مقالات

من تداعيات انتفاضة الأقصى وحي الشيخ جراح !

علي حسن بك

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

في ظل معطيات داخلية إسرائيلية وفلسطينية متعلقة في تحديد مصير المستقبل السياسي للقيادات والكيانات السياسية الإسرائيلية والفلسطينية وخارجية إقليمية ودولية متعلقة باعتراف أربع أنظمة عربية بالكيان الصهيوني من دون تحقيق مكاسب للفلسطينيين مع تراجع مستوى الاهتمام الدولي بحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي فقد جاء اندلاع المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الصهيوني في مدينة القدس بسبب سياسة التضييق على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى في شهر رمضان وقرار السلطات الصهيونية إخلاء منازل تعود لعوائل فلسطينية في حي الشيخ جراح ومنحها لمستوطنين يهود من أجل تغيير الطابع الديمغرافي فيها لتهويد المدينة كي تكون عاصمة موحدة للكيان الصهيوني فقد قامت قوات الاحتلال بمنع الاقتراب من المنازل المهددة بالإخلاء ومارست هي والمستوطنين الاستفزاز واستخدمت القوة والعنف والاعتقال ضد المصلين والاعتصامات التضامنية مع سكان الحي وعلى أثر ذلك حذّرت كتائب المقاومة الفلسطينية العسكرية ولاسيما كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب صلاح الدين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين إن لم يتوقف العدوان على الفلسطينيين في القدس فإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي ومع عدم إذعان السلطات الصهيونية فقد استهدفت صواريخها بعيدة المدى المواقع الصهيونية في تل أبيب وحيفا واللد فاندلعت الحرب من جديد لتكشف وتوضح التداعيات الآتية:

1 – على الرغم من خطورة انتشار عدوى مرض كورونا القاتل وحالة الإحباط في الشارع الفلسطيني من ضعف الأداء السياسي والدبلوماسي للسلطة الفلسطينية لعدم تحقيق الأهداف المرجوة في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وهرولة الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني إلا أن جذوة المقاومة وإرادة التصدي لقوات الاحتلال الصهيوني لم تخفت لدى الشعب الفلسطيني فاجتماع أكثر من تسعين ألف في مدينة القدس وتصديهم لممارسات قوات الاحتلال العنصرية يعني أن إرادة التصميم والإصرار على نيل الحرية ما تزال نشطة فاجتماعهم ليس عملاً عفوياً إنما هو فعل منظم ومدروس ينم عن استمرار المقاومة وفعالية التنظيم السياسي والاجتماعي وكان الآلاف قد تجمعوا في المسجد الأقصى في آخر يوم جمعة من شهر رمضان كما وحدت الممارسات العنصرية الصهيونية وعدوانيتها بين الشعب الفلسطيني وأعادت روح الانتماء الفلسطيني الواحد والأمل بالخلاص من احتلال الكيان الصهيوني إلى فلسطينيي 48 الذين ثاروا في مظاهرات منددة ومستنكرة ممارساته بحيث أنها جوبهت بالعنف وأدت إلى فرض الحكومة الصهيونية حالة الطوارئ في مدينة اللد وكذلك أعادت روحية الانتماء العربي الواحد التي ما انفكت الأنظمة الحاكمة العربية وأجراء دوائر معادية للعرب من محاولة سحقها وإلغائها لتكريس الدولة القطرية فحالة التضامن الشعبي العربي مع الشعب الفلسطيني قد أكدت أن العرب هم شعب واحد والاعتداء على جزء منه هو اعتداء على الكل.

2- إن الصواريخ التي أطلقت وتطلق من غزة ضد الأهداف الإسرائيلية ليست حركتا حماس والجهاد الجهة الوحيدة التي تقوم بها فقط إنما تشترك معها في الحرب أغلب الفصائل الفلسطينية ولاسيما فتح ممثلة بكتائب صلاح الدين والجبهة الشعبية بكتائب أبو علي مصطفى ولكن الاعلام يعتم على هذا ويحصرها بهما لغاية ربط الفعل المقاوم الفلسطيني بتحقيق الأجندة الإيرانية المتعلقة بالملف النووي وهذا ليس صحيحاً رغم علاقاتهما القوية مع إيران من منطلق أن المقاومة الفلسطينية هي حركة تحرر وطني ومن حقها المشروع التعامل مع كل الفواعل السياسية في الساحتين الإقليمية والدولية لتحقيق أهدافها رغم سوء نوايا إيران في استغلال دعمها ومساندتها لحماس والجهاد من أجل تحقيق أجندتها التوسعية وهناك مشروعية كاملة لكل الفصائل الفلسطينية في الفائدة من أي دعم يقدم إليها من أي جهة وخاصة الدعم العسكري لأنه في نهاية الأمر يكون الفعل العسكري والسياسي والدبلوماسي مرتبط بها وليس بمن يقدم الدعم المادي والمعنوي.  

3_لقد كسرت وتجاوزت هذه الصواريخ الفلسطينية البسيطة كل الخطوط الحمر التي رسمها الكيان الصهيوني حوله من أنه قوة جبارة مهابة لا يمكن التجاوز عليها وأظهرت أنه على الرغم من أنه قوة عسكرية لا يستهان بها لكنه في الحقيقة ضعيف ومهزوز من الداخل وأن هزيمته ليست مستحيلة والنتائج على الأرض كانت واضحة فقد كشف ضعفه وهمجيته من خلال تدمير الأبراج السكانية وعورة الأنظمة العربية المكلفة بحراسته والحريصة على بقائه واستمرارها في أن الجيوش التي تم بناءها والأسلحة التي ما انفكت تكدسها قادرة على هزيمة الكيان الصهيوني ولكنها لم تكن ضده من أجل تحرير فلسطين إنما لجم شعوبها وكذلك كشفت الممارسات العنصرية والعدوانية الصهيونية  هشاشة منطق وفساد سلوك وهرولة الحكومات العربية التي اعترفت بإسرائيل لتحقيق مكاسب قطرية بحتة على حساب حرية وحياة الشعب الفلسطيني من أن خطوتهم المشينة ستساهم في تحقيق السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني على الرغم من أن نتنياهو قد أكد أن الاتفاق معهم يقوم على مبدأ مبادلة السلام بالسلام وليس السلام بالأرض ولذلك تحرير إرادة المواطن العربي وتحرير فلسطين يرتبط بإسقاط هذه الأنظمة الفاسدة والجبانة.

4 – إن ما يقال ويردد من قبل بعض المثقفين والمهتمون في الشأن السياسي في الوطن العربي ومنه سورية من أن التحرك الفلسطيني كان يجب ان يبقى سلمياً فهذه اطروحة تنم عن فهم يبدو أنه قاصر ويمثل نوع من حالة الاستسلام المغلف بالعقلانية السياسية فهذه الرومانسية السياسية لا تنطبق على الحالة الفلسطينية لأنها حركة تحرر وطني لا بد أن تحمل البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى وقد قالها يوماً القائد ياسر عرفات في الأمم المتحدة: لقد جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية ثائر. ولذلك مشكلة الشعب الفلسطيني ليست خلافاً سياسياً بين طرفين أو نزاع بين شعب يريد انتزاع الحرية مع نظامه المستبد أو نزاع بين نظامين سياسيين على مشكلة ما إنما هي قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من أرضه لتعيش أغلبيته في المنافي والمخيمات ولذلك المظاهرات والاعتصامات السلمية تكون ضد نظام مستبد ولكن لا تنطبق دائماً مع احتلال استيطاني يحاول اقتلاع شعب وإسكان آخر مكانه وهنا يجب التذكير أن سلمية الثورة السورية في الشهور الأولى مع شراسة دموية النظام الأسدي وجرائمه ضد الإنسانية ضدها لم تدفع المجتمع الدولي وقواه الفاعلة إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية وحماية الشعب السوري حتى اضطر إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه.

5 – التصعيد الأخير بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني قد خلق حالة من التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني وذكر المجتمع الدولي بأنه لا يمكن القفز عن حل قضيته فالولايات المتحدة وإن ما برحت الدفاع عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ولكنها عبرت عن قلقها بشأن عمليات الإخلاء المحتملة للعائلات الفلسطينية الذين يعيشون في منازلهم منذ أجيال ودعا الاتحاد الأوروبي السلطات الإسرائيلية إلى التحرك بشكل عاجل لوقف التصعيد معتبراً إجراءات الإخلاء في حي الشيخ جراح غير قانونية وأعرب بابا الفاتيكان عن قلقه البالغ إزاء الوضع في القدس ودعا إلى إنهاء الصدامات في المدينة المقدسة.

6 – الساحة الفلسطينية ستشهد إعادة بناء جديد لموازين القوى السياسية فيها ويبقى الأمل معقوداُ على قدرة المقاومة الفلسطينية كحركة تحرر وطني في استثمار الحدث لتحقيق مكاسب للشعب الفلسطيني من خلال تلمس الحلول التي تحقق أمانيه ولذلك عليها أن لا تسمح أو تفسح المجال للأنظمة العربية أو إيران لاستغلال الحالة الفلسطينية مع أن التجربة التاريخية لحركات التحرر الوطني في العالم ومنه الوطن العربي تؤكد أنها تتلقى الدعم والمساندة من كثير من الدول ولكنها لا تعمل إلا بأجندة تحقيق أماني شعوبها فالمقاومة الفيتنامية تلقت الدعم من الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية ولكنها لم تكن تعمل إلا لمصلحة الشعب الفيتنامي والمقاومة الجزائرية تلقت الدعم من مصر الرئيس جمال عبد الناصر ولكنها لم تعمل إلا لمصلحة الشعب الجزائري وكذلك المقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات فعلى الرغم من تلقيها الدعم والمساندة من الدول العربية إلا أنها لا تعمل إلا لأجندة الشعب الفلسطيني. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى