ثقافة وأدب

سبخة العمر

مطيع السهو

سياسي وكاتب
عرض مقالات الكاتب


في مفاجأة لم يحسب لها بال، أخبره والده أن زواجه قد حان. أرخى سمعه إلى والده العجوز:
جمال: والدي العزيز كيف ذلك ومن هي ومتى تم الأمر؟
والد جمال: بني إني أريد أن يتزوج أحد أولادي من بنات أخوتي، وقد خطبت لك ابنة عمك لعل بها قرة عين لي ولك، وأرجو من الله أن يرزقك الذرية الصالحة.
جمال: الأبن البار الذي لو قطعه والده مزقاً وشرده تشريداً لم يكن ليقطع قراره أبداً مجيباً له دون تردد:
كما تريد يا والدي العزيز، لطالما أن الأمر فيه سرورك وسعادتك فلن أكون معارضاً له أبداً.
تزوج جمال من ابنة عمه، وشب بعنفوانه ليصبح المقدم على رفاقه، ليضع اهتمامه الكبير أن تكون أسرته العائلة السعيدة، العفيفة النظيفة، السليمة من عوادي الزمان.
لقد كان شمعة تحترق في سبيل سعادة زوجه وأولاده.
تمر الأيام وتمضي السنون بعجرها وبجرها، حلوها ومرها، سقمها وعافيتها، سلمها وحربها، ضيقها وفرجها، عسرها ويسرها، لتكبر تلك الزروع من ثمار الفؤاد وترب القلب.
يسبح في فضاء أحلامه يرسم سعادته وسعده في وجوه أبنائه كما جميع الآباء الذين بنوا أساس السعادة على صخرة الواقع ليجدوا بناءهم جميلاً كاملاً.
وهذه سنة 2011م قد أظلت شجرة العمر بسحابها، تمطر من أقدار الحياة خَطْبَها وخطابها، لتبدأ مسيرة معاناة تشبه قطعة الحديد المحماة بنار المحبة على صفحة القلب الشغوف، لينطق فؤاد القلب بكلام السر الذي لا يسمعه إلا عالم الخفايا بين الضلوع، كل شيء يهون بس يظل الجميع بخير وعافية.
تشتكي زوجة جمال من ألمٍ ألمَّ بها، ليذهب بها إلى مشفى المدينة.
في المشفى:
جمال وزوجه ينتظران نتيجة التحليل الطبي الذي أمر به الطبيب. يخاطبها ويهدئ من روعها يضمها إلى صدره مخاطباً:
جمال: ها يا جبل ما يهزك ريح، ايييه ش السالفة، لا تهتمين ولا تلتفتي لها، سحابة صيف وتعدي.
مر الوقت ثقيلاً على قلب جمال، الذي ما فتر عن الدعاء أن يخفف الله عن زوجه ويلطف بها يقول:
يا رب بي ولا بها، اللهم شافها وعافها. يا رب بي ولا بها!
حان الوقت لنتيجة الاختبار!
يزفر الطبيب وهو يقلب الصفحات وعينه تنظر لزوج جمال تارةً، ومرة أخرى لوجه جمال!
جمال: بكلام متهدل! دكتور طمنا خير إن شاء الله؟
الطبيب: أكيد خير الله ما عند إلا كل خير لكن والله أخي الفاضل الشمس لا تخبئ بغربال، ولابد من أن أخبرك!
زوجتك معها قصور قلبي حاد، وأظن أننا لابد لنا أن نبدأ ببرنامج علاج للقلب حتى لا نضطر يوماً إلى أن نجبر لعملية فتح صدر.
إن بدأنا ببرنامج العلاج من الآن فإن فرص عودة عمل القلب إلى الوضع الطبيعي كبيرة جداً.
تبرق عينا جمال وهي ترمق دموعاً سالت على الخد من زوجه المريضة، لينصدع قلبه بالخبر الأليم، والذي سيمضي معها في رحلة معاناة على مر الأيام.
لم تعتد عينه أن تنهمل على عزيز، لتخبره محاجره أن من يبكيه قلبك هو أعز الناس عليك وهذه الشهادة التي فضحت ممكنون الصدر بعد صمت اللسان وغزل العيون.
تماسك نَفْسَهُ وملكها حزماً عن أن تنظره زوجه في لحظة ضعف فيضعف جسدها كما لا تشتهي سفينة العمر.
ضجت شاشات التلفاز تشير لتغير الظروف على الساحة العربية، من تونس ومصر واليمن، ثم لتدخل سنة 2011م لترخي بظلالها على الشعب السوري.
أجبر جمال على أن يرتب برنامج علاج زوجه في المدينة التي يسكنها عوضاً عن مشفى العاصمة التي كان يريد أن تتابع علاجها فيه.
تجول خواطره لو أنه يستطيع أن يعطيها قلبه لينهي معاناتها، يبيع كل ما عنده لينتشلها من ألمها، ولو تطلب الأمر بذل روحه رخيصة لم يتأخر لحظة واحدة.
مرَّت الأيام حوالك ظلام أحالت النهار ليلاً، لتحكم الأقدار على أسرة جمال بالرحيل إلى تركيا.
وصل إلى تركيا ليصبح بيته تلك الرياض التي رتعت فيها كل ضيوفه من أقاربه وأصدقائه، والذين بادلوه في قابل الأيام جحوداً ونكراناً.
رنَّ هاتف جمال ليبشره أن أسرته وصلت إلى الحدود، ليذهب مستقبلاً لهم تحثه خطا الروح قبل الجسد، لقد جاءت أُنْسُ نفسه وثمار قلبه ليسعد بهم.
استأجر لهم بيتاً مريحاً كأوسط ما يستأجر رجل لأسرته.
ومع الأيام تفتح أبواب الهجرة إلى أوربا، لتنقدح فكرة الأسرة أن ترتحل إلى ألمانيا لعلها هناك تجد العلاج ويتعلم الأولاد.
طارت طائرة الأسرة دون جمال، وطار خافق القلب معهم ينتظر لم الشمل متى يكون؟
أصبح وحيداً في غرفة كل ما فيها ذكريات الشعور الذي ارتسم على صحيفة عمره بكل الألوان. يخاطب نفسه:
غريبات الليالي وموحشة الدار
مثل وحشة مضيف بغير خطار.
الدنيا وياي ما نصحت عمرها
ومن غصبٍ علي لو طعت أمرها
غريب وغربتي العندي ش أمرها
أمرّ من الصبر والوقت لو جار.
مرت الشهور، ومضت السنين الثلاثة، ليستطيع جمال أن يلتقي بأسرته من جديد.

أقعلت طائرته وفي عينيه صور أبنائه كلهم، صغيرهم وكبيرهم، وتستحوذ صورة زوجته الغالية على قلبه جميع المشهد، ليتخلله مشاهد الفرح بلم الشمل من جديد.
يضع رأسه على وسادة كرسيه تارة، ينظر من النافذة تارة أخرى، يخاطب جناحه الطائر لقد تأخرت وضاق الزمن، ألا متى أصل ألا متى أصل.
ها قد وصلت الطائرة سماء المدينة التي تسكنها أسرته التي اشتاق اليها، بدأت عينه تنهمل بدون استئذان، يكفكف دمعه لكن لا جدوى، عَبْرة لابد منها لفرحة اللقاء.
فرحة غامرة طمرت قلب جمال الكهل، لينظر إليهم بخير وعافية، ينتظرونه في قاعة الانتظار.
ينظر لهذا ويشم ريح ذلك، ويحتضن الصغير، وعينه على الجميع كشمس سطعت على أرض فلاة تمدها بدفء الحنان بعد برد طويل.
وصلوا بيتهم واستقر القلب في قفصه الذي اعتاد حدوده ومحدداته، سروره لا يقدر بثمن.
في حفلة فرح دعي إليها من الأقارب والأصدقاء ممن تعرفت عليه الأسرة في الأيام السالفة.
تجول عين الوالد تنظر الحضور، وميزان العقل يقيس بمقاييس الخبرة والتجربة منهم الصالح والطالح.
جمال: بني من هؤلاء؟
الابن: إنهم من أقاربنا، ألا تعرف جدهم ووالدهم؟
جمال: يتذكر أن والد الشباب الحضور قد ضرب عمه، وأن هؤلاء الشباب الأحفاد قد ضربوا جدهم!
يتمتم جمال ويهمهم بنفسه همهمات لتنتهي السهرة ويعلن الأب الشفيق على أبنائها قوله:
يا أولادي إن هؤلاء الذين تجرؤوا على ضرب جدهم، سلكوا سلوك والدهم المشؤوم في ضرب عمه، وهؤلاء صحبتهم صحبة سوء ورفقتهم ضرر بحت.
بسذاجة أحد أبناء جمال ينقل الخبر إلى هؤلاء الذين حسدوا هذه الأسرة وانسجامها وتناغمها وتربيتها.
ليبدأ الكيد والمكر والوسوسة التي عجز عنها إبليس في هدم أسرة عامرة.
تمر الأيام ليجد أن القلوب فيها من الصدأ العالق بصحبة السوء، شهور أربعة مرت وهو يراقب أحوال أسرته، نظرات زوجه التي تتكلم بمعانٍ لم يعتد عليها، نظرة تعالٍ ووجه هزء، وحال اكتفاء، وسلوك ازدراء كمن حكم على جمال بقلة الحياء، وعدم النقاء، وحان موعد الانتقام.
وفي سهرة معتادة
جمال: بني ساعد أخاك في تعليمه لعلي أشاهده طبيب الأسرة في المستقبل.
لكن الركام والأوهام ووساوس شيطان الإنسان، قلبت نغم الأذن في تلقيه، فلم يعد مستساغاً أن يسمع قراراً عسكرياً حسب رؤيته الجديدة صادراً من متسلط ديكتاتور!
قامت زوجته وبعض أبنائها خارج المنزل ولم تعد حتى تم لها ما كانت تمكر به طيلة الأيام السالفة.
وبعد دقائق معدودة، قرع الباب.
جمال: افتحوا الباب يا ابني. من بالباب؟
الابن: إنهم الشرطة يا والدي العزيز!
تفاجأ جمال وخيم عليه حال من الدهشة والذهول، ما يفعل القلب في مثل هذه الحال.
الشرطي: تفضل معنا تكرماً دون أن تصدر إزعاجاً لنا ولنفسك ولأسرتك! وإن شئت أن تجلب أي شيء معك لا مانع.
جمال: يتصل بأحد أبنائه الذين كانوا خارج المنزل مختبئاً قريباً من البيت!
بني: لقد جاءت الشرطة تريد أن تأخذني خارج البيت!
الابن: والدي اذهب معهم وأنا سوف أتصرف بشيء ما.
جمال: علم باتصاله أنه أمر قدر دبر له من جميع أفراد الأسرة بقيادة الأم التي بدأت تعتاد الرياسة والانفراد بالقرار.
خرج جمال برفقة الشرطة إلى مخيم في البلدة، تشرد به سارحة الذهن، وتسرح به شوارد الفكر، تنطرح أمامه بين إلهام ووسواس، خواطر هنا ومقاييس الحياة تسأل النفس بسؤال العقل: ماذا جرى وما الذي يحصل؟
إنه الرجل الوقور الذي التزم في حياته كل مبدأ، يثبت عليه لتنضج ثمار الأخلاق على شجرة عمره مدحاً وثناء.
وليخاطب قلبه قائلاً:
آه يا قلبي دمعي عليك وش صار
على حالي غريبات وموحشة الدار
جرحك يا قلب غدرات صغار وكبار
طبعك الغدر يا ظالم ايش سويت بيك
واني على جفني كنت أداريك وأربيك
وآني على مر الليالي أبكيك وأغليك
يمكن نسيت الملح والزاد وسكة الدار
نسيت يوم كنت على كف الألم أداريك
وطعن القريب قهرني وحيل قاسي
ظلمني القريب الحبيب قهرني أعز ناسي
لا يا هوى لا تنسم عليه أخاف ينضر
لا يا زمن لا تثقل عليه أخاف يحتار
اتصل مع أحد الذين يظن أنهم ممن صنع ذلك الخبث ليخبره أنه من أعمال أولاده الذين دبروا العمل كله منذ أربعة أشهر.
بعد ستة أيام قضاها على الجمر في المخيم وفي ليلة باردة، ليلة الشتاء في مدينة أوربية على بحر الشمال.
الحرارة أدنى من الصفر، أصبح جمال في ضيافة الشارع الأخرس الكالح. بمن يتصل، إلى أين يذهب، ماذا يفعل، في لحظة يقف فيها القلب ليموت وما هو بميت.
ذاك الطود الشامخ الذي تحترمه الرجال وتقدره الفحول وتقف عند كلامه أهل الملام، أصبح ضحية الانتقام، من ماذا؟ هذا ما سوف تفسره الأيام.
يخرج من المخيم ليجد الجو ماطراً وهو يمشي في الشارع العراء.
تنسكب السماء بماء منهمر كأفواه القِرَب، ليصبح الجسد كله كمن خاض بحيرة ماء.
يمسك هاتفه ليعتصر ذهنه بمن يتصل وأين يذهب؟
يرن الهاتف!
الصديق: أهلا أخي أبو الفضل مالي أراك تحت المطر!
جمال: يا صديقي العزيز، صرت في الشارع!
الصديق: دارت به الدنيا في حال من الدهش القريب من الإغماء، قد سمع الكثير من قصص العقوق لكن أن يلقاه صديقه الذي تربى على الأخلاق ليسقيه أبناءه كأساً علقماً لم يتذوق طعمه أبداً.
يجتهد جمال وصديقه أن يتصلوا بصاحب المروءة الذي ينتشل من أوقعته الأقدار في وحل مصابها من أليم عذاب.
الكثير يتمنطق بالأخلاق بقوله، لكنك إن وضعته على قالب الأعمال كان القلب أكذب والقالب أعوج، لينفضح بهروبه وسقوطه في ميدان الاختبار.
ليجد طالب جامعة شاب، يفتح قلبه وبابه ليشاركه حزنه وهمه.
الصديق تخامره الظنون وتتقاذفه الأفكار ليجد لأخيه جمال مخرجاً من محنته.
رويداً رويداً يوماً بعد يوم يضع الملح على الجرح لعله يقف نزيفه وإن كان أثره لا يندمل.
في غرفة الوحدة تتقاذفه الهموم وتضيق بخناقها على رقبته لتضربه الأوهام ضرب الجلاد بسياطه، والتي أدمت كل جارحة فيه.
أحكي يا ربابة عمري على لحن قلبي
واسعفيني بغربتي يا دنيا ش أريد أحكي
أذرف الدمع منك عليك غريب وحدي
يا قلب تنزف على حبابي خبرني وش صار
يا غصن كبدي من العدا تنشل جمعهم
ويا نظر عيني من الرمد تمسح دمعهم
ويا باجر تجي بزين خبر من ربعهم
وما يصيبكم أذى ولا حاسد يقطف ثمار.
في المدرسة التي يتعلم فيها اللغة، تنظره عيون الزملاء، وتقدر عظيم ذاك البلاء الذي جثم على صدره وبانت آثاره شروداً وصمت.
شاهدت إحدى الزميلات وجه جمال قد تغير وذهب بهاؤه، فاستأذنت لعلها تصلح ما أفسد شياطين الإنس.
الزميلة: أخ جمال ممكن نقعد شوي لازم نحكي.
جمال: أهلا وسهلا بك أختي بكل سرور.
الزميلة: شايفة بوجهك كثير حزن، والمرح اللي كنت عليه متعود رايح منك، كأنه فيك شي.
جمال: أيش احكي لك يا أختي الكريمة، وجعي ما ينحكى ولا ينشكى.
الزميلة: طيب فيني أتدخل بخصوصيتك وأعرف القصة بلكي أحسن ساعدك.
جمال: القصة وما فيها إني كنت أبني بيتي على رمال، علب كبريت أجا الهوا وشالها بعيد.
قصتي مثل اللي زرع شجرة كبيرة وانتظر طول عمره يشوفها حلوة ومثمرة، وأول ما نضجت الشجرة كانت حطب أول ما حرقني.
قصتي إني زرعت شجرة عمري بالثقة وسقيتها بالحب، لكن طلع شجر حنظل مر، رح جن، رح طق، حالتي حالة.
الزميلة: أستاذ وجعت لي قلبي شبك، شو صاير معك.
سرد جمال قصته لها كاملة لتذرف دمعها وتقول:
يا لطيف شو هاد، معقولة، هيك صارت الدنيا، معقولة هيك الأبن يعمل بوالده، هيك المرأة تعمل بزوجها، شو هاد، شو هاد، ما هيك تربينا ولا ربينا أولادنا.
أستاذ لا تؤاخذني نحن عم نتعلم منك، ومنشوف أدبك، وكل شي فيك راقي، وهيك أسرتك تعمل فيك، حرام والله حرام.
الزميلة: تسمح لي روح لعندهن، وشوفهن، بلكي الله بيهديهم.
جمال: أختي أنا ما عندي مشكلة تروحي لعندهم أبداً، بالعكس أنا بحاجة أنك تروحي وتسمعي ع شان تبين الحقيقة وما حدا يتهمني بشي مو كويس.
أذن لها وفي خاطره ألا تذكر أسرته بسوء، أو أن تنكشف حقيقة العقوق الرهيب، فهم ما زالوا جوار القلب وشريان الدم.
عادت الزميلة من رحلتها القصيرة، في وجهها كلام لا يحتمل التأويل، وليس عصياً على التفسير.
قعدت على الكرسي تقول للأسف يا ليتني لم أذهب!
جمال: ليش؟ أساء أحدهم إليكِ؟ حقك عليّ.
الزميلة: عجيب غريب، زوجتك طلبت مني أنك تروح وتعتذر من أبنائك، عجيب والله، شيء مقرف لحد الاشمئزاز.
جمال: أيش أقول؟ أعتذر من شو، شو هو ذنبي ع شان أكفر عنه، شو هو خطئي لأجل أعتذر منهم، هيك صارت الدنيا، الأب يعتذر من ابنه، ولا خربت الدنيا وعلى الدنيا السلام.
حضرتك مشكورة لأنك بذلتِ في الإصلاح جهدك وأشكرك على ذلك.
يذهب جمال إلى منزله وقد خيم الحزن على قلبه من جديد، لينزف شريانه من جديد، لا يدري كيف وصل منزله، كل شيء كان باهتاً لا طعم ولا لون.
حتى أوراق الشجر كلها صارت كخريف عمر آذن بسقوط أوراقه واصفرار لونه.
بكاء قلب صامت لا تسمع منه إلا نشيجاً في الصدر كحشرجات المحتضر، يندب حظه كالنائحة يقول:
جِدم أمي يا ولدي لخدي وسادة الهيل
ورضا أبوي عزي ورايتي وصهوة الخيل
ما سكرت بابي لحد أبد ما يوم صار
ولا قلت لأحد لا ولا تبدت مني الأعذار
كلهم يقولون يا صقر وين صفرة الدار
ونخوة عكيد بربعها بيوم فزعة وتغار
هالقد خربت الناس ونسيت يوم عزي
أقرب الناس حربني وجفاني وصار ضدي
أشكي لحالي وأقول قصتي لمين أحكي
قلبي طريح العنا وفيه شبت النار
كفت رجال الفزع وتريد الفزع مني
ودمعتي بحبس قفص صدري وزود همي
يا حيف ع الزمن البي طاح ظني
وصرت فرحة أعداي وسود غربتي ونني
قصرت عيونهم عني وما بيهم عذار
صبري جميل يا زمن شيل قَدَّ الجبال
ما هفت عيني لحدا غيرهم وزينة الرجال
علي تعتدي يا الردي بشين الأفعال
ولا تنسى يا الظالم غدراتك وشبة النار
أي قلب يحتمل هذا الألم، أي حال تصارعه أنفاسك بين الثبات والانهيار، بين تعب السنين الطويلة وثمار الحنظل التي يقطف من زرعه الذي كان يؤمل من شباب لمشيب.
لستَ ممن قصر مع الغريب مهما حصل ليجد الجحود والنكران ممن كان يظنها بالأمس السكن والوداد.
فهل استحالت النفس لقانون بيت العنكبوت التي تقتل فيه الأم زوجها بعد أخذ بغيتها منه، ثم لتلقى الأم المصير نفسه من أولادها الذين سوف يأكلون أمهم عندما يكبرون.
كيف ينام ذاك الآسي الذي زين له الشيطان سوء عمله، أم هل تسعفه الأحلام هناءً وسعادةً.
أي ظلم فيه تعاني والناس من حولك علموا قيمتك وقدرك إلا أبناء قلبك الذين احتوشتهم شياطين الأنس.
آني أقول يا رب برحمتك شيل عني
وتصلح اللي بعد عن درب الصحيح ابني
ربي العزيز القادر هو حسبي وظني
وما يوم بيها الردي يجيني ويصير جار
إنها الأم التي حرَّشت أبناءها على والدهم الذي ضحى بعمرها ليصبحوا رجالاً. أي رجولة هذه التي تصنع من أشباه الرجال نعالاً في قدم امرأة اشترت شرفهم بدراهم معدودة.
من هي تلك المرأة التي تطاوعها نفسها وهي بين الحياة والموت أن تغادر حياتها بسمعة سيئة، ليقال عنها: تلك التي تنكرت لمعروف السنين، وساعات الحب الغامر، ولحظات الألم الذي ما حمله غيره.
أي قلب ذاك الذي يحتمل صراعاً أخلاقياً على دنيا فانية غرت أصحاب العقول السخيفة.
أي نفس تلك التي تعيش حياتها بمظهر السعادة الكاذبة والنشوة الزائفة لتدعي على زوجها بما ليس فيه، ومن المدعي: الزوجة وأولادها التوافه، ومن المدعى عليه: الأب الحنون الذي ما زال يفتح طريق النجاح بمعول الثبات وعزيمة الصبر.
فهل سألوا أنفسهم يوماً أن المال ليس كل شيء.
هل سيشتري المال لهم أباً؟ هل سيجلب المال الذي يبذرونه هنا وهناك في أفواه آثمة، وأنفس حاقدة حاسدة، مجداً تليداً يذكر غداً خلفهم؟ لا أبداً ليس هذا ولا ذاك ستشرق شمس النجاح، ويجبر الله الخواطر، وأقول بختم قولي:
يا ساعة الفرج هبي ع القلب الحزين ولمي
شتاتي بعد فرقة الغالي لو زال همي
يا ناس ش أقول لعاذلي وشيطان أنسي
فرق عني عيالي وهلي وبعَّد الدار.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ماشاء الله قمة الإبداع والروعة وهي ليست غريبة عليكم استاذ مطيع السهو فأنتم من الرجال الذين يحملون كل قيم الانسانية والخير والطيب والرقي وفقكم الله وسلمت يداك فالمجتمع والحياة والإنسانية كم بحاجة الى أشخاص يحملون مثل هذه القيم وانتم اَهلها دمتم بخير ولكم كل المودة والاحترام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى