مقالات

حول نتائج ما جرى في فلسطين

طعان خليل

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

لم يكن مطروحًا مطلقا عند أي طرف تحرير فلسطين كلها أو حتى أي جزء منها في المعركة الأخيرة في فلسطين بين المسلمين والكيان الغاصب إلا في أذهان من سرح خيالهم بعيدًا في الآمال عندما رأوا هشاشة ذلك الكيان وجبن ساكنيه؛ ولذلك فإنّ الجزء الأكبر من الناس كان يتمحور فرحهم حول رؤية المحتلين مرعوبين غير قادرين على حماية أنفسهم من صواريخ تشبه إلى حدّ كبير الأسلحة البدائية قياسًا بما يمتلكه الكيان المحتل من أسلحة وإمكانات هائلة، فطموح تحرير فلسطين يتخطى قدرات حماس والجهاد وغيرهما من قوى بل ويتخطى قدرات أهل فلسطين.

إذن لماذا الفرح؟

 لقد بذل أعداء الإسلام والمسلمين من الدول الغربية جهودا عظيمة لمحو فكرة تحرير فلسطين من أذهان المسلمين، بتضليل سياسي وإعلامي وفكري وبهزائم صنعتها الدول العربية أمام الكيان الغاصب وباعتراف منظمة التحرير بشرعية ذلك الكيان على معظم أرض فلسطين، وأيضًا في تلك المسارعة في إقامة علاقات معه من قبل الدول العربية ،وفي ذلك التطبيع المذل والمهين، حتى عاشت الجماهير حالة من الإحباط واليأس من أية إمكانية لمواجهة ذلك الكيان، هذا فضلاً عن القيام بتحرير فلسطين، وبخاصة وأن تجربة حزب الله حاضرة في الأذهان، فهو عندما وجه لطمة لجيش ذلك الكيان من الناحية العسكرية في حرب تموز، انتهى الأمر باتفاق سياسي مذل حفظ أمن الكيان المحتل على مدار 15 عامًا “حتى الآن”.. في ظل كل تلك الأجواء جاءت الحرب الأخيرة لتحيي آمال المسلمين بشكل عام وأهل فلسطين بشكل خاص بإمكانية النصر والتحرير بعد ما رأوا حجم الإرباك الذي وقع فيه قادة الكيان الغاصب نتيجة مواجهة مع قلة قليلة لا تكاد تُذْكَر أمام حجم إمكانات الأمة الإسلامية، فاعتبر كثير من الناس أن ما جرى كان نصرًا، ليس هو النصر الذي حرر أرضا أو أعاد حقًا إنما النصر كان في ذلك الصمود والثبات والتضحية وتوجيه لطمة قوية للكيان المحتل جدد آمال المسلمين بحقيقة قدراتهم وحقيقة هشاشة ذلك الكيان…

هذا الفرح بالذي حصل ليس مستهجنًا، بل هو طبيعي وهو عبّر عما يختلج في عقول ونفوس أبناء المسلمين، وهنا أريد التذكير بالأمور التالية ليكون البناء على ما تحقق من إيجابيات ولا تذهب التضحيات والبطولات سدى، وحتى لا تنتكس الجماهير في وعيها وفي شعورها:

أولا: إن الكيان المحتل لفلسطين يقع في قلب العالم الإسلامي، أي هو محاط بالمسلمين من كل جانب، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يحتل أرضا مباركة لها قدسية لدى المسلمين بحسب نظرة الإسلام، فكيف لهذا الكيان أن يعيش لغاية الآن مدة تزيد عن 73 عاما مع أنه مرفوض من المسلمين؟ الجواب واضح وهو أن ذلك لم يكن ليحصل لولا خيانة حكام المسلمين القابضين على زمام طاقات المسلمين وإمكاناتهم فيسخرونها لحماية أمن ذلك الكيان الغاصب بدل القضاء عليه، بل وإنهم يمنعون أي حركة منتجة تقوم بمقاتلة ذلك الكيان إلا بالقدر الذي يخدم سياساتهم وسياسات أسيادهم من الدول الغربية، ولذلك فإنه يجب على كل جاد في السير لتحرير فلسطين أن يعمل على إسقاط الأنظمة التي تمنع تحرير فلسطين..

ثانيا: إن ما جرى في المعركة الأخيرة أثبت أن أمتنا معطاءة وكريمة ومضحية وفيها من البطولات الكثير الكثير وهي قادرة على إزالة الكيان الغاصب من الوجود متى انتظمت صفوفها وطاقاتها في ظل دولة تقوم على تطبيق الإسلام، وهي دولة الخلافة الراشدة بكل تأكيد، فأهل غزة لا يزيدون عن المليونين وبإمكانات لا تساوي شيئا أمام إمكانات الأمة الإسلامية، فإذا كان أهل غزة أقضوا مضاجع الكيان الغاصب مرات ومرات بإمكانات هزيلة فكيف هو الحال إن واجه هذا الكيان دولة تسير الجيوش التي سيكون أولها عند حدود فلسطين وآخرها يصعب تقدير أين سيكون؟!

ثالثا: أثبتت الأحداث أن أمتنا تتوق لتحرير فلسطين، وأنها ضد سياسات التنازل والتطبيع مع الكيان الغاصب وهو أمر غاية في الأهمية، فبالرغم من سياسة التضليل بما يتعلق بقضية فلسطين فالأمة لا تزال تعتبر فلسطين أرضا إسلامية محتلة يجب تحريرها، وهذا يعني أن الأمة ليست بحاجة لإقناعها بوجوب تحرير فلسطين، بل الحاجة متعلقة بمعرفة ما الذي يجب فعله لانتظام الأمة ومقدراتها في كيان سياسي واحد يقوم بتحرير فلسطين.

رابعا: يتخوف كثير من المسلمين من أن تنقلب إنجازات المعركة الأخيرة فتتحول إلى خسارة سياسية، ومن أن تضيع دماء أهل فلسطين وتضحياتهم سدى بل يتخوفون من أن تكون تلك التضحيات أداة في تنفيذ سياسات تؤدي إلى تثبيت الكيان الغاصب سواء من خلال اتفاق أمني يحفظ أمن الكيان لمدة طويلة أو من خلال اتفاق سياسي يؤدي إلى الاعتراف بالكيان أو الاقرار بشرعية دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين تتضمن الاعتراف بالكيان الغاصب وتسخر الطاقات لحمايته.

ولنكون نزيهين علينا الاعتراف بأن التخوف من كل ذلك مشروع وهو مبرر، وبخاصة أن التجارب الماضية علمتنا أن كثيرا من الانتصارات العسكرية انتهت بهزائم سياسية، إما بسبب ارتباط الفصائل التي خاضت المعارك المسلحة أو بسبب فقدان الوعي السياسي.. وما زاد من تخوف هؤلاء هو علاقة حركة حماس بقطر وبإيران وبمصر وبغيرها من دول، وهي دول ليس على أجندتها تحرير فلسطين، بل لا يوجد في سياساتها إلا كل تآمر على فلسطين وأهلها بل وعلى المسلمين بشكل عام وبلادهم، وهنا لا بد من التأكيد على أن هذا التخوف من التفريط بالبطولات والتضحيات لا يصح أن يعمي بصائرنا عما أُنْجِز، بل يجب أن يدفعنا ذلك إلى التأكيد على أن القيادات السياسية للفصائل في غزة وغيرها لا يجوز لها السير في تنفيذ أجندات الدول التي تعمل على تصفية قضية فلسطين، ولا يجوز لها الاعتراف بالكيان الغاصب وبإقامة علاقات معه، وأن التضحيات التي قُدِّمت باسم تلك الفصائل لا يعطيها الحق في أن تفعل ما تشاء من الناحية السياسية، بل يجب عليها مما يجب على سائر المسلمين المحافظة على جعل القضية حية وإبقاء جذوة الصراع مع كيان يهود موجودة.. ولئن كنا لا نلوم تلك الفصائل على عجزها عن تحرير فلسطين فإن اللوم كل اللوم يقع عليها إن هي قبلت بالتنازل عن أي جزء منها مهما قل، فحينها تكون ارتكبت جريمة الخيانة والتفريط بحق المسلمين في فلسطين وارتكبت جريمة أخرى بالقيام بما يؤدي إلى دب اليأس في نفوس الناس من أية إمكانية لتحرير فلسطين بعد كل تلك الآمال التي وجدت بعد المعركة الأخيرة.

وأيضا فلتحذر تلك الفصائل، ومن أجل نيل رضى الدول التي تدعمها، أن تقوم بتبرئة تلك الدول من تحمل مسؤولياتها في العمل لتحرير فلسطين، وشكرها على أشياء فارغة لا قيمة لها، وبخاصة قطر التي لديها علاقات وطيدة مع كيان يهود، أو مصر التي يشتغل حكامها سماسرة لدى أمريكا وكيان يهود، أو إيران التي تستمر في المتاجرة بفلسطين وأهلها.

المهم في الأمر الآن التركيز على ما هو مفيد والابتعاد عن الحسابات الشخصية أو الحزبية في تقييم ما جرى، وفهم الأشياء الإيجابية التي تحققت ومن ثم البناء عليها، وأيضا التحذير من الأمور السلبية التي قد تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل المعركة الأخيرة!

كما يجب على الفصائل أن ترفض حصر قضية فلسطين وتحرير الأرض المباركة بأهل فلسطين وفصلها عن الأمة، فالإسلام الذي تعتنقه الأمة الإسلامية هو الذي جعل قضية تحرير فلسطين قضية للأمة وليس قضية شعب في حدود معينة، فليكن الرفض لما خطط له أعداء الإسلام والمسلمين من حصر القضية بأهل فلسطين وحدهم ولتكن النظرة إلى القضية نظرة من زاوية الإسلام، أي أنها أرض إسلامية حصل احتلالها من قبل الكفار فوجب على الأمة الإسلامية القيام بواجب تحريرها.

قال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. بارك الله فيك.
    وجزاك الله خير الجزاء.
    وضعت يدك على جرح الأمه القديم الجديد..
    نسأل الله تعالى أن يريحنا من هؤلاء الظلام باهون الأسباب وأبسطها..

  2. جزاكم الله خير الجزاء
    اعطيتم حلا جزئي للقضية وماذا يجب على الفصائل أن تفعل
    ولكن ما هي الطريق لتحرير فلسطين وكيف..؟؟؟

    1. الله يكرمك ويبارك فيك اخي الكريم.. الحل من حيث الخط العريض مذكور في المقال.. ولكن إن كان في ذهنك أمر كان يجب ذكره وغفلتُ عنه فذكرني به مع الشكر..
      وتقبل تحياتي

  3. تم ايجاد حركات ” وطنية ” لتتحدث باسم الفلسطينيين .
    لذلك فان مجرد وجود هذه الحركات هو عمل خياني .
    ان قبول الامم المتحدة والحكام لتمثيل هؤلاء لاهل فلسطين هو اول لبنة في كيان الخيانة .
    ان وجودها يعفي حكام المسلمين من مسؤولياتهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى