستقبل.

وحدث ذلك لمتغيرين الأول خروج العالم من نظام وترتيبات الحرب العالمية الثانية والثاني وقوع أول أزمة اقتصادية عالمية عامة بدءا من 2007 فيما سمي بالكساد الكبير أوالركود الكبير ويعتبر أشد أزمة اقتصادية منذ ركود 1929.

لا يزال الوطن العربي يتخبط بالنموذج الإقتصادي الفاشل وبعدم القدرة علي إنتاج إقتصادات لديها القدرة علي التعاطي مع عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وبالأحري عالم ما بعد زوال تلك الحرب .

طرح استبدال الحلم العربي بالربيع العربي إشكالية أكبر من الحاجة إلي ذلك الربيع هي”أن تعرف مالاتريد لا يعني بالضرورة التقدم نحو المستقبل ” .

لوهلة خاطفة بدت الدولة العبرية قوية في ظل الفشل العربي المهين .

دولة استطاعت التخلي عن القيم الاشتراكية التي تأسست عليها واندمجت بسرعة مع الاقتصاد العالمي الجديد مقدمة نموذجا مدهشا يجمع بين كثافة المعلومات وحداثة التكنولوجيا .

ورغم ما فعلت لكنها بقيت الدولة العالة ذات الإقتصاد العالة التي تقوم علي إقتصاد المساعدات والتعويضات وسرقة موارد الغير من أرض وغاز ومياه بل والمعلومات والحدود الجغرافية .

ثم ظهر في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية رئيس أسود لأكبر دولة في العالم من أصل مسلم وأفريقي وبعد أربع سنوات جاءت لندن بعمدة مسلم محافظا لها أو رئيس بلدية ثم ظهرت نائبتين في الكونجرس الأمريكي مسلمتين من أصول عربية وفي نفس الوقت ودع العالم كثيرا من القيم التي ظلت فيه ردحا من الزمن وتحولت السياسة إلي ساحة نجد فيها المتحولين وكل الظواهر التي أفرزتها حرية الحياة الشخصية . حتي المملكة العربية السعودية أعادت حقوقا للمرأة سلبتها منها عقودا من الزمن . معظم العالم تغير نحو مزيد من حرية الأفراد وقبول الآخر  إلا في اسرائيل بقيت غارقة في أيدلوجية دينية تتقدم بها للخلف عشرات السنوات .

لم يعد العالم قادرا على العيش مع نموذج إسرائيل ولم يعد الشرق الأوسط بعد قادرا علي انتظار انتصار الماضي في منطقة غنية بالطاقات والموارد الطبيعية .

بدا العالم مع إنتفاضة حي الشيخ جراح بل في أراضي 1948 جاهزا ليقول لإسرائيل كفي !!

فتح الإعلام أمام الصوت الفلسطيني نفسه بل حتي الإعلام الاسرائيلي نفسه “ولأول مرة” ينشر فيه وعلي صفحاته الأولي صور 67 طفلا قتلتهم أسرائيل في غزة . وباتت منصات التواصل الاجتماعي مسرحا للرأي العام تستطلع رأيه حول الفصل العنصري ” الأبارتيد” الذي تمارسه اسرائيل .وأصبح العالم الحر يقول لها لأول مرة ” نأسف لن نساهم هذه المرة في تقديم خدمات نزع الخوف عن الشعب الاسرائيلي ” الذي زرعتيه بيديك وأفعالك .

ذلك الدرس الرئيس فيما جري علي أرض فلسطين كلها من حيفا إلي رفح وهي قد باتت عاجزة تماما عن وقف صواريخ القسام والمقاومة فتصدرت فلسطين واجهة اهتمام الدنيا كلها في مشهد من أقسي مايمكن أن يمر علي الدولة العبرية .

لقد افتتح عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية بمشاهد سقوط الفصل العنصري في جنوب أفريقيا .

وهاهو العالم يدور دورة كاملة في حصد نتائج تلك الحرب ويحط اليوم في آخر محطة لإنهاء الفصل العنصري في الدولة العبرية فالعالم يقترب من أزمة أعقد وأكثر اتساعا من أزمة 2007 بعدما أنفقت الحكومات علي جائحة كورونا مليارات من الدولارات لحظة تعطل إقتصاداتها فأصبحت أشد إحتياجا لخيرات وموارد الوطن العربي علي امتداده لخلق متنفس كبير لرأس المال العالمي دفعا للأزمة الخانقة .

هذا بدوره يحتاج إلي تسوية تاريخية يسعي إليها المال اليوم بشكل كبير فكل شئ متوقف في المحطة الاسرائيلية .

فهل تحتاج الدولة العبرية إلي ” ربيع عبري ” لحل التناقض بين الماضي والمستقبل ؟ وهل تتحمل إسرائيل نتائج ربيع عبري يقطع بين رفض التغيير التوراتي والحاجة الماسة إليه؟…

سنرى !!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى