مقالات

أحداث فلسطين بين العقل والهوى !

د. صلاح قيراطة

كاتب وباحث سياسي
عرض مقالات الكاتب

ماذا بعد أن يستبيح الإعلام العقول محاولا أن يضعها في مكان يريده بوجه التحديد، بحيث يكون ماتفتح له الشاشات مصدرا لتكوين نسق فكري إزاء قضية بعينها، والغاية الوصول بالمتلقي إلى حالة من الاستسلام الذي ينتج يقينا…
نعم إنها سلطة وسائل الإعلام، فبعد أن كان الإنسان وفق علم الاجتماع ابن لبيئته أصبح الإنسان في ظل( العولمة ) التي جعلت من العالم قرية صغيرة بفعل تخطي وسائل الإعلام ومعها وسائط التواصل والاتصال كاسرة الحدود بين كيانات العالم، رغما عن أنوف أنظمتها، وهنا تتلاشى القدرة على التحكم بالخبر أو اللعب به ،وعليه لمرحلة التجييش او ربما التوجيه باتجاه مايريده الإعلام ،وهو دوما موجه وغالبا مايكون رخيص …
لتتراجع بالتوازي مع هذا القدرة على تحكيم العقل فتكثر الاراء ومعها التحليلات وصولاً لمكان يمكن لنا أن نسميه ( غسل الادمغة )، وهو كما هو معلوم تلقي المشاهد أو المتلقي بشكل أدق وأوسع لكم متناقض من المعلومات بحيث يخرج الإنسان خالي الوفاض وكأن لا خلفية فكرية عقائدية أو ايدلوجية عنده إزاء مايحدث أمامه ويصبح عجينة لينة تقولبها وسائل الإعلام التي تحاول أن تظهر أنها ذات مصداقية عالية ومعها كم كبير من الحيادية …
بالتوازي مع دور الإعلام وخطورته ،تأتي الديبلوماسية في مختلف أشكالها وفي ذروتها تحقيق الأهداف السياسية التي ربما تكون قبل انطلاق العمليات العسكرية أو خلالها أو عندما تأتي كخاتمة لها، مقوننة نتائجها واضعة إياها في مصلحة من كانت له الغلبة في ميادين القتال …
من خلال هذين المحورين أضع التطورات الحادثة بفلسطين المحتلة والتي بدأت عمليا مع بداية شهر رمضان وصولا إلى ماهي عليه الان، فكانت شرارتها الاولى من حي الشيخ جراح، لتمر على الأقصى فعموم القدس الشريف، لتلتهب لاحقا أرض فلسطين بما فيها تلك التاريخية الواقعة تحت الاحتلال، وذلك كنتيجة موضوعية لتحويل سرايا المقاومة الفلسطينية تهديدها الى فعل مقاوم فاعل ربما، لكنه استثنائي حتما، عاملة على تحقيق معادلة ( القدس – غزة )، لتتصاعد المواجهات وليخيل لنا مانرجوه واقعا مستدام وهو شكل من أشكال الرعب، مضيا للوصول لتوازن الرعب …

  • هذا ماهو بيّن حتى الآن لكن وعلى اعتبار أن الأمور تقاس بخواتيمها ليس امامنا فيما يبدو كمتابعين الا ان نتسمر امام الشاشات ومعها مختلف وسائط التواصل التي تمضي بغالبيتنا حيث يريد ( المحرك ) الذي يتحكم بالحدث لجهة كونه خبراً، وبالتالي وكضرورة حتمية تسخير وسائل الاعلام التي يتم احتكارها من قبل وكالات أنباء كما اي مادة استهلاكية يمكن احتكارها وبالتالي التحكم بأسعارها تبعا لمدى ضرورة الحصول عليها، لأؤكد أن الحرب والسياسة ومعهما الإعلام يجمع بينهم انعدام الأخلاق وارتقاء الأفعال التي تكون انعكاسا للمصالح ضاربة بعرض الحائط مايرافق هذا من خسائر وتضحيات يدفعها البشر لحساب صناع القرار الذين غالبا ما لايظهرون لا ايحاءً ولا واقعاً، لأنهم إنما خططوا للنهايات لتتأكد فكرة غالباً ماكنت قد كتبت عنها مئات المرات وهو أنه ليس المقاتل في الميدان هو من يصنع الانتصارات، بل ما يصنعها هو التفاهمات ومعها التسويات التي تتضمن بعض المقايضات، وشيء من هذا قد يكون سابقا أو مرافقا أو لاحقا لأي عمليات عسكرية…
    لأمرَّ هنا على ماهو آت وهو :
  • ان مشكلة القدس باختصار تعني
    لليهود مايعتبروه ( حائط المبكى ) وهو (!حائط البراق ) بالنسبة لعرب فلسطين ومسلميها، علما أنهم اي اليهود يعتبرون أن القدس أرضا لهم مستندين على حق توراتي .
    أما المسيحيون فلهم وفق ثقافتهم وانجيلهم كنيسة القيامة حيث يعتقدون بصلب السيد المسيح عليه السلام، وكذا فهم كما اليهود يعتدون بما جاء بإنجيلهم على أنها ارضهم المباركة…
    اما المسلمون فلهم فيها قبة الصخرة وكذا المسجد، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر الأقصى وأنه أولى القبلتين عند المسلمين
    نعم نحن أمام ابعاد عقائديةبرسم الحصر والاستثنائية فيما يتعلق بالقدس الشريف، وهنا وأمام مايتعلق بالعقيدة يصبح الخوض فيها شكلا من أشكال الكفر ويعرض فاعله للتكفير، ليتم النسج على هذا ربما بشكل يقصد منه إعماء العامة وتهميش عقولهم لتثأر غرائزهم وهو مايعزف عليه الإعلام والغاية منع الجمهور من ممارسة فعل التفكير، أقصد تراجع فكرة ( الحق ) المجرد والتي يتلاشى الاحتكام اليها، لتنمو حالة الاستسلام لممارسة فعل القوة لتفرض وقائع على الأرض ناسفة فكرة القدسية من جذورها…
    وعن الحرب الحالية بدأت المقال ولغايتي التي أريد امضي لأقول متسائلا لا متبنياً حتماً، لكنه الشيء لزوم الشيء، وسؤالي هنا هو التالي :
  • هل يمكن أن نكتشف لكن متأخرين بأن ماقام به المقاومون في فلسطين، إنما كانوا مجرد أدوات بمعرفة من قادتهم أو نتيجة لتضليل وتغرير من قبل ملالي طهران، إنما دفعت بهم في مسعى كانت بحاجته وهو تحسين شروط مفاوضاتها مع الغرب فيما يتعلق بملفها النووي المتعثر؟،لا سيما أن ( الكيان ) هو في مكان الرافض بحال من الأحوال مضي إيران باتجاه اتفاق نووي يحقق لطهران ماتسعى إليه وهو وفق قادة الكيان امتلاك السلاح النووي …
  • هل يمكن أن يتخلى الملالي عن المقاومة – التي تشوهت بمجرد اقترانها بإيران ومشروعها الطائفي المخرب في المنطقة- لو تمكنت خلال اشغالها للعالم بمايحدث بفلسطين، لاسيما أن طهران بسباق مع الزمن وربما يكون للساعة لا اليوم مالا يقدر بثمن …
  • هل يمكن أن تصيب الخيبة أهل غزة جميعا ومعهم الأنقياء والأوفياء من عرب ومسلمين، حين يعلمون بأن ما نال أهلهم في فلسطين كان خلف اطلاق الحرب بشكل مرعب استخدمت المقاومة صواريخها ( الغبية ) لجهة الحالة التقنية، مقارنة بتقانات العدو الهجومية وكذا الدفاعية بآن معاً، وان الغاية انما تعني للايراني :
  • الانتقام لمقتل سليماني …؟
  • كسب لوقت تحتاجه، ولتوظفه في صناعتها النووية التي أجزم أن غايتها النهائية هي ان تمتلك ايران القنبلة النووية …
  • هل غاية ملالي طهران تجييش العرب وإظهار قادتهم بمظهر العملاء وهم كذلك فعلاً …
  • وهنا يبرز موقف السلطة الفلسطينية المضطرب الذي يجسده ‏‎محمود عباس الذي يجاهر كيفما اتفق أنه لا يريد مقاومة عنيفة، وكذا هو لايريد تحركات شعبية سلمية، وبنفس الوقت نراه وهو لا يريد أن يفاوض، ولا يريد أن يكون ( شهيداً )…
    ليثبت لنا ان الشيء الوحيد الذي يريده ( ابو مازن ) هو أن يبقى جاثماً على صدر الشعب الفلسطيني، خانقاً له، وذلك خدمة لمصالح إسرائيل، ولزوم البرستيج ك ( فخامة رئيس )، ولو بدرجة طرطور …
  • أيها السادة :
    للحظة كتابة مقالي هذا نحن امام ١٨١ شهيدا بينهم ٥٢ طفلا و ٣١ سيدة و ١٢٢٥ جريحا منذ بدء الغارات الإسرائيلية …
    شخصياً وبعد ان عرضت لما يتنازعني من افكار أرى اننا لن نهزم إلا هُزم في دواخلنا اليقين، وبأننا بناصية الحق ممسكون، وعلى طريق الدفاع عنه ماضون …
    لكن يمكن ان نرسخ مانحن عليه ليكون واقعا مستداما حيث سنهزم إذا لم نكن قادرون على دفع الأثمان في هذه المعركة التي نعيش فقط كمتابعين وأقصد مسلمين ومهتمين ليس أمامنا الا مانحن له فاعلون، وذلك إذا خَفَت في ضميرنا نداء الواجب، كل حسب امكانياته وقدراته وكل في ساحته…
    فثمة انتصارات تتجاوز المفاهيم المادية، نستشعرها ما دامت عزائمنا متقدة، وخطواتنا تمضي بالاتجاه الصحيح الذي نستلهمه من معاناة شعبنا …
    فكما نراه حتى الان أن ‏فصيلا مقاوما يفرض حظر التجول وقت ما يشاء على تل أبيب، هذا الفصيل الفلسطيني المقاوم فعل وهو محاصر ما لم تقدر على فعله كل الجيوش العربية مجتمعة ، فاين الخلل ؟ …
    فقناعتي تتجه بوعي ومسؤولية أن
    ‏الشعوب العربية (كلها كلها كلها) مع أهلنا في فلسطين …
    وأن التطبيع سقط وسقط وسقط…
    لأقول للمتخاذلين ومعهم حكام العار
    موتوا بغيظكم
    فالشعوب العربية اعمق انتماء لأمتها من زعاماتها، وكذا فهي اشد التزاما بقضيتها من انظمتها …
    لأختم محذرا من مكر دولة عبرية وقذارة ايران كانت وستكون فارسية ومااريد التحذير منه بحرص ذو ابعاد قومية وهو :
    ليس من مصلحة الانظمة العربية التي بنت كينوتها وكذا صيرورتها وتثبت هذا سيرورتها ان تهزم اسرائيل بتسوية تفرضها فوهات نيران المقاومة الوطنية الفلسطينية تقتضي حسم القتال ووقفه على اساس تكافؤ ١ / ١ …
    ليس هذا فقط، بل بتحقيق معادلة ( غزة – القدس ) ومعها فرض توازن رعب ينتج توازن ردع …
    هذه الرؤية أقصد عدم مصلحة الانظمة العربية لاسيما منها تلك المدعومة ايرانيا أن لم يحدث شيء من هذا، لأنه بتحقيق شيء من هذا تنعدم مبررات وجودها، في ذات الوقت ومن خلال سطوة اللوبي الصهيوني على معظم حكومات العالم، فسيكون العالم صامتا كما صمت على مذابح سورية على النظام الطائفي المجرم وخلفه على مدار ١٠ سنوات ماضية …
    وعليه :
    إن لم تحدث تسوية ( ما ) تم ايلاؤها للنظام المصري، إن لم تحدث تسوية تؤدي لوقف اطلاق نار يؤدي لوقف اطلاق صواريخ المقاومة باتجاه كل فلسطين، لا استبعد شخصيا اجتياحا بريا شاملا يحاكي احتلالا مؤقتا لقطاع غزة، ينتج تدميرا لقدرات المقاومة وقتل واسر لمن يصلون اليه من قادتها…
    وعليه أرى :
    أن مقاومتنا الباسلة في فلسطين وسط محيطها العربي المتخاذل والاقليمي المنافق والدولي الداعم للصهيونية، لن تكون أوفر حظا من العراق إبان قيادة الشهيد صدام حسين، ولن تكون أفضل من حال لبنان إبان سيطرة منظمة التحرير عليه في العام ١٩٨٢…
    ارجو ان أكون مخطئا، لكن وجب التنويه، حتى يضع أهلنا المقاومون هذا الحسبان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى