مقالات

الاحتجاح بقصة الصحابي عبد الله بن حذافة وتقبيله لرأس ملك الروم

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

سأل سائل كريم: السلام عليكم هل قصة الصحابي عبد الله بن حذافة التي جاء فيها أنه قبل رأس ملك الروم ليطلق سراح الأسرى المسلمين صحيحة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد. أقول وبالله التوفيق:

أولاً صاحب القصة هو الصحابي عبد الله بن حذافة السهمي أسلم قديما وأرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وشارك في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، والفتوحات مع الخلفاء الراشدين، وشهد فتح مصر ومات بها سنة 33هـ رضي الله عنه.

ثانياً: أما عن القصة: هذه قصة مشهورة في كتب التاريخ والسير، ذكرها ابن سعد في طبقاته، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن الجوزي في المنتظم، وابن الأثير في أسد الغابة، وأبو العرب التميمي في المحن، وممن ذكرها أيضاً بتفاصيلها الحافظ ابن عساكر في تاريخه وغيرهم.

ثالثاً: أقول: لكن رغم شهرالرواية؛ فسندها ضعيف سواء قصة تقبيل الصحابي عبد الله بن حذافة رضي الله عنه رأس ملك الروم ليحرر أسرى المسلمين، أو قصة (نقرة النحاس)، وما ذكر من تفاصيل في القصة من حبس ملك الروم للصحابي عبد الله بن حذافة، ووضعه في غرفة بمفرده ومعه لحم خنزير مشوي وخمر ممزوج بالدم! كل هذا لم يثبت بسند صحيح. 

رابعاً: وقد أورد الحافظ ابن عساكر رحمه الله القصة بطريقين آخرين كما ذكر الشيخ الألباني في الإرواء إنهما طريقان واهيان “في الأولى ضرار بن عمرو وهو ضعيف جداً. وفي الأخرى عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي وعمر بن المغيرة، وعطاء بن عجلان وثلاثتهم متروكون!”انتهى بتصرف راجع كتاب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ـ الألباني ـ المكتب الإسلامي ـ بيروت ـ ط1ـ سنة 1399هـ ج8 ص157.  

خامساً: لقد تتبع أسانيد هذه القصة صاحب كتاب دراسات نقدية: “وفي إسناده عند أبي العرب شيخه يحيى بن عبد العزيز لم أجد له ترجمة، وفيه أيضاً عبد الله بن محمد من ولد عبد الله بن حذافة لم أعرفه، وهو الذي يروي قصة عبد الله بن حذافة وهو الذي يروي قصة عبد الله بن حذافة وبقية رجاله ثقات. وفيه عند أبي نعيم شيخ أبي نعيم، وشيخه لم أجد لهما ترجمة، وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، قال الذهبي: أحد الضعفاء، وقال ضعفه ابن عدي وغيره. ميزان الاعتدال 4/488. وفيه عطاء بن عجلان الحنفي متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب. ورواه ابن الجوزي وابن الأثيرمن طريق أبي نعيم. وفيه عند البيهقي ضرار بن عمرو ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلا. التاريخ الكبير 4/340. الجرح والتعديل 4/265. ولعله الملطي الذي ذكر في شيوخ عبد العزيز بن مسلم القمسلي، قال ابن معين: لاشئ، وقال الدولابي: فيه نظر”انتتهى بتصرف يسير: راجع دراسات نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية: الدكتور عبد السلام بن محسن آل عيسى ـ مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ـ ط1 لسنة 1423هـ ـ ص1081. 

صفوة القول

بعد هذا التطواف السريع حول أسانيد قصة الصحابي عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وتقبيله لرأس ملك الروم. أقول نعم القصة مشهورة في كتب التاريخ والتراحم والسير لكن أسانيدها ضعيفة لذلك لا يجوز الاحتجاج بها.

نسأل الله العظيم أن يفقهنا وإياكم في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع ويوفقنا وإياكم إلى العمل به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى