مقالات

تحالُف الأقليات ، الفوضى الخَلّاقة والإمبريالية الغربية ثلاثةٌ رابعُهم إيران

فهد السالم صقر

محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية
عرض مقالات الكاتب

الفكر هو الذي يُحدد السلوك ، والمَثَل الشّعبي يقول : (اللي في القِدر تُخرِجهُ المَغرَفة).  ولهذا فإن أردنا فَهم أو تحليل سلوك مُعين ، فمن المُفيد أولا معرفة الخلفية الفكرية التي تسكن خلفه ، و تُحَدد أُسُسَه و توجّهاتِه. وعليه ، فإنه لا يُمكن فَهم السلوك السياسي لنظام طهران، محليا و دوليا وإقليميا ، إلا بإجراء مراجعة شفافة و صريحة ، لجوهر العقيدة الشيعية نفسها، لكي نصل إلى  تفسير منطقي ، و معقول لهذا السلوك الغريب والمتناقض ، منذ قيام الثورة الخمينية عام 1979  وحتى الآن ، الذي يغلب عليه طابع التُقية بمفهومها الباطني..

بإستثناء دولة الفاتيكان ، فايران هي الدولة الدينية الوحيدة في العالم Theocracy   فقد بُنيَ نظامها السياسي على ولاية الفقيه، وهيمنة المذهب الشيعي الإثني عشري حصريا على نظامها الحاكم ، مع إقصاء كل مذهب آخر.  وبالتالي ، فإن هذا المذهب ، يؤثر بشكل شمولي على طريقة تفكير قادتها ، و نُخَبها السياسية والعسكرية.  وهو الذي يحدد سلوكهم السياسي ويٌفَسِره ، شئنا أم أبينا.

بداية لا بد من التنويه بإن المذهب الشيعي الإثني عشري ( نسبة إلى 12 إمام)،  الذي تتبناه جمهورية ايران الإسلامية اليوم ، هو عبارة عن “إسلام مُحَرَّف” قولا واحدا.  ومن أراد أن يتعمّق أكثر بالجوانب الفِقهيّة البَحتة لهذه العقيدة ، للوقوف على مدى التحريف والشُذوذ في هذا الفكر العَقَدي وبُعدَه عن دين الإسلام الحنيف،  فأنصحه بمراجعة كتاب ” وجاء دور المجوس” الأبعاد التاريخية والعقائدية للثورة الايرانية . لمؤلفه الشيخ محمد بن سرور بن نايف زين العابدين. الجزء الأول. وقد نشره في عام 1979 و لا يتسع المجال لشرحه هنا. و أيضا أوصيه بمراجعة كتابات الشيخ الشهيد إحسان الهي ظهير 1941-1987) .

 ولكن لماذا يكتسب البحث في هذا الموضوع الآن أهمية بالغة لنا.  ولماذا نَطرَحُه في هذا الوقت بالذات ؟ الجواب سهل .  ذلك بسبب التغيرات والتطورات التي طرأت على مسرح أحداث الشرق الأوسط بعد حدثين تاريخيين مِفصليين ؛  الغزو الأنجلوأمريكي للعراق عام 2003 و الربيع العربي عام 2011 ، ودور ايران التآمري الخبيث في كليهما . لقد أوجد هذان الحدثان ديناميكيات جيوسياسية جديدة في المنطقة ذات أبعاد خطيرة.  سارعت هذه الديناميكيات في ميوعة وتقلبات الأحداث السياسية في المنطقة، ومن وتيرة التغيرات المتسارعة ، وحَوّلَت مَسرح أحداث المنطقة إلى ما يُشبه الرمال المتحركة. حَدَثَ هذا،  بالتزامن مع ثورة في الإتصالات الرقَمية، وتَفَشّي وسائل التواصل الإجتماعي؛  التي باتت تخدم كإعلام بديل لا يمكن التقليل من أهميته.  الأمر الذي زاد من منسوب الوعي والإنخراط السياسي لَدى عامة الناس.  وفي ذات الوقت ، زادَ من مستوى التَشويش الفِكري ، وضياع البوصلة عند الكثير من النُشَطاء والمُهتمين بالشأن السياسي، سواءا كانوا مثقفين أو كتاب،  لجهة فَهم طبيعة الدور الذي تلعبه جمهورية ايران الإسلامية في مجمل قضايا المنطقة . وخاصة، بما يتعلق بإدعاءات ايران (الكاذبة) بأنها تقود محورا للمقاومة والممانعة ، ضد الكيان الصهيوني في فلسطين وأمريكا في المنطقة، بينما هي فعليا تلعب في المَلعب الغربي الصهيوني ، ضمن نفس السيناريو التدميري ، فيما يُعرف “بالفوضى الخَلّاقة” وَ وجهُه  القَبيح الآخَر ” تحالف الأقليات”.  

 في المحصلة النهائية ،  باتت ايران –  بتواطؤ و سكوت أمريكي ضِمني-  تحتل أربع دول عربية، بالشراكة مع قوى أجنبية أخرى ؛  مع أمريكا في العراق، ومع روسيا في سوريا.  ويُمكننا بمُنتهى السهولة ، تصنيف هذه الدول جميعها بأنها دول منكوبة؛  هي العراق، لبنان ، سوريا و اليمن.  ولا زالت ايران تَطمَح  إلى ضم دُول عربية أخرى إلى نفوذها، مثل البحرين و أجزاء من السعودية وغيرها .  ضمن نفس المخطط الأمريكي والسيناريو التخريبي إياه.  لهذا أصبح لزاما علينا الآن ، طرح هذا الموضوع ، المسكوت عنه منذ قرون، من باب الذي يجب أن يُقال ، لأنه قد جاءَ أوانُه. وذلك بإلقاء نظرة تحليلية لجوهر لعقيدة الشيعية كما هي.  ودراسة إنعكاساتها على سلوكيات ايران ، و رَبطها بمَجرَيات وتطُورات الأحداث في منطقتنا.  

فمن جهة ، تُقدم ايران نفسها في خطابها الرسمي أمام شعبها بأنها المُدافع عن المذهب الشيعي. ومن جهة أُخرى، تَدّعي (زورا و بهتانا) ، أنها تقود محور مقاومة وممانعة ضد إسرائيل  وضد الهيمنة الغربية في المنطقة. ولكنها فعليا تلعب دورا وظيفيا خبيثا ، مُكَمِّلا للدور الإستعماري، في تغذية وإشعال النزاعات السياسية،  وزعزعة الأمن ، وتُغَذي بأفعالها الحروب الأهلية والطائفية في المنطقة.  كل ذلك يتم حسب تفاهمات ضمنية ( مُستبطَنَة) مع أمريكا واسرائيل.  فحكومة طهران تلعب دورا هاما ( دور البطولة !)  في سيناريو “الفوضى الخلاقة ” و تحالف الأقليات سيء الذكر، وفقا للإستراتيجية الأوروبية القديمة للسيطرة على المنطقة، بِتَيسيرها وتهيأتها الأجواء للمزيد من التدخلات الأجنبية في المنطقة بسياساتها الخرقاء غير المسؤولة.  ( وصولا الى سايكس بيكو مُعدّل)، تَقسيم المُقسّم  وتفتّيت المُفَتّت.

يُجادِل أبواق ايران وأنصارها السُذّج بين العَرب السُنةّ ، وجُلّهم من اليساريين أو العِلمانيين أو اللادينيين، الذين أشتروا النُسخة الايرانية من كتاب الممانعة والمقاومة.   بأن ايران تقود محورا للمقاومة في وجه الهيمنة الأمريكية والغربية في المنطقة.  أضف الى ذلك –  وشر البَلية ما يُضحك –  تقوم ايران بمكافحة الإرهاب في  العراق وسوريا ، جنبا إلى جنب مع  قوات التحالف الدولي، (الشيطان الأكبر) وحلفاءه الدوليين.  لا أتحدث هنا عن تنظيم داعش الإرهابي ، الذي هو أداة وصنيعة الإستخبارات الأمريكية وايران، فهو جزء من نفس السيناريو التخربيي إياه. بل أتحدث عن أهل السُنّة عامَةً،  في بغداد والأنبار وديالي والموصل، والرقة ودير الزور وحلب وحماة وحمص وريف دمشق والقصير والزبداني وسهل حوران، ومخيم اليرموك ، الذين يتعرضون للقتل والتهجير والتغيير الديمغرافي، أمام سَمَع وبَصَر جامعة الدول العربية والأمم المتحدة ، بحجة محاربة الإرهاب.  

يرفض هؤلاء العلمانيون أي حديث أو تلميح عن سياسة ايران الطائفية الشيعية ، سواءا النظرية في كُتبهم وأدبياتهم الفقهية، أو العملية في ممارساتهم الفعلية على الأرض . ويعتبرون ذلك غير ذي صلة ،  فهم غير معنيين البتة بالتحدث بهذه اللغة ( أي بالطائفية والدين، لأنه عيب نحكي فيها..!).   فهم بعلمانيتهم العوراء يَرَون في طائقية بشار الأسد وحسن نصرالله ونوري المالكي و القتيلين  قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس والحشد الشعبي و غيرهم مجرد تفصيل صغير.  ولا يُزعجهم مطلقا، الممارسات الطائفية لايران في العراق وسوريا .  ولا يرون ولا يسمعون  الميليشيات الشيعية وهي تهتف بشعارات طائفية مقيتة ، مثل ( يا لثارات الحسين، ولن تُسبى زينب مرتين و شيعة شيعة شيعة).  فقد سُكّرت أبصارهم ، بل هم قوم مسحورون. ممن يا تُرى سيثأر الشيعة لدم الحُسين؟؟ هل من النصارى أم من اليهود؟ ؟؟

أليست مفارقة غريبة أن يدعم اليساريون والعلمانيون العرب دولة دينية ثيوقراطية في تناقض صارخ مع خطابهم ( التقدمي، الأممي ) ويدعمون مواقفها السياسية وسلوكها في المنطقة من باب البراجماتية السياسية، (المبنية على تصور وتقييم خاطئ، بالمناسبة).   ولا يَرون في موقفهم ذاك أي رجعية أو تَخَلًّف،  )فسبحان الذي جَمَع و وَفّق.!) ، ولكن يُزعجهم ويَقُض مضاجعهم ، الإسلام السياسي السُني فقط.  فلديهم حساسية مُفرطة منه ، فتراهم  يَنتَفضون ، ويُسّخِرون أقلامهم ومَنصّاتهَم الإعلامية لمُهاجمته (عَطّال على بَطّال).  ولا يُخرِجون أضغانَهُم إلا على الإسلام السياسي السُنِّي و أفكاره وأحكامه وطروحاته الشرعية.  فالتُهم دائما جاهزة ؛  الإرهاب والإتّجار بالدين والإنتهازية السياسية.   أما المُعممون في قُم والنّجَف والضاحية الجنوبية،  فهم ليسوا تُجارا في الدين ( والمخدرات أيضا) . حاشاهم! بل مناضلون تقدميون من الطراز الأول.  يا للهول. !

يَعتبر عُلماء الشيعة ومُعمّموهم في قم والنجف المسلمين السُنَة كفارًا، وينعتونهم بالنواصب ؛ والنواصب تاريخيا ، فرقة مارقة ناصبت العدء لعلي بن أبي طالب وأبناءه بالقول والفعل.  وتعريف النواصب هم الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، وهم كانوا فرقة مستقلة اندثرت مع الزمن. وبحسب الشيخ ابن عثيمين : النواصب، هم الذين ينصبون العداء لآل البيت، ويقدحون فيهم، يسبونهم، فهم على النقيض من السنة. و يقول ابن تيمية في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة :” (…يحبون أهل بيت رسول الإسلام ويَتولّونهم ويَحفظون فيهم وصية رسول الإسلام….. ويَتبرَأون من طريقة الروافض الذين يَبغُضون الصحابة ويَسُبونهَم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، وأهل السنة والجماعة يٌمسِكون عما شَجَرَ بين الصحابة ” (العقيدة الواسطية مجموع الفتاوى 3 / 154).

إلا أن علماء  الشيعة اليوم لا يُفَرِقون بين أهل السنة والجماعة ، وبين النواصب.  ويَعتبرون كل سُنيّ ناصبي ، وإن لم يعترفوا بذلك بلسان المقال ، و لكنهم يطبقونها بلسان الحال في ممارساتهم اليومية على الأرض. وقد فَضَح عقيدتهم رجل الدين الشيعي كمال الحيدري . ( أنظر كمال بن باقر بن حسن الحيدري 1956- الآن). الذي أثار جَدَلا واسعا في العراق وإيران ، بعد أن ظهر في برنامج يبث على القناة الرسمية العراقية في شهر سيبتمبر 2020، ناقش فيها قيام عُلماء شيعة بـ”تكفير” مخالفيهم. فقامت مجموعة متشددة من رجال الدين المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي بإصدار بيان شديد اللهجة ضده و”تكفيره” .  وكان مما قاله رجل الدين الحيدري أن حوزة قم ورجال الدين فيها يكفرون السُنّة  إستبطانا، قال :  ”  “التكفير لا يقتصر على أهل السُّنة، وقضية التكفير موجودة أيضًا بين علماء الشيعة”، مضيفًا أن علماء الشيعة في الوقت الراهن يؤمنون بالتكفير الباطني للسُّنة، وعلى الرغم من أن السُّنة هم من المسلمين، يعتقد بعض رجال الدين الشيعة أن السُّنة “ليسوا مسلمين باطنًا”.   المصدر ناس 30-10-2020.

 ولكن بكل الأحوال، نحن لسنا بحاجة للاستشهاد بما يقوله هذا الشيخ أو ذاك، لإثبات أن التشيع الصفوي اليوم هو فكر فاسد لا ينتج عنه إلا سلوك فاسد .    لأن الممارسات الفعلية على أرض الواقع، في العراق وسوريا، تَفضَح هذا الفكر المُنحرف، دون الحاجة لسماع شهادة أحد.  فعمليات القتل على الهوية التي تمت في العراق منذ 2004  و تتم الآن ضد شباب وأهالي السُنّة من قبل ميليشيات طائفية مدعومة من ايران، سواءا  حشد شعبي أوغيره بتهم الإرهاب، والإعدامات الميدانية لهم ، والمجازر التي أرتُكبت ضدهم وتُرتكب بحقهم ،  وإستباحة دماءهم ومدنهم وقراهم ، و الاضطهاد والتهميش والتطهير العرقي الذي يتعرضون له منذ الغزو الأمريكي.  ما هو إلا تَجَلّيات عملية ، وتطبيق واقعي لهذا الفكر الحاقد المُنحَرف، الفالت من عقاله وتعبيرا عنه. (ملاحظة للتأمل، تُطلق ايران على ميليشياتها وكتائبها الطائفية في العراق التي تستهدف السُنّة إسم ” قوات مكافحة الإرهاب” في تماهي مفضوح مع الخطاب الغربي الصهيوني الذي يُجَرِّم المسلمين ويوصمهم بالإرهاب.

وفي ايران ، يتعرض عُلَماء وأئمة السُنّة للإعتقال والتنكيل بهم، مثل العَلاّمة الشيخ أحمد مُفتي زادة ( 1933-1993) مُفتي السُنّة في ايران.  والذي كان يُعَد الزعيم الروحي للسًنة في ايران . إعتقلته السلطات الايرانية،  وقامت بالتنكيل به وإهانته وتعذيبه، لتطلق سراحه فيموت بعد فترة وجيزة بسبب التعذيب وسوء المعاملة. أيضا، من الشخصيات السُنيّة الفذة ، العالم والمؤرخ العبقري الشيخ الشهيد محمد ضيائي، رحمه الله ( 1939-1994)  الذي كان من كبار علماء السُنّة في ايران ، ومؤسس مدرسة العلوم الإسلامية في بندر عباس، الذي عُثر على جثتة في إحدى الطرق الجبلية من محافظة هرمزكان وعليها آثار التعذيب في 11 صفر 1415 الموافق 20 يوليو 1994.

أما في سوريا ، فحدث ولا حرج. فمجازر النظام وميليشيات ايران ضد السوريين أكثر من أن تُعد أو تُحصى. السؤال البديهي المطروح هو ؛ هل الذي يَحمل هذا الكم الهائل من الكراهية و الحقد على السُنة في سوريا والعراق وايران، ويعتبرهم كفار وأهل نار، لأنهم (كارهين لآل البيت) ، سيُدافع عنهم ويُحررهم في فلسطين والأردن ومصر ؟؟؟ هل ايران التي تُحارب وتقتل أهل السُنّة على الهوية في سوريا والعراق ، وتنعتهم بالنواصب  وتستحل دماءهم ، ستُدافع عنهم وتحررهم في فلسطين ؟ قطعا لا ،  فهذا الحقد هو ممارسة نمطية ( Pattern) ناتجة عن فكر متأصل.  شاهدناه يتكرر في العراق منذ بداية الغزو الأمريكي وفي ايران ولغاية الآن، وفي سوريا ضد السُنة .   ولا يمكن إعتبار هذا السلوك حوادث معزولة، بل هي نتاج فكر مُنحَرف، يستبيح دم الآخر ويُكَفرّه -كما أسلفت-   

من منا لا يذكر تصريح رئيس وزراء (الحكومة العميلة في المنطقة الخضراء) نوري المالكي عند فض إعتصمات الأنبار بالقوة في عام 2013 بأن ما يحدث في خيام الإعتصام في الفلوجة والرمادي هو حرب بين أبناء الحسين وأبناء يزيد..! وأن الحرب التي تخوضها القوات العراقية الحكومية هي إستكمالا لحرب الحسين رضي الله عنه مع يزيد. كيف يمكن أن يمر هكذا تصريح من مسؤول عراقي في أعلى سلم الهرم السياسي مرور الكرام، ولا يُدان هذا الخطاب الطائفي على أوسع نطاق؟ ولكنَّ السُنة لا بواكي لهم.

من الطبيعي أن يرفض أهل السنة والجماعة هذا السُلوك وهذا النهج الطائفي المقيت، فالتعديات والإنتهاكات الإيرانية المذهبية في سوريا والعراق لا يمكن السكوت عنها. لن ينسى أهل السُنَة في سوريا ما حصل لهم على يد ايران، التي أعانت  نظام طائفي فاسد مجرم على قتلهم وهضم حقوقهم وتهميشهم وتهجيرهم في أصقاع الأرض.   إذن ، من هنا قولنا ، أن ايران جزء مهم وهي لاعب أساسي في السيناريو الإسرائيلي-الأمريكي للمنطقة منذ 1979 وإن غَلّفت نواياها ( بتقية) أو بدَجَل وتدليس وخُزعبلات “الممانعة والمقاومة” والعداء للشيطان الأكبر والشعارات الجوفاء ( الموت لأمريكا والموت لإسرائيل ) التي لا تجلب إلا الموت للسُنّة والعَرب.

ماذا تريد أمريكا و إسرائيل أحسن من هكذا عقيدة ، وفكر فاسد؟  فنحن نرى أن هناك تحالفا إستراتيجيا وثيقا بين أمريكا من جهة ، و ايران و أذنابها فيما يسمى” الإسلام السياسي الشيعي” من جهة ثانية . كما هو واضح لكل ذي بصيرة في العراق ولبنان واليمن. فالشيعة بمجملهم كطائفة ،  أو طوائف وأقليات متناثرة ،  يدخلون ضمن نفس الحسابات الغربية الإستعمارية كأحدى “الأقليات” في الفُسيفَساء الشرق أوسطي،  فيما عُرف تاريخيا بتحالف الأقليات ، الذي أخترعته أوروبا الإمبريالية كأداة خبيثة من أدوات تفكيك الدولة العثمانية عام 1918.   وما تبع ذلك من مؤامرة سايكس بيكو المشؤومة  لتقسيم الأمة، التي نَصّت تفاهماتها الخبيثة على تمكين الأقليات للوصول إلى السطة في دول ( دويلات)  الشرق الأوسط.

إن سياسة “تحالف الأقليات و” الفوضى الخلاقة” هما وجهان لعملة واحدة، مصدرها واحد، وهدفها واحد.  بغض النظر عن الخطاب الإعلامي التدليسي، التصعيدي بين ايران وأمريكا ، فالغرب ينظر للشيعة “كأقلية من الأقليات”، التي يَتَشَكَّل منها الوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي . وبالتالي ، تقوم بتحريضهم وعقد تحالفات سرية معهم ضد السُنّة، كما شهدنا في العراق وفي سوريا مع النصيريين وفي اليمن مع الحوثيين. ضمن نفس مفهوم ” تحالف الأقليات”  الذي بدأته فرنسا وبريطانيا في أعقاب الحرب الروسية التركية عام 1854 كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية،  وما زالت أمريكا مستمرة في نفس هذه السياسة والنهج. 

 ففي العراق تم إزاحة العرب السُنّة عن الحُكم بقوة الإحتلال الأمريكي العسكري عام 2003، جرى تهميشهم ، لحساب الشيعة والأكراد ، وأدخلت البلد في أتون حرب أهلية طائفية. وهذا بدقة،  نفس الأسلوب والنَمَط الذي إتبعته فرنسا في لبنان ، بالنسبة للمسيحيين الموارنة قبل ما يقرب من ستين عاما في عام 1946.  وفي كلا البلدين ، تم وضع دستور محاصصة طائفية كريه نَتِن ،  لضمان إستمرار الفتن وعدم الإستقرار و إبقاء المجتمع في نفق الطائفية السياسية إلى ما شاء الله.

وفي سوريا ، تم تمكين النُصيريّين ( العلويين) بالتآمر الدولي والصهيوني العالمي على الجيش الوطني وإختراقه في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي و “علونته” بغطاء القومية العربية، والإنتماء لحزب البعث العربي الإشتراكي. وبالتالي تم السيطرة على مقدرات سوريا ، ورهنها لطائفة بعينها متحالفة مع الكيان الصهيوني والقوى الدولية.   بالطبع الغرب وأمريكا لا يفعلون ذلك محبة في الشيعة ( أو المسيحيين أو النصيريين..) ، وإنما لبث الفتن وزرع الأسافين في المجتمع، وإشاعة جو من عدم الثقة والخوف بين الأغلبية والأقليات.  وذلك لإضعاف المنطقة ، وتفتيت الأمة.  وهذا يُفَسّر الدعم الإسرائيلي  -أو بمعنى أدق- الفيتو الإسرائيلي، على إسقاط النظام النُصيري الطائفي في دمشق. فقد فعلت إسرائيل وأمريكا كل ما بوسعهما للحفاظ على النظام النصيري من السقوط ( بما في ذلك  السماح لايران ودعوة روسيا للحرب بجانبه)  ، بالرغم من ضعفه الشديد أمام ضربات الثوار عام 2013-2014 بعد أن أوشك على السقوط.

إن النظام النصيري في دمشق والنظام الماروني في لبنان والنظام الشيعي في العراق، وأضف اليهم الزائدة الدودية، نظام الملالي ( ولاية الفقيه) في طهران،  بالإضافة الى كيان الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين، عبارة عن منظومة إقليمية متحالفة مع الغرب  A regional political  ecosystem)   ، و جزء لا يتجزأ من النظام العالم الذي ترعاه الآن الأمم المتحدة ، والدول الكبرى أعضاء مجلس الأمن.  الحرص الغربي (المنافق) على الأقليات في الشرق  منذ الحرب الروسية العثمانية عام 1854 ، عندما إنتزعت فرنسا وبريطانيا تنازلات عثمانية على شكل حق فتح قنصليات في بعض حواضر الدولة كحلب وبيروت وجدة مقابل الدعم العسكري.  وبعدها بدأت أوروبا الإستعمارية تظهر إهتماما زائفا بالأقليات،  وتتواصل معهم بشتى الطرق.  ثم انتهى المطاف بوضع هذا الملف الإستعماري  في عُصبة الامم عام 1919  (League of Nations ) التي بدورها أورثته للأمم المتحدة عام 1945 (The United Nations)  التي بدورها أورثته للولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي ..وهكذا في سلسلة مُتصّلة من المؤامرات والدسائس على هذه الأمة لا تتوقف. 

خلاصة القول، إن الخلاف السُنّي الشيعي ، ليس خلافا فقهيا سهلا يتبع الاجتهاد ، و الخطأ والصواب،  على مبدأ من أجتهد وأخطأ فله أجر ، ومن أجتهد وأصاب فله أجران. بل هو أبعد وأعمق من ذلك بكثير ، فهو خلافا جوهريا يمس أُسُس العقيدة نفسها. وهو ليس بأي حال من الأحوال، خلافا عاديا كالذي يحدث بين المذاهب السنية الأربعة. الخلاف السٌني الشيعي هو شرخٌ غير قابل للرأب ،  لأن علماء الشيعة ومُعمّميهم اخترعوا دينا جديدا، مبنيا على البدع والخرافات والقصص المروية المكذوبة ، لا يمت هذا الدين  إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصلة . لقد أخترع الشيعة 12 إماما، سَموهُم معصومين، لديهم القدرة التكوينية ( يقولون للشيء كن فيكون)، وأتبعوهم من دون الله. هذا هو الشرك بعينه.  و تُشكل هذه العقيدة الباطنية خطرا داهما على الأمة العربية لا يقل عن خطر الصهيونية، بل إنها متحالفة معها.

تحاول إيران اليوم تصدير الثورة  (نشر المذهب الشيعي ) حصرًا في دول إسلامية سًنّية خالصة كالجزائر ومصر وفلسطين ومالي وموريتانيا وجزر القمر وغيرها، وذلك لنشر الفتنة وشقٌ الصف، وزعزعةٌ للاستقرار والسلم المجتمعي في تلك الدول – كما فعلت في اليمن – ضمن مخطط إشعال الحرائق،  وإنجاز أهداف ثالوث الشر؛ التآمر الصهيوني الغربي ، تحالف الأقليات و ” الفوضى الخلاقة”.  

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. اتفق معك اخي فهد بالنسبه للعداء الإيراني وأعوانه المستشري ضد السنه ولكن السؤال المحير ما دور الدول العربيه السنيه في الحرب على (الإسلام السياسي) أليس أشد ضراوة من حرب إيران على السنه عموما!!! وهل لديك تفسير لذلك اوليس الأولى ان يكون القاعده عدو عدوى صديقي!!!

  2. مقالب يستحق النشر لتوعية الشباب المسلم من خطر الشيعة اولا
    وثانيا ليعرف العالم العربي حقيقة الشيعة عشر وعقيدتهم

    اعتقد يجب قراءة المقال بتمعن لما يحمله من مضامين مهمه

  3. بعد أن فتح المسلمون العراق أثناء خلافة سيدنا الفاروق عمر رضي الله عنه ، تحركت الدولة العميقة للإمبراطورية الفارسية هناك لنشر الإفساد و التمرد و الفتن مما تطلب مطاردة الفلول و لكن مع أمر من الخليفة بعدم التغلغل في بلاد فارس والوقوف على حدود آخر مدينة فتحوها، وقال و هو البعيد النظر الثاقب البصيرة قولته المشهورة “وددت أن بيننا وبين فارس جبلًا من نار لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم”. بعد الفاروق ، استمر تغلغل المسلمين و ازدادت مؤامرة الدولة العميقة عليهم لتفريق كلمتهم فنشأت ظاهرة التشيع التي للأسف تعزى فقط لدور عبد الله بن سبأ و لا يتم التحدث عن دور تلك الدولة العميقة . كان من مستلزمات الظاهرة جعل “التقية” أو الكذب على الناس، و دسَوا على أحد أهل البيت الكرام قول “التقية ديني و دين آبائي” مع أن الله تعالى طلب منا ” اتقوا الله و كونوا مع الصادقين” إذ لا يمكن أن تنتشر الدعوة عن طريق دجالين .
    في بداية القرن السادس عشر ، قام إسماعيل الصفوي بفرض التشيع على إيران “السنية” بأسلوب دموي رهيب و قامت تلك الدولة بطعن الخلافة العثمانية من الظهر لعدم تمكينها من فتح غرب أوروبا. حصل تحالف بين الدولة الصفوية و البرتغال القوية حينها و تحالفت أيضاً مع الروس ثم إن بريطانيا اشترت ولاء حكام إيران ما بعد الصفويين عن طريق إعطائهم الأحواز العربية التي فيها ثروات هائلة.
    استمرت إيران موالية للانجليز لفترة طويلة ، و بعد الحرب العالمية الثانية حاولت أمريكا أخذ إيران بلعبة انقلاب مصدق في خمسينيات القرن الماضي و أفشلت الانقلاب و أعادت الشاه للحكم لكنه بقي على الولاء القديم مع استرضاء أمريكا بمصالح اقتصادية و بشراء سلاح و هذا لم يعجب أمريكا إطلاقاً .
    في مطلع الستينات ، اشتغلت أمريكا على ضباط الجيش خاصة سلاح الجو و على الخميني “الذي هو في الأصل هندي” و على بعض الرجال “مثل مهدي بازرجان و هاشمي رفسنجاني” . ما طبخته اقترب نضجه في نهاية السبعينات فاشتعلت المظاهرات الشعبية بالتحريض ، و في عام 1979 قام الجنرال الأمريكي “روبرت هايزر” بدخول إيران من دون إذن و ذهب للشاه في قصره و طلب منه مغادرة إيران بسرعة . بعد أن غادر ، سافر الخميني من باريس إلى طهران و بدأت لعبة سياسية جديدة كان مطلوباً فيها : ترسيخ القومية الفارسية المتعصبة المعادية للعرب من أجل تخريب بلدان العرب أو الفوضى الخلاقة (تحت شعار تصدير الثورة) مستغلاً التشيع و كان يتوجب عليه أن يقوم بتحويل المذهب إلى دين شيعي فارسي جديد لا يمتَ للإسلام بأية صلة “حقيقية”. اقتضى هذا التحويل كمية هائلة من الكذب لخداع الشيعة العرب بشكل خاص مقترناً بالمال الذي كان 16 مليار دولار سنوياً في بلدان العرب و خاصة العراق و سوريا و لبنان و اليمن ، و لقد ابتلع كثير من جهلة العرب الطعم الكاذب و فارقوا دين الإسلام و هم يظنون أنهم لا يزالون مسلمين .
    ولاء المتحكمين في إيران – كهنوت و حرس ثوري و جيش- هو بروتستانتي كاثوليكي أي لأمريكا و تابعتها فرنسا و هم يحاولون القيام بذلك بلباس أي ثوب خداع و بالكلام الكبير الفارغ و رفع شعار المقاومة و يوم القدس و فيلق القدس ! لم تدخل إيران في أي حرب لخدمة أمة الإسلام على مدى خمس قرون و في عصرنا اقتصرت أعمالها العسكرية على 4 بلدان عربية حتى الآن. و الأنكى من ذلك أن إيران تفعل كل ما تفعل لتكون الموظف الأول لدى الاستعمار الفرعوني بحيث لا ينافسها على هذا الدور الوظيفي أحد . في العام الماضي ، ولَى حكام فارس وجوههم شطر الصين في تواصل أوليَ قد يفيد في المستقبل لكنهم لم يتواصلوا مع إخوتنا شيعة أذربيجان و جنَ جنون الحكام عندما هزمت أرمينيا ذات الولاء الأمريكي الفرنسي الروسي . أخي الكريم : سيزداد عجبك حين تعلم ما ورد في الحديث النبوي الشريف من أن أصفهان الإيرانية ستحشد في المستقبل 70 ألفاً من الجنود للمسيخ الدجال المهزوم بعون الله . المعذرة على الإطالة رغم أنني حاولت الاختصار قدر الإمكان .

  4. هل يصح اعتبار تنظيم داعش، الذي اتبع المذهب الوهابي التكفيري، ممثلا للسنة؟؟ قطعا لا..كذلك لا يصح اعتبار النظام الخميني القائم على “ولاية الفقيه” ممثلا للمذهب الشيعي الاثنا عشري. الخميني تمكن بقوة السلطة الحاكمة من فرض رؤيته على مراجع الشيعة الذين رفضوا طروحاته، ورفضوا الاقرار له بالمرجعية، ولكنه تمكن بقوة السلطة بين يديه من كتم أصواتهم. المقالة قدمت فهما عميقا لواقع النظام الايراني وسياساته التي خدمت أمريكا التي مكنت الخميني من استلام السلطة كما ذكر الكاتب. النظام الخميني استخدم الهوية الشيعية غطاء لممارساته، تماما كما كانت السعودية ، قبل مبس، تستخدم المذهب الوهابي ستارا لممارساتها وإدعائها الكاذب بأنها دولة الشريعة والعقيدة السمحاء. ثم من قبيل التذكير: الملك فيصل ال سعود كان حليفا موثوقا لشاه ايران مع الملك حسين الهاشمي في الاردن، وكلهم ضد عبدالناصر السني الامريكي! مع تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى