بحوث ودراسات

المربط الصفوي مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية 20

أكرم حجازي

كاتب وباحث أكاديمي
عرض مقالات الكاتب

المبحث السادس

الغطاء الأمريكي والرعب اليهودي

    نظرية « الصالح العام»؛ هي نظرية ميكيافيلية بامتياز. وهي التطبيق الحرفي لمبدأ « الغاية تبرر الوسيلة». فمن أجل الصالح العام يمكن التعامل مع العدو والحليف بنفس القدر إذا كانت المصالح العامة تتطلب ذلك. لذا فمن غير المنطقي أن يطيح الغرب بشاه إيران الذي يؤمن بالتغريب قدر إيمان أتاتورك به، ويقدم النفط للشركات الغربية أكثر مما تقدمه أية دولة، ويجعل من بلاده مقرا أمنيا وعسكريا للولايات المتحدة و « الناتو» والصناعات العسكرية وصيانة الطائرات، وبابا مفتوحا لـ «إسرائيل»، بل ويربط ماضي فارس، عرقيا، بحاضرها ومستقبلها، في قطيعة تامة مع الإسلام[1]. فما الذي قصر به الشاه حتى يطاح به بشكل مهين وسريع، حتى غدا متشردا لا يجد دولة تؤويه! ثم يؤتى برجل دين برعاية أمنية دولية، وحشد إعلامي دولي لا نظير له حتى ذلك الحين!!!؟ بل ويقيم دولة تحكمها طبقة الكهنوت « الإمامية»، والأدهى أن تعلن أن أمريكا هي « الشيطان الأكبر» وتنادي بـ« الموت لأمريكا»!!!

     إذا لم يكن هذا منطقيا؛ فهل من المنطقي القول، وضمن نظرية « الصالح العام»، أن إيران الرافضية أجدى، على المدى الطويل، في تحقيق مصالح الغرب والنظام الدولي من إيران الغربية؟ ربما. إذ أن إيران الرافضية، وطبقا لوقائع التاريخ، كانت وستظل أشد خطرا على الإسلام والمسلمين والدولة الإسلامية. وبالتالي فإن اختراقها للعمق الإسلامي سيكون أسهل من أية قوة أخرى مكشوفة عقديا كـ «إسرائيل» مثلا. صحيح أن مفهوم التغريب وأدواته ظل أحد الوسائل المتبعة في اختراق الثقافة وتخريب المجتمعات الإسلامية. لكن هذا إلى حين، كما هو الحال اليوم في تركيا مثلا. وكي لا تبقى تركيا على هامش القارات سياسيا، وخارج الإسلام عقديا، وثقافة بلا هوية واقعيا، كان على تركيا، وفق نظرية « العمق الإستراتيجي» أن تصفي مشكلاتها أولا، ثم تتصالح مع العالم الإسلامي ثانية كي تكون في « المركز»[2] ثانيا. هكذا يمكن لتركيا أن تتجه نحو استعادة التاريخ والهوية والثقافة الإسلامية والمكانة. أما إيران؛ فسواء كانت غربية الثقافة أو إمامية العقيدة فإن خطرها يكمن في شخصيتها القومية التاريخية، وحمولتها العنصرية الثقيلة، وثاراتها مع العروبة والإسلام، أكثر مما يكمن فيما تختار من نمط حياة أو نظام سياسي لا مثيل له في عالم من المفترض أن الوضعية تهيمن عليه. وحتى لو نافست الغرب على النفوذ والتمرد عليه، كما حاول الشاه أن يفعل ذلك في عهده[3]، فهي لم يسبق لها أن شكلت خطرا وجوديا عليه، لا من حيث الثقافة ولا من حيث المعتقد.

أولا: الغطاء الأمريكي

   في دولة رأسمالية تقوم فلسفتها على السوق، حيث يمكن تسليع أي أمر أو شيء؛ وحيث مبدأ الكسب والخسارة هو معيار النجاح والفشل، يبدو كل شيء ممكنا، بما في ذلك العلاقة مع إيران « الإمامية»، المؤمنة بـ « الولاية»، والكاظمة لغيظ فارس « المجوسية». فما من سبب يمنع قيام تحالفات إستراتيجية بين الجانبين، لاسيما أن البراغماتية، وكل المشتركات المصيرية بين الولايات المتحدة وإيران وحتى «إسرائيل»، متوفرة لديهم تاريخيا وموضوعيا ومستقبليا. بالإضافة لما ذكره تريتا بارزي في « التحالف الغادر» عن مقترح إيراني بعد غزو العراق سنة 2003 لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة و «إسرائيل»، كشف النائب الألماني السابق د. يورغن تودنهوفر، في مقالة له نشرت في 6/10/2013، في ثلاثة صحف ألمانية هي: « berliner-zeitung» و«Frankfurter Rundschau» و«Kölner_Stadt-Anzeiger»[4]، عن مشروع تقاسم نفوذ بين الولايات المتحدة وإيران، كان الكاتب فيه وسيطا بين الجانبين، لتقديم العرض إلى الإدارة الأمريكية في 26/4/2010. ويقول الكاتب بأن الورقة الإيرانية نصت على أن « إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة، وأنها طلبت أن تكون المفاوضات مع الأمريكيين (1) ندِّية، و (3) على أعلى مستوى، و (3) بعيدا عن الصخب الإعلامي الأمريكي، وأن (4) يكون وزير العدل الألماني، ولفغانغ شويبيليه، وسيطا لترتيب هذه المفاوضات». وفي ذلك الحين لم تنف إيران ما ورد في مقالة تودنهوفر. أما جوهر المشروع، فينص على:

1)        « تقديم إيران ضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم صنع القنبلة النووية، من بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من نسبة 20% المخصصة للأغراض الطبية.

2)        الاستعداد للوصول إلى اتفاق مرض مع أمريكا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.

3)        استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد الحلول للصراع في أفغانستان والعراق.

4)        الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة الإرهاب العالمي بأفكار وإجراءات ملموسة».

    من وحي البنود الأربعة، وعشية تشكيل التحالف الدولي ضد « الدولة الإسلامية»، كشفت صحيفة « وول ستريت جورنال» الأمريكية عن « رسالة سرية[5] بعث الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، الشهر الماضي، يؤكد فيها المصالح المشتركة بين البلدين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية». وأن: « الخطاب الذي أرسل منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يوضح أن التعاون بين الولايات المتحدة وإيران بشأن محاربة التنظيم مرتبط باتفاق يجري التفاوض عليه بين إيران ودول أخرى بخصوص البرنامج النووي الإيراني». وأن مسؤولي

 الإدارة « لم ينفوا وجود الرسالة حين سألهم دبلوماسيون أجانب في الأيام القليلة الماضية»[6].

   من جهتهم، وكالعادة، رفض الإيرانيون، بلسان المرشد[7]، الطلب الأمريكي، فيما وصف الرئيس حسن روحاني التحالف الدولي ضد « الدولة الإسلامية» بأنه « مثير للسخرية»[8]. ومع أن الجانبين دخلا في جدل إعلامي، إلا أن الرئيس الأمريكي عاد بعد نحو شهرين، وخلال التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، ليقدم عرضا أمريكيا لإيران، في مقابلة مع الإذاعة الوطنية « NBR – 18/12/2014»[9]، قال فيه ما لم يقله من قبل: « إن طهران يمكن أن تصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية إذا وافقت على اتفاق طويل الأمد توقف بموجبه برنامجها النووي»، وأن « أمامها فرصة للتصالح مع العالم»، وأن « رفع العقوبات عن طهران سيساعدها على أن تصبح قوة إقليمية ناجحة للغاية، تلتزم أيضا بالمعايير والقواعد الدولية»، أما عن سر هذا العرض الفاتن، بحسب أوباما، فلأنه: « سيكون .. في مصلحة الجميع».

    بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية – صنعاء والكثير من المحافظات اليمنية، نشرت مجلة « فورين بوليسي» تقريرا يقول بأنه بعد الدعم العسكري الأمريكي للقوات الإيرانية في العراق وسوريا؛ فإن « اليمن يمكن أن يكون ساحة المعركة القادمة» … وأن « الشراكة القلقة بين واشنطن وطهران تمتد الآن إلى اليمن». وختم التقرير بالقول: « أن الولايات المتحدة مستعدة للسماح لإيران بتوسيع نفوذها في المنطقة، وهذا في جزء منه للمساعدة في تأمين صفقة نووية»[10].

      رغم « الشراكة القلقة»؛ إلا أن الجيوش الإيرانية، الأمنية والعسكرية، منتشرة في العديد من الدول، وسط عشرات المليشيات الشيعية المدججة بالسلاح، وعشرات القنوات الفضائية، وتصريحات إيرانية لا تكل ولا تمل من الحديث عن التوسع، ومقترحات سياسية للتفاهم على المنطقة، الواحد تلو الآخر، وترحيب أمريكي وغربي وشرقي بدور إيراني يرفع عنها كاهل التدخلات، وبما يسمح للقوى الدولية الالتفات إلى مشاكلها الداخلية. من جهتها أوردت مجلة «economist» البريطانية في تقرير لها شهادات ذات مغزى عن طريقة عمل المليشيات الشيعية وأهدافها. واستنادا إلى شهادة الشيعي العراقي، أوس الخفجي، يقول الكاتب أن: « العديد من المقاتلين الشيعة يدَّعون ببساطة أنهم يدافعون عن المراقد الشيعية المقدسة .. لكن رجاله في سوريا لا يقاتلون لأجل الأسد». أما الخفجي نفسه فيأمل بأن يشكل « حراس الثورة الشيعية، قوة واحدة في المنطقة كاملة». وبحسب التقرير فإن: « دور المليشيات يتعدى المراقد. رجال حزب الله لا يخفون سيطرتهم على جنوب سوريا، على الحدود الإسرائيلية، كما يلمحون بأن هذه الأرض لن ترجع للأسد. أحد قادة حزب الله قال إن الحزب في سوريا هو من يبدأ الضربات». وأحد قادة المليشيات يقول: « كل بلد عملية منفصلة، لكن الهدف واحد». وببساطة؛ فالتقرير يفسر دعم النظام الدولي لهذه المليشيات، ومثلها الكردية، وعدم التعرض لها على خلفية قراءة مواقف: « الحكومات الغربية (التي) تنظر للمليشيات الشيعية بشكل أقل قلقا عن نظرائها السنة، بالرغم من أنها تنافسها بالدموية أحيانا». لذا فإن: « أحد الأسباب لذلك هو أنهم لم يستهدفوا الغربيين بعد»[11]. ومع أنه ما من خطر يتهدد الوجود الدولي في المنطقة، إلا أن Charles Krauthammer كتب مقالا نقديا في صحيفة « الواشنطن بوست» بعنوان: « حلم أوباما في الشرق الأوسط تحقق: إيران قوة إقليمية ناجحة جدا». وفيه يقول: « هذا هو الشرق الأوسط الجديد. واقعه الاستراتيجي واضح للجميع: إيران في ارتفاع، بمساعدة مستغربة من قبل الولايات المتحدة». ووفقا لرؤيته، التي تعتمد على الواقع السياسي بعيدا عن الإرث السياسي للنظام الدولي، يقول الكاتب: « كانت إستراتيجية أوباما الأولية في الشرق الأوسط هي الانسحاب منه ببساطة … ولكن، بعد أن تم ملء الفراغ اللاحق من قبل مختلف الأعداء كما هو متوقع، جاء أوباما بفكرة جديدة تقول: نحن لن ننسحب فقط، بل وسنقوم بتسليم العصا لإيران». وبالمقارنة مع عقيدة الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، خلال الحرب الأمريكية – الفيتنامية في سبعينات القرن الماضي، يعلق الكاتب على إستراتيجية أوباما ملاحظا أنه: « قد لا يكون على علم حتى بأنه يعيد تجسيد عقيدة نيكسون، ولكن مع تغيير قاتل. ولقد كان تركيز نيكسون الرئيس هو جعل الفيتناميين يأخذون المسؤولية عن تلك الحرب منا. ولكن هذه العقيدة تطورت، وتم تعميمها لجعل قوى صغيرة مختلفة تنوب عنا في حراسة مناطقها. وفي الخليج، كانت إيران وكيلنا الرئيس»[12].

   في ظل تصعيد المربط الصفوي؛ من الطبيعي أن يرفض الأمريكيون مطالب دول الخليج بتحرير اتفاق دفاع مشترك، يكون بمثابة قانون ملزم. ومن الطبيعي أيضا أن تفشل قمة كامب ديفيد، الأمريكية الخليجية، قبل أن تبدأ. وفي مؤتمره الصحفي، تعليقا على القمة، عبر الرئيس أوباما عما وصفه بالتزام « راسخ»، لكن في حدود تبق معها الخيارات الأمريكية مفتوحة، غير مقيدة بأية التزامات قانونية، وبما لا يتجاوز: « توسيع الشراكة الأميركية في عدة مجالات مع دول مجلس التعاون الخليجي»، التي رأى أنها: « ستتيح للولايات المتحدة اتخاذ التدابير والسبل المناسبة، بما في ذلك استخدام الخيار العسكري». لذا فقد كان أوباما حريصا، في المؤتمر، على التأكيد

بأن: « الهدف من التعاون الأمني ليس إدامة أي مواجهة طويلة الأمد مع إيران أو حتى تهميش إيران»[13].

      وفي الواقع؛ تتباين مواقف الساسة الأمريكيين بين مؤيد للتفاهم مع إيران ومعارض لها. لكن التباين يقع

على خط تقاسم النفوذ مع إيران وحدود الدور الوظيفي الذي يجب أن تلعبه غيران في المنطقة، ولا يقع أبدا على خط العداء كما يروج بعض المحافظين. فالكل يعلم أن إيران تتجه نحو استعادة الدور الإمبراطوري لها في المنطقة وحتى في العالم. ولا يهم إنْ كان بمقدور إيران الوصول إلى هذه المكانة أم لا بقدر ما تعمل جاهدة على تحقيق أهدافها دون أية ممانعة دولية. وفي سياق المخاوف، كتب القائد السابق لقوات التحالف في حلف « الناتو»، James Stavridis، مقالة في مجلة « فورين بوليسي» ختمها بالقول: « إذا ما استطعنا حل القضية النووية مع إيران، فإن المشكلة القادمة ستكون أمة طموحة، وممولة تمويلًا جيدًا، لديها طموحات واضحة ليس في المنطقة فقط، ولكن على الصعيد العالمي أيضًا. ابقوا مترقبين»!

     وفي مطلع المقالةأورد James Stavridis سلسلة من عناوين الصحف الأمريكية عشية الحديث عن قرب توقيع اتفاق نووي مع إيران، مثل: « الزعيم الإيراني الكاريزمي والمراوغ يسعى لتوسيع حدود دولته، والضغط بقوة ضد الجيران في المنطقة، خصوصًا إلى الغرب. إيران تمارس الهيمنة في مجموعة واسعة من العواصم الإقليمية، من بغداد إلى بيروت. طرق التجارة تفتح، وستبدأ الثروة في التدفق إلى الأمة، وهو ما سيمكن القيام بالمزيد من المغامرات». ثم تساءل: « هل تبدو هذه العناوين مألوفة؟». وفي إجابته يذكر بأنهذه العناوين: « تصف تأسيس الإمبراطورية الفارسية منذ حوالي 2500 سنة من قبل قورش … ولا نميل إلى التفكير بإيران اليوم كقوة إمبريالية، ولكنّ الإيرانيين يفعلون ذلك بالتأكيد. وفي الواقع، هذا الأمر منسوج في حمضهم النووي الوطني وتوقعاتهم الثقافية. ونحن بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع واقع التمدد الجيوسياسي الإيراني، الذي سترتفع وتيرته فقط إذا ما تم رفع العقوبات. وإستراتيجية طهران الجيوسياسية، المرتكزة على العقيدة الشيعية كحركة دينية، مأخوذة بشكل مباشر من كتيب خطة اللعب لإمبراطوريات الفرس الثلاث الأولى، التي استمرت لأكثر من ألف سنة. وتسعى إيران للحصول على هيمنة إقليمية، ومستوى عالمي كبير من النفوذ، وتطوير مركز قوة لا يعد جسرًا بين الشرق والغرب، بل قوة قائمة في حد ذاتها»[14].    

    لم تبتعد التقييمات الاستخبارية الأمريكية عن تقييمات العسكريين. ففي جلسة استماع له، أمام لجنة الخدمات العسكرية بمجلس النواب الأميركي (12/1/2016)، قال النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA »، مايكل موريل، أن: « القضية لا تكمن في برنامج طهران النووي بل في قائمة طويلة من المشاكل معها أولاها أنها تريد أن تكون القوة المهيمنة في المنطقة»، بل أنه: « من الصواب القول إن إيران تريد إحياء الإمبراطورية الفارسية»، وأن « هذا التوجه لا يقتصر على الحكومة الراهنة أو المرشد الأعلى الحالي وحدهما بل يعود إلى عهود غابرة في التاريخ الإيراني». والمشكلة الثانية: « أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي ما زالت تستخدم الإرهاب أداة في يد الدولة ضد جيرانها والعالم من حولها»، أما المشكلة الثالثة فهي أن إيران تدعم « مجموعات إرهابية عالمية»[15]! ومع ذلك لم تضع الولايات المتحدة إيران ولا أي من مليشياتها ومرتزقتها على أية قائمة من قوائم الإرهاب الأمريكية أو الدولية، ولا حتى « النظام النصيري» في سوريا!

     كل من اطلع على وقائع الحقبة الواقعة بين منتصف القرنين19 و 20 لا شك أنه أدرك تماما كيف تم توضيع المربط اليهودي في بيت المقدس والنصيري في الشام. أما اليهودي؛ فقد كانت وقائع تثبيته في النصف الأول من القرن20، خلال مرحلة الانتداب البريطاني. ومن الطريف أن الصراع الفلسطيني العربي مع بريطانيا لم يكن ليقل ضراوة عن الصراع اليهودي معها، لكنه انتهى بقيام الدولة « اليهودية» بمباركة الاتحاد السوفياتي، وامتناع بريطانيا عن التصويت على قرار التقسيم!!! تماما كما يبدو الصراع اليوم بين الأمريكيين والإيرانيين منذ أكثر من 35 عاما!!! وبذات المكر الدولي وخبائثه يجري تمرير المربط الصفوي، وبالتواءات شتى وسلسة، وخالية من أي حسم، بحيث يبدو الأمر لعامة المسلمين وكأن النظام الدولي في تعارض مع إيران لكنه في الواقع في توافق تام معها.

    وكنموذج طريف؛ فقد قدم موقع «جلوبال ريسك إنسايس» تقريرا، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران،تحدث فيه عن: « تحول جذري في ميزان القوى بالشرق الأوسط، سيسمح لإيران بالعودة بثقة لساحة النزال الدولي». لكن « من الخطأ فهم الصراع بين الرياض وطهران، على أنه صراع طائفي، إذ أن هاجس إيران من السعودية يتمحور حول الصراع على الهيمنة الإقليمية». وفعليا فإن: « طموحات الهيمنة الإقليمية الإيرانية، جغرافيا وسياسيا، تتركز خلال العقد المقبل على مسار المعركة الجيوسياسية المتصاعدة مع القوى السنية المنافسة لها في المنطقة» ... ومع أن التقرير يستبعد أن يكون هناك منتصر واضح على الجانب السياسي بخلاف الجانب الاقتصادي الذي يميل لصالح إيران .. إلا أنه يؤكد على أن « التنافس الجيوسياسي شبه الطائفي، والسعي للهيمنة على المشهد الإقليمي سيستمر حتى عام 2025»[16].


[1] في سياق النظرية إياها يصح القول بما قاله الموسوي من أن فكرة الإطاحة بالشاه تزامنت مع الحرب الأفغانية. وبمقتضاها استعملت الولايات المتحدة الأمريكية الإسلام في ردع الشيوعية ومحاصرتها. لذا فقد ضحت بالشاه، أملا في حشد الشيعة   =

=    والسنة في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وفي سياق آخر يجري الحديث عن عملية نهب للنفط الإيراني من قبل الشركات الغربية وحتى «إسرائيل». والإطاحة بالشاه سيعفى قوى النهب من استحقاقات مالية بمليارات من الدولارات. لدى: د. موسى الموسوي،« الثورة البائسة»، مرجع سابق، ص 20،22. وفي السياق ذاته فإن « الصالح العام» يقتضي أن يستفيد الجميع، عبر القبول بمنطق أن إقامة علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» أو أمريكا لن يكون مجديا، لكون الخطوة سينجر عنها مشكلات لا حل لها كتسوية المطالب المالية. والأولى التأكيد علانية على رفض التطبيع أو القول، على الأقل، بأنه ما من مصلحة للأمريكيين أو اليهود أو الإيرانيين في إقامة علاقات رسمية فيما بينهم، فيما هي، في الواقع، من قبيل تحصيل الحاصل.

[2] د. أكرم حجازي، « تركيا: أسئلة التاريخ والمصير»، ورقة قدمت إلى مؤتمر العلاقات العربية التركية، 11/1/2011، منتدى المفكرين المسلمين – الكويت.          

[3] تريتا بارزي، « التحالف الغادر»، مرجع سابق، ص 31 – 36.

[4] بدر الدين كاشف الغطاء: « الإمبريالية الفارسية – ولاية الفقيه تعرض على أميركا تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط»، 3/11/2013، موقع « وجهات نظر»، على الشبكة: http://cutt.us/mgi83 ، رابط مقال الدكتورTodenhöfer Jürgen في صحيفة « berliner-zeitung» الألمانية (6/10/2013): http://cutt.us/1RVyd، بعنوان: «Atomstreit Israel Iran Netanjahu oder Ruhani: Wer ist glaubwürdiger?» وهذه هي النقاط الأربعة كما وردت في المقالة:

 1. Eine vertragliche und faktische Totalgarantie gegen den Bau einer iranischen Atombombe. Die Iraner wollten unter anderem die für medizinische Zwecke erforderliche Urananreicherung auf 20 Prozent den USA (!) übertragen.

2. Die Bereitschaft zu fairen Absprachen über die Einflusssphären Irans und der USA im Mittleren Osten.

3. Die Bereitschaft zu konstruktiven Beiträgen zur Lösung des Afghanistan- und des Irakkonflikts.

4. Die Bereitschaft zur gemeinsamen Bekämpfung des internationalen Terrorismus mit sehr konkreten Ideen. „Iran will Frieden mit den USA“, hieß es in dem Papier, das ich der US-Administration überließ.

[5] ذكر كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أليكس فاتانكا، بأن « الرسالة هي الرابعة من نوعها». وحين سئل عن أسباب توجيه الرسالة إلى خامنئي وليس إلى الرئيس حسن روحاني، أوضح بأن: « الأميركيون يعرفون الشخص الذي السياسة الإيرانية». للمتابعة: « رسالة أوباما لخامنئي ومستقبل المنطقة»، 7/11/2014، برنامج « حديث الثورة»، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:http://cutt.us/PbB7g

[6]« صحيفة: أوباما يراسل إيران سرا بشأن تنظيم الدولة»، 6/11/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/ZU6p

[7] « خامنئي: رفضنا طلبا أميركيا للتعاون ضد تنظيم الدولة»، 15/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/spQa

[8] « روحاني: التحالف ضد تنظيم الدولة مثير للسخرية»، 18/9/2014، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: http://cutt.us/tbJC8

[9] « أوباما: إيران يمكن أن تصبح قوة إقليمية ناجحة جدا إذا تصالحت مع العالم»، 29/12/2014، قناة « الحرة»، على الشبكة: http://cutt.us/FvGG

[10] « فورين بوليسي: شراكة واشنطن مع طهران تمتد الآن إلى اليمن»، 13/2/2015، قناة « الحرة»، على الشبكة: http://cutt.us/7ZK9

[11] « ذروة الصعود الشيعي»، 28/3/2015، مجلة « الإكونومست»، على الشبكة: http://cutt.us/T0vfM

[12] Charles Krauthammer: « حلم أوباما في الشرق الأوسط تحقق: إيران قوة إقليمية ناجحة جدا»، 23/4/2015، صحيفة « واشنطن بوست» الأمريكية، على الشبكة: http://cutt.us/QPLPx

[13] « أوباما: ملتزمون بمواجهة أي تهديدات خارجية لدول الخليج»، 15/5/2015، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة: 

http://cutt.us/yb8v، وفي مثل هذه المواقف والسياسات تبدو السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج غير بعيدة عن المثل القائل: « لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم».

[14] James Stavridis: « عودة الإمبراطورية الفارسية: لماذا على الغرب أن يقلق من طموحات طهران الإقليمية؟»، 30/6/2015، موقع مجلة « فورين بوليسي»، على الشبكة: http://cutt.us/cGx4C

[15] « مسؤول أميركي: إيران تريد إحياء الإمبراطورية الفارسية»، 13/1/2016، موقع « الجزيرة نت»، على الشبكة:   http://cutt.us/9huGF

[16] « جلوبال ريسك»: إيران ستكون «القوة العظمى» في الشرق الأوسط عام 2025»، 11/3/2016، موقع « الخليج الجديد»، على الشبكة: http://www.thenewkhalij.net/ar/node/32326

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى