مقالات

التيس المستعار وأثر الصوت الانتخابي في سورية!

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

تداول الكثير من السوريين  الحديث عن الانتخابات الرئاسية في سورية ، وهذه الاحاديث حَمَلت في طياتها “الكثير من الجهل ” لدى المواطن السوري .  متناسياً هذا المواطن أن النظام اللا شرعي وفي مسرحيته الإنتخابية يولي الاهتمام بالجانب القانوني  بحذافيره . متجنباً أي انتقاد قانوني ممكن أن يواجه به. معتمداً على رجال قانون منتمين سراً إلى فروع مخابراته .  

ومن هذه الأحاديث ؟ : يقول الكثير من المواطنين عن الذي يُرشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية مع الأسد :  أن فلان يريد “الظهور لا أكثر ولا أقل ”  لأنه لن يستطع الحلم فقط بمواجهة الأسد في هذه الانتخابات (وهذه ظاهرة حقيقية في سورية ) .   إذاً ما هو الشيء الخفي  وراء هذا الترشيح من هؤلاء والذي لايعرفه الكثير …؟ هل هو ترويج للديمقراطية وإعطاء الفرصة للآخرين بخوض تلك الانتخابات …!  أم هو عمل قانوني مخابراتي لإضفاء الشرعية على انتخابات الأسد، وإيجاد اشخاص يأدون دور التيس المستعار لشرعنه هذه الانتخابات، }}التيس المستعار الذي تحدث عنه رسولنا الكريم محمد صل الله عليه وسلم عندما قال (ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يارسول الله، قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له) والمقصود بذلك من يتزوج المطلقة ثلاثاً ليحللها لطليقها {{  …..   وسنجد الإجابة على ذلك لاحقا ؟    

وهناك أصوات تقول إن الأسد سينجح بالانتخابات سواء انتخبناه أم لن ننتخبه، وإننا سنذهب للإنتخابات وننتخبه مرددين المقولة الشعبية (أَحْشَمْ لنا من عدم انتخابه / والمقصود خوفاً من بطشه).  

وكذلك الامر فإن هذا الموقف يحمل الكثير من الخطأ القانوني .

ونحن كرجال قانون من الواجب الأخلاقي علينا أن نُبَين للمواطن السوري الآثار القانونية المترتبة على تلك المواقف.

لنأخذ الحالة الأولى التي بيناها أعلاه، والتي أبطالها الآن وبعد البت بطلبات الترشح من المحكمة الدستورية العليا هما المرشح الأول عبد الله سلوم عبد الله والمرشح الآخر محمود مرعي (الذي كان مغادراً الأراضي السورية لفترة من الزمن برفقة ميس كريدي ، بحجة أنهما معارضين للنظام ، وجميع المعارضين يعرفون صلتهم بالمخابرات السورية ، ومن ثم رجوعهما الى حضن النظام).

من الرجوع الى قانون الانتخابات رقم 5 لعام 2014 والذي يرتكز عليه النظام السوري في مسرحية انتخاباته الرئاسية ولا سيما المادة 37 منه التي تنص على ما يلي: يدعو رئيس مجلس الشعب الى فتح باب الترشيح مجدداً وفق الشروط الاتية: 1-إذا لم يُقْبَل ترشيح أي مرشح من قبل المحكمة الدستورية العليا ضمن المدة القانونية المحددة. 2-إذا لم يُقْبَل ترشيح سوى مرشح واحد من قبل المحكمة الدستورية العليا ضمن المدة القانونية المحددة. 3-إذا توفي المرشح الذي تم قبول ترشيحه قبل فتح باب الاقتراع، ولم يبق سوى مرشح واحد لمنصب الرئاسة.

لنطبق هذه المادة على ما حدث اثناء تقديم طلبات الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية …. تسابق العشرات من السوريين لتقديم طلبات ترشيحهم، وكل السوريين يعرفون أن من تقدم هو الذي يريد تقديم ولاء أكثر لعائلة الأسد ،على فرض أنه لم تَزُجُ به فروع المخابرات لتقديم طلب ترشيحه .   تم تزكية ثلاثة أشخاص من قبل أعضاء مجلس الشعب السوري ، وهم بشار الأسد وعبد الله سلوم عبد الله  ومحمود المرعي…!

 وهنا نتساءل لماذا ثلاثة اشخاص وليس اثنين؟ ولماذا رافق بشار الأسد اثنين من المرشحين بمسرحيته الانتخابية؟ .  والجواب على ذلك يكمن في  نص المادة 37 المذكورة أعلاه ، والتي اوجبت بإعادة فتح باب الترشيح بحالات ثلاثة ، والتي منها الفقرة الثانية ، التي اوجبت ألا يكون هناك مرشح واحد فقط.

  أما الجواب على:” لماذا ثلاثة وليس اثنين “، فإنما يكمن في الفقرة 3 /37 التي عالجت حالة وفاة أحد المرشحين قبل فتح باب الاقتراع ولم يبق سوى مرشح واحد فقط.    وتلافياً لهذه الحالة، ولضعف إحتمال أن يتوفى المُرَشَحين المرافقين للأسد في المنافسة ، تم اختيار هذين الإثنين ، والذين هما أشبه بالتيوس المستعارة لإضفاء الشرعية القانونية “المحلية ” على انتخابات الأسد. بالرغم من أن طلب ترشيح محمود مرعي مخالف لقانون الإنتخاب إعمالاً لنص الفقرة 5 من المادة 30 منه، والتي أوجبت على المرشح أن يكون مقيما في الجمهورية العربية السورية مدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند الترشح. (وهو غادر القطر خلال سنوات الثورة السورية ولم يقيم في سورية إقامة دائمة خلال عشر سنوات قبل الترشح) وأعتقد أن القائمين على دراسة الطلبات في المحكمة الدستورية العليا وعلى رأسهم المحامي جهاد اللحام ، لم يفطنوا إلى هذه الناحية ، وإلا لاختاروا  تيساً آخر بدلاً عنه .  

أما الحالة الثانية والتي تتعلق بالمواطن الذي يقول (صوتي لا يقدم ولا يؤخر ….). هذه الحالة عالجتها المادة 79 من قانون الانتخابات والتي نصت على ما يلي: 1-ترفع اللجنة القضائية العليا نتائج الانتخابات الرئاسية إلى المحكمة الدستورية العليا   2- إذا تضمنت النتائج النهائية حصول أي مرشح على الاغلبية المطلقة من أصوات المقترعين عَّد المرشح فائزاً بمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية ويتم إعلانها من قبل رئيس مجلس الشعب  3- إذا تضمنت النتائج عدم حصول أي مرشح على الاغلبية المطلقة لأصوات المقترعين، يعلن رئيس المحكمة الدستورية العليا إعادة الانتخاب خلال أسبوعين بين المرشحين الاثنين اللذين حصلا على أكبر عدد من أصوات المقترعين الذين أدلوا بأصواتهم  4- يعُّد المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من أصوات المقترعين في انتخاب الإعادة فائزاً بمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية ويتم إعلان النتائج من قبل رئيس مجلس الشعب.

تحدثت هذه المادة عن الأغلبية المطلقة. والتي تعني العدد الكلي لأفراد الشعب السوري الذين يحق لهم ممارسة حق الاقتراع.

وفقاً للدراسة التي أعدها مركز جسور للدراسات عن التوزع السكاني في سورية، فقد بلغ عدد المواطنين المتواجدين في المناطق الخاضعة لسيطرت النظام تسعة ملايين واربعمائة ألف نسمة. ووفقا للدراسات التي نشرتها دوائر النظام فقد بلغ عدد طلاب المدارس بكافة فئاتهم ما يقارب الأربعة ملايين نسمة، وهؤلاء لم يبلغوا الثامنة عشر من العمر، وهناك ما يقارب النصف مليون طفل تحت سن التعليم الالزامي، وبالتالي فإن عدد السكان الباقين والذين يحق لهم الاقتراع ما يقارب الخمسة ملايين، بعد أن اعتبرنا أن كل هؤلاء يحق لهم الاقتراع وليس بينهم المحروم من حقه في الانتخاب، لجرم أو عاهة. أو هو في مناطق درعا التي رفضت إجراء الانتخابات في مناطقها، او بعضا من مناطق محافظة السويداء.

وفقا للإحصاءات التقريبية، فقد بلغ عدد سكان سورية ما يقارب الستة وعشرون مليوناً.  وبعد حسم عدد المواطنين المتواجدين في مناطق النظام، فالعدد الباقي هو ما يقارب الخمسة عشر مليون، متوزعين بين مناطق سيطرت قوات سورية الديمقراطية ، والمناطق التي تحت سيطرت الجيش الوطني الحر، وبقية الفصائل الأخرى، وفي دول الجوار وبقية دول العالم.   ولو أخذنا من هذا العدد مائة الف منتشرين في دول العالم موالين للنظام، وأخدنا منهم بحدود الأربعة ملايين والذين لا يحق لهم الانتخاب بين طفل وطالب، فسوف يتبقى لدينا ما يقارب التسعة ملايين يحق لهم الاقتراع وليس للنظام أي سيطره عليهم ،  وبالتالي ينتج لدينا ما يقارب الأربعة عشر مليون مواطن سوري يحق لهم الاقتراع.   وإذا طبقنا عليهم الفقرة الثالثة من المادة 79 من قانون الانتخابات، فيتوجب أن يحصل أحد المرشحين على نصف + 1 من عدد أصوات الذين يحق لهم الاقتراع ، وهو الرقم سبعة ملايين وأكثر، وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الانتخابات ستُعاد بين المُرَشَحين الذين نالا أكثر الأصوات …. الخ آخر ما جاء من أحكام هذه الفقرة.

العملية الحسابية هذه ، أوصلتنا لنتيجة أن الانتخابات في المرحلة الأولى لن تحقق النجاح، بسبب أن عدد المقترعين لا يصل الى نسبة النصف + واحد من عدد المقترعين الذين لا يتجاوز عددهم في مناطق النظام الخمسة ملايين. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن من يدلي بصوته ، فهو يعطي ضخ إعلامي للنظام بأن هناك خمسة ملايين سوري يؤيدون سياسة النظام ، وأن ذلك مخالف للحقيقة والواقع ، نظراً لأن كافة المؤشرات وعلى ضوء حال السوريين في مناطق سيطرت النظام ، والضائقة الاقتصادية الغير مسبوقة التي تمارس عليهم بحجج واهية  ، والوعود التي قطعها النظام عليهم  بتحسن حالهم بعد القضاء على الإرهاب ، وما قدمه الكثير منهم من دماء وارواح ذويهم لآلة الحرب التي استعملها النظام وحلفائه بمواجهة الشعب السوري للحفاظ على مقاليد الحكم في سورية ، ولاناقة لهم فيها ولاجَمَل .  كل تلك الأمور تُنْقِص من عدد المقترعين لأكثر من الثلاثة ارباع من عدد أصوات من يحق له الاقتراع في مناطق سيطرت النظام ،مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبية مناطق المصالحات لن يصوت فيها إلا القليل ،  وقد يصل الرقم الحقيقي للمقترعين الى مليون ونصف ” بعد الأخذ بعين الاعتبار عدد القوات المسلحة ورجال الشرطة ورجال الامن الذين يحق لهم ممارسة حق الاقتراع لمنصب رئاسة الجمهورية ” .  نخلص بنتيجة لهذه  الفقرة ،  أن الصوت الانتخابي له قيمة إعلامية فقط لدى النظام ، والذي لا يريد الوصول بالانتخابات الى المرحلة الثانية، وإنما يريد حسمها بأية طريقة كانت  في مرحلتها الأولى ، حتى لو قام بتزوير أصوات من هم في مناطق المعارضة والإدلاء بها في صناديق اقتراعه.   وننوه أن هذه الانتخابات تخالف الشرعية الدولية وقرار مجلس الامن الدولي رقم 2254 الذي أكد على إجراء الانتخابات الرئاسية بعد انشاء هيئة حكم انتقالي لسورية وإعداد دستور جديد وعلى ضوئه تتم الانتخابات النزيهة لمنصب رئاسة الجمهورية من غالبية أفراد الشعب السوري دون إقصاء لأحد، مثلما يتم الآن إقصاء غالبية الشعب السوري من ممارسة حقه الانتخابي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى