جزاء الطاعة:
نستنتج من القرائن التي أحاطت بقصة مريم العذراء، أن المجتمع كان مترعاً بالمعاصي، فكانت في طاعتها استثناء كبيراً حتى أن الله جازاها بطريقة استثنائية تم فيها تجاوز السنن الجارية لتصبح سُنناً خارقة، ابتداء من إعطائها فاكهة الصيف في الشتاء وهي في معتكفها، ومروراً بحملها من دون زوج، ووصولاً إلى وضعها لجنينها في العراء مع إعطائها التمر والماء بصورة غير طبيعية، ثم تكلُّم ولدها في المهد وتبشيرها بأنها أمّ رسول سيكون له شأن عظيم في تأريخ العالم.
وهكذا فعندما وصلت مريم إلى سدرة المنتهى في طاعتها لأوامر ربها، كرّمها الله بأن سخّر لها الأسباب والسنن، فكانت خارقة من خوارق الزمن وآية من آيات الله.
عذاب السنن الجارية والخارقة:
لقد تعبّد الله الإنسان وفق السنن الجارية، وعاقبه إذا أساء التعامل معها، وفق بسنن جارية وخارقة، حيث تؤدي معاقرة عوامل الضعف إلى الضعف، وتؤدي مضاجعة أسباب التفرق إلى التفرق، وهكذا سائر القيم السلبية، وبجانب هذه العواقب التي تنتجها السنن الجارية، فإن ازدياد الظلم والكفر يؤديان إلى حضور السنن الخارقة، متمثلة بالعذاب الاستئصالي، كما حدث لأقوام نوح وهود وصالح ولوط وقوم فرعون الذين استأصل الله شأفتهم، وإلى هذا المعنى يشير الله بقوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا}[فاطر:٤٤]، ويشير قوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء…}، إلى العذاب الاستئصالي الذي تجاوز القوانين وجرى مجرى السنن الخارقة، بدلالة أن الشق الأول من ذات الآية يقول: {اوَلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة..}.
مراعاة السنن:
من ضوابط الدعاء التي ينبغي أن يلتزم بها الداعي عدم مصادمة السنن، ومن أمثلةذلك دعاء إبراهيم عليه السلام، فقد دعا لأهل مكة فقال: {رب اجعل هذا بلداً أمناً وارزق أهله من الثمرات}، إذ أن مكة أُسست في وادٍ غير ذي زرع، وكان يمكن لإبراهيم أن يدعو ربه الذي لا يعجزه شيء بأن يحيل هذا الوادي إلى جنة خضراء وارفة الظلال ووافرة الثمار، لكنه راعي هذه التركيبة الجيولوجية لأرض مكة، فدعا الله أن يرزق أهلها من الثمرات التي تنبت في المناطق الأخرى.