تحقيقات

مؤسسة راند والسياسة الأمريكية

صالح موسى الحمزة

محام وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

تشكل التقارير السنوية المقدمة من مؤسسة راند حجر الزاوية في السياسة الأمريكية .
الغرب عموما يعتمد في سياساته الداخلية والخارجية على الدراسات المقدمة من المؤسسات البحثية .
تتحرك مؤسسة راند للبحث والتطوير بميزانية سنوية تقدر ١٥٠ مليون دولار .
ولعل وجود اسماء مثل (رامس فيلد) وزير الدفاع الامريكي السابق كعضو مجلس إدارة في مؤسسة راند و ( غوندليزا رايس ) وزيرة الخارجية الأمريكيةالسابقة كعضو مجلس أمناء في هذه المؤسسة يبين لنا مدى حجم وخطورة هذه المؤسسة .
الخطورة في تقارير راند أنها تشكل المرجع الأساسي في توجيه صناع القرار الأمريكي، خاصة مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية، فيكفي الإشارة إلى أن ( بول بريمر ) الحاكم الأميركي المدني السابق في العراق قد ذكر صراحة في مذكراته عن غزو العراق  أنه ما إن وطئت قدماه أرض العراق وبدأ يسأل عن كيفية إدارة هذه الدولة، كان تقرير مؤسسة راند الاستراتيجي عن أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق أول ما وضعه ( جيم دوبنز Jim Dobbins) بين يديه .

تعود نشأة مؤسسة راند إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا عام 1948، حيث تأسست بإشراف سلاح الجو الأمريكي تحت اسم معهد راند “RAND Institute” على غرار بيت الخبرة البريطاني “Think Tank”، وظل سلاح الجو الأمريكي يرعى المعهد الذي ساهم في حل كثير من المشكلات التي تعترض صناع القرار في القوات الجوية. وبعد النجاح الذي أدى به المعهد دوره في خدمة صناع القرار في سلاح الجو الأمريكي ارتأت الإدارة الأمريكية توسيع نشاطه ليشمل فروع القوات المسلحة كافة ومن ثم أجهزة الدولة كلها فتحول ليحمل اسم مؤسسة راند ” RAND Corporation” منظمةً بحثية غير ربحية تهدف إلى تطوير السياسات وآليات صنع القرار، وما زالت المؤسسة تتلقى دعمها المالي من الحكومة والتبرعات، وذات تأثير نافذ في السياسات الأمريكية، والأوربية وتقدم خدماتها لكل من القطاعين العام والخاص .

لدى مؤسسة راند 1700 موظف. ومراكزها الأمريكية تتوزع في سانتا مونيكا، كاليفورينا (المقر)؛ آرلينجتون، فرجينيا؛ بيتسبورغ، بنسلفانيا وبوسطن، ماساشوستس. ومعهد ( سياسة الدول الخليجية ) في راند له مكاتب في نيو أورلينز، لويزيانا وجاكسون، ميسيسيبي. أما راند أوروبا فلها مراكز في كامبريدج، المملكة المتحدة وبروكسل، بلجيكا .

الجدير ذكره أن 32 حاصلاً على جائزة نوبل، خصوصاً في الاقتصاد والفيزياء، كان لهم علاقة أو ارتباط على نحو ما بمؤسسة راند خلال تاريخهم المهني .
من المشاركين المشهورين في مؤسسة راند:
الجنرال هنري آرنولد Henry H. “Hap” Arnold: من القوات الجوية الأمريكية .

كينث آرو Kenneth Arrow: عالم اقتصاد من أصل روماني يهودي وفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، قام بتطوير نظرية الاستحالة impossibility theorem في نظرية الاختيار الاجتماعي social choice theory.

برنو أوغنستاين Bruno Augenstein: عالم طبيعة ورياضيات و فضاء.
روبرت أومان Robert Aumann: من أصل يهودي ألماني، عالم رياضة، منظر لنظرية اللعبة game theorist، فائز بجائزة نوبل في الاقتصاد.

بول أوستين J. Paul Austin: رئيس مجلس إدارة مؤسسة راند ما بين 1972 – 1981م.

بول باران Paul Baran: يهودي يعود أصله الى روسيا البيضاء، واحد من مطوري نقل حزم البيانات packet switching والتي تم استخدامها في أربانتArpanet  والشبكات اللاحقة مثل الانترنت.

ريتشارد بلمان Richard Bellman: يهودي أمريكي، عالم رياضة مشهور بعمله في البرمجة الديناميكية dynamic programming.

باري بويهم Barry Boehm: عمل في رسومات الكومبيوتر التفاعلية مع مؤسسة راند في ستينات القرن العشرين وساعد في تعريف الاربانت في مراحلها الأولى.

هارولد برودي Harold L. Brode: عالم طبيعة، وخبير قيادي في تأثيرات الاسلحة النووية.

برنار برودي Bernard Brodie: يهودي من أصل روسي، واستراتيجي عسكري ومصمم نووي.

صمويل كوهين Samuel Cohen: من أصل يهودي نمساوي، ومخترع القنبلة النيوترونية neutron bombعام 1958م .

ولتر كانينغهتم Walter Cunningham: رائد فضاء.

جورج دانتزيغ George Dantzig: عالم رياضة، ومخترع طريقة التبسيط simplex algorithm للبرمجة الخطيةlinear programming.

ليندا دارلينغ هاموند Linda Darling-Hammond: مديرو مشاركة ، شبكة إعادة تصميم المدارس School Redesign Network.

ستيفن دولي Stephen H. Dole: ورئيس مجموعة راند للهندسة البشرية Human
Engineering

دونالد ويلس دوغلاس Donald Wills Douglas, Sr.: رئيس شركة دوغلاس للطيران ومؤسس راند.

هيوبرت دريفوس Hubert Dreyfus: يهودي أمريكي، وفيلسوف وناقد للذكاء الصناعي.

دانيال السبرغ Daniel Ellsberg: من أصل يهودي أشكنازي، عالم اقتصاد وهو الذي قام بتسريب أوراق البنتاغون Pentagon Papers

فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama: مؤلف كتاب نهاية التاريخ والانسان الأخير The End of History and the Last MaMaMa

هوراس روان غايثرHorace Rowan Gaither:  رئيس مجلس الإدارة في الفترات 1949-1950م، 1960-1961م؛ مشهور بتقرير غايثر Gaither Report.

ديفيد غالولا David Galula: يهودي تونسي فرنسي، كان له دور مؤثر في تطوير نظرية وتطبيق حرب مكافحة التمرد .

وفقا للتقرير السنوي للمؤسسة عام ٢٠٠٥ حوالي نصف ابحاث مؤسسة راند تتضمن قضايا ذات علاقة بالأمن القومي الأمريكي ولها دراسات بالغة السرية لصالح الوكالات العسكرية الاستخباراتية .
ولعل من أكثر هذه التقارير التي اثارت جدلا في الأوساط العربية والإسلامية هو تقرير “الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات” “Civil Democratic Islam: Partners, Resources, and Strategies عام 2005 للباحثة شيريل بينارد ( Cheryl Benard)‏ مؤلفة يهودية أمريكية من اصل نمساوي، وهي أيضا رئيسة منظمة راند وزوجة زلماي خليل زادة (دبلوماسي امريكي من اصل افغاني عمل سفيرا للولايات المتحدة الامريكية في افغانستان بعد الغزو مباشرة وسفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في العراق )
هذالتقرير الذي عَدَّ الإسلام حائطا منيعا أمام محاولات التغيير، وقام بتصنيف المسلمين إلى أربع فئات:

أصوليين ، تقليديين، حداثيين، علمانيين.

ووجه التقرير الإدارة الأمريكية إلى كيفية التعامل مع كل فئة؛ فالأصوليين يجب استئصال شأفتهم، والتقليديين يجب دعمهم ليشككوا بمبادئ الأصوليين، ومن ثم يجب دعم الشيعة والصوفية، كما يجب دعم ما أسمتهم بالمسلمين الحداثيين والعلمانيين .
هذا التقرير يحتاج الى دراسة مفصلة لما فيه من أمور خطيرة بدأنا نرى آثارها جلية على الأمة الاسلامية وتم تطبيق توصيات شيريل بينارد كسياسة امريكية ممنهجة ومتبعة ضد الاسلام والمسلمين .
أما التقرير الأخطر الذي قدمته مؤسسة راند فكان بعنوان ” بناء شبكات مسلمة معتدلة” ” Building Moderate Muslim Networks
، الصادر عام 2007 وأثار ضجة حينها وكان يهدف إلى رسم خطة متكاملة للسياسة الأمريكية في العالم أجمع وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وقد قدم تعريفا أمريكيا خالصا لمفهوم الاعتدال، فالمسلم المعتدل هو من يرفض الشريعة، ويؤمن بالعلمانية!

وفي عام 2008 صدر كتاب لراند بعنوان “صعود الإسلام السياسي في تركيا” “The Rise of Political
Islam in Turkey ، ويصف الكتاب المشهد السياسي والديني في تركيا، والعلاقة بين الدين والدولة، وكيف تقيم الدولة التوازن بين القوى العلمانية والدينية ،وبين النخب الكمالية والفئات الاجتماعية الجديدة الناشئة . ويقدم أيضا تعريفا بالتحديات والفرص الجديدة للسياسة الأمريكية في تغيير البيئة السياسية التركية، ويحدد الإجراءات التي ينبغي على الولايات المتحدة اتخاذها للحفاظ على تركيا مستقرة وديمقراطية، وصديقة.

وفي السياق نفسه قدمت راند عام 2009 كتابا بعنوان “الإسلام الراديكالي في شرق أفريقيا” ” Radical Islam in East Africa”.

يتهم بعض المراقبين راند بعلاقاتها القوية مع شركات تصنيع الأسلحة وأجهزة الاستخبارات والتي جعلتها تضطلع بمهمة تحفيز القادة الأمريكيين لما أسمته بالحروب الاستباقية التي شهدناها في أفغانستان والعراق، وراجت على إثرها مبيعات الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، مما أثار تساؤلات عديدة حول دور المؤسسة في الدفع بالإدارة الأمريكية لخوض حروب لا مبرر لها.

وأخيراً:
للمهتمين بالوضع السياسي العالمي وفهم السياسة الأمريكية و الأوربية والتنبؤات المستقبلية للاحداث ( واختصارا للجهد والوقت ) ما عليهم سوى الدخول إلى موقع راند للأبحاث ومتابعة نتائج الدراسات البحثية في كل المجالات .
والموقع يقدم دراساته مجانا وبخمسين لغة منها اللغة العربية .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى