مقالات

سد النهضة: مصر وافريقيا بين الماضي والحاضر والمستقبل ، تأثير الصراع العربي الصهيوني “3”

محمد شريف كامل

مدون وكاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

تعرضنا في المقال السابق لدور مصر التحرري وإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، ورفضها ورفض أغلب الدول الافريقية الاعتراف بإسرائيل، وتأييد المنظمة والغالبية العظمى من دول أفريقيا لقضية فلسطين العادلة، وقد مثل ذلك أزمة كبيرة لإسرائيل خاصة وأنها كانت تطمع في أن تكون دول القارة السمراء الوليدة والخارجة من تحت عباءة الاحتلال البعد الاستراتيجي لها ومخزونها من الثروات، وكانت الدول المستعمرة تشجع إسرائيل على ذلك خاصة وأن من أسباب قبولها لإقامة إسرائيل هي وجود وكيل لها في المنطقة.

ومن المعلوم أن علاقة إسرائيل بدول أفريقيا كانت محدودة ومتقلبة ما عدا النظامان العنصريان في جنوب افريقيا وروديسيا البيضاء (زيمبابوي) واللذان يشابهان تماما الكيان الصهيوني في كونه استعمار استيطاني يمارس التفرقة العنصرية واستعباد وابادة الشعب الأصلي. ولم تبدأ الدول الأفريقية إقامة علاقات حقيقية بإسرائيل إلا بعد أن تقلس الدور المصري باتفاقية كامب دافيد الموقعة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة والتي تضمنت نصوصها على أمران فتحا لإسرائيل الباب الأفريقي على مصراعيه، وهما إلغاء المقاطعة واسقاط قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

وادراكا بأن أمن أفريقيا هي العمق الاستراتيجي لمصر، كان التغلغل الصهيوني فكرا ودولة في افريقيا هو بداية للحصار على مصر في العديد من المجالات، والذي ظهرت بعض تبعاته في مشروع سد النهضة، خاصة وأن نهر النيل هو مصدر المياه الوحيد لمصر وأنه شريان حياة بالنسبة لها لكون مصر دولة مصب وليست أرض للمنبع.

الأمر لا يحتاج لكثير من الجهد لربط الأحداث ومعرفة العلاقة الوثيقة بين إسرائيل وقوى الاستعمار القديم والحديث، فالربط بين قلاقل القارة والصراع على المخزون العالمي من الثروات ومشروع سد النهضة أمر واضح، ورغم دخول اللاعبين الجدد، إسرائيل والامارات، للعبث بالساحة الأفريقية فمازال اللاعبين القدامى فرنسا والولايات المتحدة يتبارون على استنزاف الموارد وتخزين ما لا حاجة له اليوم لغد قريب.

فلم تجف بعد دماء التسعينات الناتجة عن الصراع بين فرنسا والولايات المتحدة على أرض الجزائر حتى عادت في صورة أخرى مع أثار الربيع العربي، وكذلك السيطرة الكاملة والصراع في مالي وتشاد، وصراع الشعب العربي في ليبيا وتونس مع تدخل الامارات وإسرائيل سيظل قائما حتى تسقط قلعتهم المغتصبة للقاهرة.

وقد يعتقد البعض أننا خرجنا عن السياق، ولكن على العكس فالأمر مرتبط ارتباط كلي، ولسنا ببعيد عن تقسيم السودان والصراع في القرن الأفريقي، وقد تطورت علاقة الدول الأفريقية بإسرائيل بشكل سريع فالدول الافريقية تبحث عن الخبرات والتقنيات في مجالات الأمن والتكنولوجيا والزراعة والري، وقد تخلت مصر عن ذلك الدور وانكمشت داخلها، وتطوعت الإمارات بتمويل تلك الاحتياجات شراكة مع المعرفة المتوفرة لدى إسرائيل، ولا شك في أن إسرائيل تجد في افريقيا مصدر للثروات والمواد الخام لا قرين له كما هي سوق كبير لتجارتها.

وقد تزامن ذلك مع الشرط الضمني من الولايات المتحدة باعتبار أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل هو الضامن لعلاقة حميمة معها، والتقى ذلك مع احتياج الأنظمة في افريقيا للحماية من التقلبات القبلية وثورات الشعوب. وعلى الجانب الأخر فإن إسرائيل تحتاج إلى تقوية العمق الإستراتيجي فهي محاطة بالشعوب العربية التي مهما تخاذلت حكوماتها ستظل رافضة وجود ذلك الكيان، ولذا كان العمق الأفريقي أساسي لها، ولا شك في أن التواجد الإسرائيلي في افريقيا هو اختراق للأمن القومي العربي وتطويقا للدول العربية.

من المعلوم أن إسرائيل تحتاج للمياه والكهرباء ومواردها في ذلك محدودة، ومرت بصراعات عديدة حول نهر الأردن ونهر الليطاني، ولا ننسى الحجة الدينية الواهية بربط مملكتهم القديمة بنهري النيل والفرات، والتي تحولت من محاولة السيطرة عليهم بالقوة إلى الحيلة والوقيعة، فتفتيت سوريا وإقامة نظام موالي في مصر هو التمكين من النيل والفرات بأسلوب العصر الحديث.

ويعلم الجميع أن إسرائيل ألحت كثيرا على مصر بالود تارة وبلي الذراع تارة أخرى أن توصل مياه النيل لها، وقد رفضت مصر أن تقوم بذلك حتى عام 2013، ثم قامت مصر بتوصيل سحارات مياه أسفل قناة السويس، والمعروفة بسحارات سرابيوم بحجة إيصال مياه النيل لسيناء بهدف التنمية، وهذا الظاهر من القول يبدوا حميدا ولكن باطنه معلوما، فأين مياه النيل ونحن على أبواب نقص كبير فيها.

وكان لرفض مصر توصيل المياه أثر على الإيقاع بين مصر ودول حوض النيل بتوقيع اتفاقية عنتيبي عام 2010 لإعادة توزيع المياه بالرغم من رفض مصر والسودان لها وعدم توقيع إلا 4 دول فقط، ولا نلوم اسرائيل على ذلك فهي تسعى لتحقيق مصالحها وتجتهد في ذلك بكل حيل الشر التي تمتلكها والتي بها تأسست وتوسعت، ولكننا نلوم مصر والسودان لفشل إدارة الأزمة.

وقد وقفت الإمارات وإسرائيل بشكل واضح مع أثيوبيا في مشروعاتها التنموية، بينما فشلت مصر في الدور المفترض لها في أن تتفهم الرغبات المشروعة في التنمية والتعامل معها وفشلت في التفاوض الجدي في ذلك الأمر.

ولا نستطيع أن نتحدث في شأن التواجد الإسرائيلي في أفريقيا دون الحديثن أ عن القرن الأفريقي وباب المندب، وباب المندب هو أحد النقاط الاستراتيجية التي لولا زرع إسرائيل لكان مدخل لبحيرة البحر الأحمر العربية، ومضيق دولي في ذات الوقت مثل مضيق جبل طارق، وبوجود تحكم عربي في المضيقين تصبح التجارة الدولية محكومة ومحمية بالعرب، ولذا كان إطلاق يد اسبانيا في سبته ومليلة والجزر المحيطة وتحييد جزيرة ليلى وسيطرة بريطانيا على جبل طارق.

وذات الشيء تحقق على باب المندب الذي يصل المحيط الجنوبي (المحيط الهندي وبحر العرب) بالبحر الأحمر وتطل عليه اليمن وجيبوتي. ولكون أثيوبيا بلا منافذ بحرية، فالصراع الأثيوبي الجيبوتي والصراع الأثيوبي الإريتري لن يتوقف، وبعد أن كان النفوذ المصري على المنطقة بالعلاقة الحميمة مع أثيوبيا وتأييدها لقوى الثورة والتنوير في اليمن، جاءت قوى الردة السعودية الإماراتية لتفرض واقع جديد يثبت السيطرة الإسرائيلية على المنطقة بالقواعد العسكرية الإماراتية والإسرائيلية والأمريكية على جانبي البحر الأحمر، وسيطرة الامارات على جزر سقطري.

فكانت السيطرة على مضيق باب المندب واستمرار الصراعات الأثيوبية الجيبوتية والصراعات الأثيوبية الإريترية والصراع على مياه النيل هي الضامن الأساسي لزعزعة الأمن في المنطقة، وضمان لاستقرار الوضع للتواجد الإسرائيلي في البحر الأحمر لدعم أمنها القومي وحصار الأمن العربي وخدمة الإستراتيجية الأميركية في الهيمنة على إفريقيا، والتحكم في ثروات القارة السمراء وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وفتحه كممر مائي دولي يتحكمون فيه، والذي اكتمل بتحقيق حلم إسرائيل بتسليم تيران وصنافير للسعودية مما يجعل مضيق تيران ممر دولي وليس مياه إقليمية مصرية.

وبذلك يكون قد تم اختراق الامن القومي العربي والمصري تحديدا، والذي اكتمل بمشروع سد النهضة الذي نتناوله بالتفصيل في مقالنا القادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى