مقالات

المجدد الرث ، والتنطع لحل مشكلات الأمة !

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

      التجديد والإصلاح ضرورة وفريضة حياتية لتقدم ورقي مجتمعنا، وعملية علمية دقيقة لا يستطيع القيام بها إلا الراسخون في العلم، ولكن الكارثة أن الذين يتنطحون لهذه المهمة العظيمة الصعبة ويتنطعون بها في بلادنا بالوقت الراهن هم من غير المؤهلين لها؛ الذين يفتقدون العلم والمعرفة، وتحوم حولهم الشبهات، لأنهم يتكلمون بأهوائهم دون دراسة وضوابط علمية، ويسيرون على خطى أعرابي بئر زمزم حيث يروى: بينما الحجاج يطوفون بالكعبة، قام أعرابي فحسر عن ثوبه ثم بال في البئر ! فما كان منهم إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد أن يموت، فخلصه الحراس، وجاؤوا به إلى الأمير فقال له: قبحك الله لم فعلت هذا ؟ فقال الأعرابي: حتى يعرفني الناس.

بعد مدة من قيام الثورة السورية اتصل بي صديق عزيز، وقال ضاحكاً مازحاً: إن المجدد ” المتنور” صاحب نظرية التجدد  فلان الفلاني يريد اللقاء بنا معاً عبر سكايب ليتعرف مباشرة عليك ويرغب بمناقشة بعض الأفكار.

فقلت: لا أريد اللقاء به فلا قواسم مشتركة تجمعنا، ومن خلال ما يطرح والمعلومات التي بحوزتي يبدو أنه شخص رديء ولا يمتلك المؤهلات العلمية والمعرفية ليخوض بهذا البحر.

 إنه يضحك على أنصاف المتعلمين وبعض متابعي الفيس بوك الذين لا يعرفون حقيقته بسفسطة الكلام على أنه مجدد، فضلاً عن القناعة في أن لديه الاستعداد لوضع خدماته في تصرف أي جهة تدفع له، ولا تنس التوصيف السلبي الدقيق له من قبل الذين كان يعمل لديهم بالأجرة.

فقال : إكراماً لي أحب أن تحضر لأنه أقلق راحتي باتصالاته المتكررة فهو يريد اللقاء معك، تعال واسمع “الجعلكات “واضحك وتسلى.

فقلت: أنت تعرفه أكثر مني فهو دجال يتذاكى علينا ،ويريد تحييدنا وكسبنا إلى صفه لأنه قد أيقن أنه ليس في محل تقدير واحترام عندنا، لأننا في كتاباتنا بشكل مباشر أو غير مباشر نتناول بالنقد ما يطرح من هرطقة، ولكن من أجل خاطرك سأحضر.

وبالفعل حصل اللقاء على السكايب مع المجدد الرث وقد كنت وقتها في زيارة عند صديقي  في مكان إقامته، وقد بدأ بتبادل التحيات والمجاملة من قبله التي تصل إلى حد النفاق الممجوج، فقد قال لي: أنا أخوك الصغير. فقلت له: العفو لا أقبل ولا يصح أن تقول لي ،هذا وأنت أسن مني، وتيقنت من خلال مفرداته المستخدمة بالكلام بأنه جاهل تافه من السوقة، ولكي يقدم نفسه لي على أنه ضد الاستبداد والتوريث، وانه مع الديمقراطية مع أنه في الواقع كان معتمداً ثقة من قبل أجهزة مخابرات نظام الاستبداد الأسدي كخطيب لصلاة الجمعة في مدينته، فقال: إن سبب مشكلاتنا هو معاوية بن أبي سفيان الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض.

فقلت: إن مشكلتنا في العالم العربي ومنه سورية ليست في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، إنما المشكلة الرئيسة في الاستبداد الطائفي والجهوي والأسري الراهن الذي تسانده الولايات المتحدة، ومن جانب آخر إن موضوع تحول الدولة من نظام الشورى إلى نظام الوراثة له ظروفه التاريخية في وقتها، وباعتقادي كان سكوت وموافقة أغلب أهل الحل والعقد على هذه الخطوة السلبية من باب الضرورات تبيح المحظورات نتيجة وعيهم وادراكهم العميق بأنها خطوة ضرورية من أجل المحافظة على وجود الدولة واستقرارها وبقاء الإسلام.

     كان تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب لمعاوية بن أبي سفيان عن الخلافة ،ينم عن قدرة وفهم ووعي وغيرة وحسن ظن بإمكاناته لقيادة الأمة إلى بر الأمان وبخاصة بعد حوادث اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب واغتيال الخليفة عثمان بن عفان وواقعة حرب الجمل واغتيال الخليفة علي بن أبي طالب ؛وبحكم مقتضى فهم إمكانات السياسي ودراسة ومعرفة السياسة نحن نقدر ونحترم معاوية بن أبي سفيان من ناحية أنه رجل دولة عظيم.

      إنّ الهجوم عليه من قبل الذين يزعمون القيام بمهمة التجديد ليس من منطلق الغيرة على الإسلام والحرص على استمرار نظام الشورى/ وتحويله الخلافة إلى ملك عضوض إنما نتيجة توجيه مدفوع الأجر من قبل دوائر مشبوهة معادية للعرب والمسلمين لأنه لو كانوا تجديديين حقيقيين لقاموا بالثناء على سياسات معاوية بن أبي سفيان التي هي بناء على مبادئهم التجديدية أقرب لهم وأخفّ عليهم من سياسة وممارسات غيره وتلتقي مع توجهاتهم، فضلاً عن ذلك يبدو أنهم لم يقرأوا تاريخ أوربا القديم والمعاصر، أو أنهم أغلقوا عيونهم وتغاضوا عن أن واقعه القديم الذي كان امبراطورياً وملكاً عضوضاً، والمعاصر سادت فيه الفاشية والنازية والشيوعية، وكذلك الاستبداديات العسكرية والمدنية.     

     إن ممارسة الديمقراطية في أوربا حديثة العهد، لم تترسخ وتتعزز في جميع أنحائها إلا بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي، ونحن لا نختلف عن تاريخهم ولا نخجل من تاريخنا، ولذلك نعتقد أن من أسباب الإساءة لتاريخنا ورموزنا أن رسول الله محمد بن عبد الله قد أسس للعرب الدولة في ظل الاسلام الذي وحدهم وأعطى لهم المكانة والقيمة، وقام ثلاثة خلفاء متميزون بترسيخ وتعزيز مكانة الدولة، وهم عمر بن الخطاب التي أسس لوظائفها، ومعاوية بن أبي سفيان الذي أعطاها القوة والهيبة، وهارون الرشيد الذي نقلها إلى عالم العلاقات فكان لا بد أن تطالهم السهام وعليه من ينال من معاوية هو مشبوه.

     ثم انتقل إلى موضوع الفتوى فقال: كما تعلمون مشكلتنا مع الفتاوى التي أضرت بالدين ثم بدأ يستخدم مصطلحات شاذة فثارت ثائرة صديقي ، وقال له: من أين تأتي بهذه المصطلحات، فلقد درست وأطلعت على علوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم العربية ولم تمر علي مثل هذه المصطلحات التي تستخدمها؟ّ

    ومن جانب آخر: أنّت تعلم أن الفتوى هي رأيٌ غير ملزم، وليست حكما قضائياً، وقد عرّفها العلماءُ بـالإخبار بالحكم الشرعي على غير وجه الإلزام.

     فردّ: نعم نعم، ولكن أنت تعرف أن الفتوى تُقسم لقسمين: فتوى العُرف وفتوى النص، والمشكلة في فتوى النص فهي ملزمة

     فردّ صديقي متعجباً: ماذا تقول ؟ومن أين أتيتَ بهذا التقسيم الخيالي، وأين هي فتوى النص، وطويلب علم يعلم أنّه لا اجتهاد مع النص ؟!

     وبعدها تم تناول موضوع فريضة الحجاب في الإسلام.

فقلت: إن مشكلتنا ليست في ارتداء الحجاب، إنما المشكلة الرئيسة في الاستبداد، فالحجاب موجود لدى كل الأديان السماوية؛ فهو عند اليهود والنصارى والمسلمين وحجاب المرأة كما تعرف هو من الشرع في الأديان السماوية ومنها الإسلام؛ فقد ورد في القرآن الكريم في سورة الأحزاب آية ٥٩ وسورة النور آية 31؛ وورد بالحديث النبوي حديثين عن عائشة ولذلك النيل منه بذريعة الحداثة، أو تناوله على أنه رأي شخصي من قبل بعضهم هو اقتراف نفس الجريمة التي ارتكبها المجرم رفعت الأسد وعصابته ضد المحجبات في الثمانينيات من القرن الماضي، وفرصة للهروب إلى الأمام من مواجهة المشكلات الأساسية في المجتمع، كما أنه تجاوز على العقائد السماوية وبخاصة على الإسلام الذي هو عقيدتنا وتاريخنا وثقافتنا وحضارتنا وهويتنا، فضلا عن أنه تجاوز على الحرية الشخصية، وعلى الأمهات والشقيقات، والحرائر.

قال صاحب نظرية التجدد مستغرباً وسائلاً: هل الحجاب أيضاً عند اليهود والنصارى ؟ وهنا توقفت وتأكدت من أنه جاهل بامتياز، وسألت نفسي كيف “يتنطح ” لمهمة التجديد والإصلاح  قبل أن يقوم بدراسة مقارنة للأديان؟ 

فقلت له: نعم الحجاب ورد في الكتاب المقدس فعند اليهود ورد في التوراة: في سفر التكوين الاصحاح 24، وورد في سفر التكوين الاصحاح 38، وورد في سفر إشعياء الاصحاح 3.

وعند النصارى ورد في الانجيل من رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس الاصحاح 11.

فقال المجدد: هل من الممكن أن ترسل لي أين ورد هذا في الكتاب المقدس؟

فقلت له: سأرسل لك حالاً نصوص الكتاب المقدس التي ورد فيها الحجاب، وأرسلتها له ونحن نتكلم، فشكرني ممتناً.

هنا أرسل لي صديقي رسالة على الخاص: سامحك الله لماذا أرسلت له النصوص؟ دعه في جهله يعمى.

فكتبت له: أرسلتها من أجل أن ينورنا ويجددنا فهل نسيت أنه صاحب نظرية التجدد وغايته الإصلاح ؟

     ولكن الطامة الكبرى من أجل الإساءة لمسألة التجديد وتسخيفها فقد أصبح في الزمن القائم على تمكين غير المؤهلين والمنحرفين بدعم الدوائر المشبوهة يقدم على أنه من المجددين في سورية والعالم العربي !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى