مقالات

لا يفتي قاعد لمجاهد!

طعان خليل

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

(لا يفتي قاعد لمجاهد)، و(لا يفتي أهل الدثور لأهل الثغور)، هاتان المقولتان يستدل بهما البعض للرد على من يحاكم أفعال المقاتلين أو التنظيم الذي ينتمي إليه المقاتلون سواء خلال المعركة أو بعد انتهاء المعركة.. والبعض يستدل على ذلك بالقول: (أهل مكة أدرى بشعابها).

إن تلك الأقوال أعلاه ليست نصوصا شرعية لتكون صالحة لاستنباط أحكام شرعية منها، إذ إن مصدر الأحكام الشرعية الوحيد هي النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، وهي أيضا ليست قواعد شرعية تم استنباطها من النصوص الشرعية، وبالتالي لا يصح اعتبارها منطلقا أو مقياسا للنظر في أفعال العباد والحكم عليها، سواء كانت تلك الأفعال تتعلق بأمور الجهاد أو السياسة أو الاقتصاد أو غيرها.. فلا قيمة لها مطلقا من الناحية التشريعية، ولا يصح النظر إلى أي رأي يُعْطى في أي مجال من تلك المجالات المذكورة وغيرها ومحاكمته بناء على تلك الأقوال، بل إن محاكمة أي رأي لمعرفة مدى صحته إنما تكون بناء على طريقة الاستدلال التي اعتُمِد عليها، سواء كان صاحب الرأي مقاتلا أم كان قاعدا، وسواء كان فقيها أم كان قائدا سياسيا أم كان غير ذلك.

وأيضا فإن فهم الواقع الذي يُراد معالجته بالحكم الشرعي لا يوجب على من يريد إصدار الحكم على الواقع أن يكون معاينا للواقع أو متلبسا به معايشا له، وذلك لأن المطلوب هو الفهم، والفهم له وسائل معتبرة يحصل من خلالها، وذلك معروف وهو مدرك من خلال أعمال الفقهاء والقضاة والسياسيين وغيرهم من الناس، فإن هؤلاء يصدرون أحكامهم بعد نقل الواقع إليهم بأية وسيلة معتبرة، لأن المهم في الأمر الوقوف على حقيقة الواقع وفهمه وليس معايشته.

ولذلك فإن القول الذي يردده البعض “لا يفتي قاعد لمجاهد” أو ما في معناه هو قول خطأ. وذلك لأن القول بأن الفتوى هي في حالة الجهاد للمجاهد، يعني أن المجاهد هو الذي له الحق في الفتوى فيما يتعلق بجهاده، مع أنه قد لا يكون من أهل العلم، بل لربما لم يكن ممن يُعتَمد عليهم في فهم الواقع، وأما إذا كان أهلا للفتيا فإنه ليس بسبب أنه مجاهد، بل بسبب تحصيله للعلوم الشرعية المعتبرة، ولذلك فهو ليس له أفضلية على غيره في موضوع الفتيا كونه مجاهدا، بل لربما كان جاهلا في علوم الشرع، فمن أين له الحق عندها في إصدار الأحكام الشرعية؟ وأيضا فإن القاعد لا يسلبه الحق في الفتيا كونه ليس مجاهدا، فلربما كان من أهل العلم ومن يصلحون للرجوع إليهم في الفتوى.

إن القول “لا يفتي قاعد لمجاهد”، يجب شطبه من التداول وذلك ليس فقط بسبب أنه قول خطأ، بل بسبب أنه صار يُستعمل للتغطية على الانحرافات التي تحصل باسم الجهاد، وبسبب ما صار يُساق من مسوغات لإعطاء شرعية للعلاقة مع الحكام العملاء في بلادنا، بل ولتنفيذ خطط الأعداء. وقد صارت كثير من التنظيمات تسكت عن إنكار المنكر على الحكام وتسكت أيضا عن تبيان المعروف، بل وتقوم بتلميع صورة الحكام الخونة المجرمين وتعفيهم من كثير من مسؤولياتهم، وباختصار هي تقع في منكرات عظيمة بذريعة أنهم أهل جهاد وهم أدرى من غيرهم بأحوال الجهاد والمجاهدين وما قد يضطرهم لفعل أشياء محرمة.

أما من يستعمل القول أعلاه قاصدا منه معنى صحيحا، أي أن من يفتي يجب عليه أن يكون عالما بأحوال المجاهدين وما يواجهونه فإنه يُجاب بالقول إن ذلك المقصود لا يُعَبَّر عنه بمثل تلك الاقوال بل يُعَبَّر عنه بألفاظ أخرى تفيد المعنى المطلوب ولا تحتمل لبسا ولا تُسْتَعْمَل للتلبيس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى