مقالات

حكّام مأسورة وشعوب مقهورة!

د. حسين محمد الكعود

دكتوراه في العقيدة الإسلامية
عرض مقالات الكاتب

ما زالت القدس في يد غاصبة، تريد نزع هويته، وتغيير معالمه، وسلخه عن تاريخه المجيد، ينتظر جيلاً يصلح دينه، وتصدق عقيدته، بمدارس الإسلام، ومنابر الإيمان، لتنهض اليد المشلولة من عجز واهم، لتبني للأمة العز الحالم، وتعود للأقصى حياته الحقيقية.

حقيقةً إنَّ زوالَ إسرائيل قد يسبقُه زوالُ أنظمةٍ عربيّة عاشت تضحكُ على شعوبها، وكنّا شخصياً نتوقّعُ أنّ ذلك مصيرُ هذا الكيان الذي نتحدّثُ عنه، لكنّ تطوّرَ الأحداث في السنوات القليلة الماضية يجعلنا نظنّ أنّ زوالَه إمّا أن يسبق زوالَ “إسرائيل” أو ربّما سيكون نتيجةً له! يبقى أنّه حين زوالهما سيعجبُ المخدوعون من مبلغ سذاجتهم إذ لم ينتبهوا لكلّ الدلائل التي كانت تدلّ على حقيقة ذلك الكيان مع وضوحها وضوحَ الشّمس في رابعة النّهار!

لم يكن للعدو محط قدمٍ في ديار الإسلام لولا ثغرات فتحت من أولئك الأسافل الذين عدموا الأخلاق، شذاذ الآفاق، مخنثي الرجولة، معدومي الضمير، المتنكرون لليد البيضاء من جسد الإسلام، منافقون مردوا على النفاق، ساغت لقمة الحرام في حلوقهم، واستمرأت بطونهم ناراً لينبت جسداً من سحت.

إنهم الخونة من كانوا أين كانوا، مهما لبسوا من لباس الشرف، وغمغموا على العباد بمظاهر الترف، فإن سوآتهم مفضوحة، وعوراتهم مكشوفة، ولن تغني دنياهم الفانية الزائلة عنهم رد العذاب، ولن تلحق حلاقيمهم سوغ المتاب، ولن تتجرأ أسماعهم سمع العتاب.

لقد ضلوا من حيث إنهم ظنوا، ولقد زاغت قلوبهم في دعوى الهداية، وافتضحت دعوتهم بقشر الغواية، فلا شبابهم أسعفهم للبقاء، ولا شيخوختهم أرشدت للعود واللقاء، بل ذهبت عليهم أعمالهم حسرات، وليتهم يخرجون من النار.

سيتحرر الأقصى بإذن الله تعالى، وسيتحقق موعود الجليل ببعثة عباد الله، يجوسون خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً.

ستزول إسرائيل الكبرى، ويلحقها ابنتها الصغرى، تنوح على يوم حطت أقدامهم أرض الإسلام، يتنكبون الصراط بعيداً عن السلام، وزوال الدنيا أهون على الله من أن يحقق وعده للمؤمنين.

ستشرق شمس الإسلام في مشارقها ومغاربها، وسيندحر ظلام الكفر في جحره، ويبزغ فجر الفرج من كهفه، إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى.

إن تحرير القدس لا يفيده نوح ثكلى ولا قصيدة تتلى، تحرير القدس له جيل مقدس، صالح دينه، ثابت يقينه، جازم قراره، حازم قوله، مسلط سيفه، مستنير فكره، عالم بوقته، متبصر بعدوه، مطلع على مكائده، حذر حذق، ليس بالخب ولا الخب يخدعه، يحمل روحه على راحته، لا تهمه أحزاب تحالفت، ولا حكومات تخاذلت، ولا عباءات تنازلت، يعلم من معين المعرفة الشرعية، أن تحرير الأقصى قرارٌ إسلاميٌ بحت، تصوغه علماء الأمة العاملين، وتنفذه جحافل المؤمنين المقتدين، بهدي سيدنا محمد ﷺ رسول رب العالمين، تقولها قولاً واحداً لا يقبل الجدل، وحكماً فصلاً لا يقبل النقض، وقضاء مبرماً لا يعارضه أحد.

على جموع المسلمين في العالم الإسلامي إعداد العدة لتحرير القدس السليب فرضاً لازماً وحتماً واجباً أبداً، تحمل رايته سواعد الشباب، وتسوس قيادته حكمة الرجال، وكل غالٍ في سبيله رخيص، حتى يأذن الله بنصره، عطية من عنده جزاءً للصابرين.
أيها الشباب المسلم الغيور، إن أثواب المجد تعلقت تنتظر لابسيها، وإن الجنان قد تزينت تنتظر أهلها، وإن الحرائر تنتظر الراية العليا لتزغرد أهزوجة النصر فوق جبل عامل في فلسطين، ويسمع تكبير الأذان في كل زاوية من أرض الله المقدسة، والقلوب مشتاقة لذلك المشهد العظيم، لتسوح على الخد لآلئ الفرح بنصر الله، وينتشر عبق الشهيد في الأرجاء، وتصدح الحناجر في الأرجاء، قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾ {الفتح:1}.

فلا تخيفكم أساطيل الباطل مهما كبرت، ولا يقعدنكم ضعف إمكاناتكم عن أداء الواجب، فإن الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا المحال، بل طلب بذل الوسع في الإعداد، ثم تتوالى من الله عطايا الإمداد، ليصغر كبر الباطل أمام كبرياء الحق، وتزول دولة الكفر أمام دولة الإيمان، وإن موعد زوال إسرائيل قد حان، فتجهزوا يا رجال.

لقد نصب للإسلام منبر بين الخافقين، وصخت الأسماع نفخة الصور بالحق، وخفقت راية العز تلوح في الأفق، لصاحبها قد توحدت كل الرايات، وبايع القوم كلهم لتزول كل الغايات، وتصبح راية الحق عالية في سماء فلسطين، ويقتل الدجال بحربة اليقظة المحمدية، لتصدر محكمة العدل حكمها على الظالمين، تقول قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ {الإسراء:81}.

ليعرف الباطل حقيقته، ويحكم عليه قوله: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ {سبأ:49}. ولتصدِّق تلك الطائفة نبوءة رسول الله ﷺ عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:{لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ}.

يقول هارون هاشم رشيد:

الْمَسْجِدُ الأَقْصَى يُبَاحُ وَيُهْدَمُ وَالْعَالَمُ الْعَرَبِيُّ غَافٍ يَحْلُمُ
المسجدُ الأقصى يَدُورُ بِسَاحِه الآثِمُونَ الْغَادِرُونَ ويُظْلَمُ
المسجدُ الأقصى على أَفْوَاهِنا نَغَمٌ نُرَدِّدُهُ وشِعْرٌ يُنْظَمُ
وَقَصَائِدٌ رَنَّانَةٌ نَهْذِي بها وَتَلفُّتٌ وَتَحَسُّرٌ وَتَأَلُّمُ
وعن “آهات القدس”، كتب الشاعر شادي المناصرة:
آهـات صـدر الـقـدس يـا أمــم عن وصفهـا قد يعجـز القلـم
صـرخات قدسي قـد تعالـت لوعـة دوت لتسمـع من بـه صمـم
القدس قـد جرحـت وأدم جرحهـا هيهـات أن الجـرح يلتلـئـم

طويلة يد الإجرام في بلدي هدمت المساجد والمآذن، آثمة تلك الجحافل دمرت كل البيوت، في دمشق الفيحاء وحلب الشهباء وكل شبر في أرض الشام دنست برجسهم تنتظر يوم الزحف الأكبر والله المستعان سبحانه.

إن ما يجري اليوم من أحداث دامية في أكناف المسجد الأقصى وثبات اسطوري إيماني من شباب فلسطين الشام، فلسطين الأحرار، الذين اتخذوا قرارهم في الدفاع عن حرمة بيت المقدس من شريعة نبيهم وهدي رسولهم ونهج الصالحين من خلفائهم، ليبشر بخير قريب مهما بلغت منا الجراح النازقة، ومهما ارتقت من شباب الإسلام أرواح نحو عليائها، تقول للحكام الذين حكموا ديار الإسلام عربهم وعجمهم، موتوا بأثواب ذلكم، وليسجل التاريخ تخاذلكم وسقاطتكم، يا من فقدتم معاني الرجولة ولبستم قيد الهوان،
فنحن اتخذنا قرارنا أن نموت وقوفاً على أعتاب أولى القبلتين وثالث الحرمين، مسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
لن نبقى صامتين، سنثور بالملايين،
قادمون قادمون.

سيندحر الظلم ويزول الظالمين، بعز عزيز أو بذل ذليل، وإن غداً لناظره قريب.
ونحن في الثورة السورية نقول:
جرحكم إخوتنا جرحنا، ومابكم من قرح هو بنا نتجرعه كل يوم منذ سنين طويلة ولن نقيل ولن نستقيل حتى تتحرر شامنا وقدسنا، وندعوا لنا ولهم:
اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. بارك الله بك دكتور حسين وبوركت كلمات خطتها أفكارك وقناعاتك … كلنا ثقة بأن الحق لابد وأن يعود لأهله .. وأنه لكل ظالم نهاية…. نهجك النهضوي للهمم في الكتابة أمر تتفرد به … وعرفت همتك عن قرب لهي تعانق القمم .. بوركت دكتور

  2. زادك الله من فضله كلام من قلب الواقع .الله يحفظك ا.د.حسين الكعود ابومحمد.ونفع بك الإسلام والمسلمين…

  3. زاد كم الله من فضله ا.د.حسين الكعود ابو محمد..كلام من قلب الواقع
    حفظكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين

اترك رداً على زكرياالعلي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى