مقالات

الائتلاف الوطني السوري ودوره القيادي .. المسار والعقبات

عمر الدغيم

كاتب ومدون سوري
عرض مقالات الكاتب

ينطلق هذا المقال من محاولة الإجابة على السؤال الآتي: هل لعب الائتلاف الوطني السوري يوماً وهل يلعب الآن دوراً قيادياً  كامل الصلاحيات وذو تأثير في الرأي العام الشعبي والعالمي!؟ وما هي نسبة النجاح التي يؤدي بها هذا الدور !؟

تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في تاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 في العاصمة القطرية (الدوحة)، واعتبر ائتلافاً جامعاً للمعارضة السورية بمختلف أطيافها واتجاهاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، وغالب أعضائه مثلوا نموذجاً نخبوياً فرض نفسه بحكم تسارع وتيرة الصراع والفراغ التنظيمي السياسي (الفعلي) لدى قوى المعارضة الداخلية ودور بعض هؤلاء الأعضاء التاريخي في مراحل ما قبل الثورة السورية زمن الثمانينيات أو ربيع دمشق أو نشاط معارضين مستقلين عاشوا حياتهم ينافحون ضد الظلم، ويعارضون الاستبداد والتسلط الأسدي على مؤسسات الدولة والمجتمع السوري.

جاء ميلاد الائتلاف الوطني بعد المجلس الوطني في سياقات الثورة الشعبية التي انطلقت في آذار/ مارس 2011م، وبعد تطور سلوكها الأدائي واتساع نفوذها وتأثيرها. وهو ائتلاف سوري يهدف إلى إسقاط النظام القائم بكل رموزه وأركانه، وتفكيك أجهزته الأمنية والعمل على محاسبة المتورطين بالجرائم التي ارتكبت بحق السوريين، كما يعمل على توحيد وتجسيد رؤية المعارضة السياسية والقوى الثورية.

وكما هو معلوم فقد ضم الائتلاف الوطني في تشكيلته العديد من التجمعات والتيارات التي تعكس تنوع الطيف الشعبي والثوري السوري، فبالإضافة إلى المجلس الوطني السوري بمكوناته المختلفة من إسلامية وعلمانية ومدنية وديمقراطية، ضم إلى صفوفه لجان التنسيق والحراك الثوري وممثلين عن فصائل الجيش الحر والمجالس المحلية، والمجلس الوطني الكردي والمجلس التركماني والمنظمة الآثورية وغير ذلك من شخصيات مستقلة وازنة ومعروفة مثل من خلالها التنوع الثقافي والمذهبي والقومي لسوريا.

اعترفت العديد من الدول بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، وأبرزها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وأيضاً الجهورية التركية التي تستضيف الائتلاف على أراضيها، وتعد الأخيرة أبرز داعم للائتلاف الوطني السوري سياسياً ولوجستياً.

وباعتباره الجسم الأكبر والأشمل للمعارضة السورية، والذي يحظى بالشرعية الدولية والاعتراف الرسمي، أصبح الائتلاف الوطني السوري الممثل الأبرز للمعارضة السورية في المفاوضات والمسارات السياسية المتعلقة بأحداث سوريا كجنيف والاستانة وغيرها، كما تأسست تحت مظلته الحكومة السورية المؤقتة لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

تتلخص المشكلات والعقبات التي تعرض لها الائتلاف الوطني السوري في محاولته للعب دوره الهام والمنوط به في معارضة النظام السوري وتمثيل الثورة والمعارضة، في النقاط التالية:

1. انعدام الدعم الحقيقي والفعلي من قبل الأطراف الدولية التي اعترفت رسمياً بشرعية الائتلاف الوطني كجسم سياسي، بل ومحاولة تهميشه وإقصائه المتعمدة عن مسارات الحل السياسي.

حيث كان من المفترض واللازم أن ينتقل حلفاء وشركاء الشعب السوري الثائر وما يسمى بمجموعة أصدقاء سوريا، من مرحلة الاقتصار على (الاعتراف الرسمي) بالائتلاف الوطني إلى مرحلة (الدعم والتمكين) السياسي والمادي للائتلاف كجسم سياسي وتنفيذي ممثل للثورة السورية، فبدون المقدرات والإمكانات المالية والدعم السياسي الحقيقي لا يستطيع الائتلاف الوطني تعزيز تواجده في الداخل السوري وفرض سلطته الشرعية هناك، حيث أن كلمة السر في تمكين السلطة السياسية المحلية وضبط الفصائل المسلحة وتمكين الحكومة المؤقتة إدارياً وتنفيذياً، هي الدعم السياسي الفعلي المرافق للدعم المالي واللوجستي.

2. الحالة العامة من عدم الاعتراف بشرعية الائتلاف في مناطق الداخل السوري المحرر والخاضع لفصائل المعارضة، رغم وجود تمثيل سياسي للفصائل وللمجالس المحلية في هيكلية الائتلاف الوطني، وبالتالي عدم وجود سلطة تنفيذية تمثل الائتلاف على الأرض السورية، وهو الأمر الذي جعل مواقف وقرارات الائتلاف السياسية عديمة التأثير وغير قادرة على تغيير سياق الأحداث خارجياً أو داخلياً.

وفي هذه النقطة تحديداً برز نوع من التناقض الذاتي عند الشخصيات والتيارات الممثلة لمعارضة الداخل السوري والمتواجدة على أرضه  (العسكرية منها أو المدنية والسياسية)، فكانت توجه سهام الانتقاد الحادة للائتلاف الوطني وتسوق مطالبها ومتطلباتها إليه، ثم إذا وضعت على المحك في المقابلات التلفزيونية وفي المحافل الثورية والسياسية، شددت على عدم اعترافها بالائتلاف الوطني وعدم تبعيتها لها! وهنا يتبادر السؤال البديهي المنطقي التالي: كيف تنتقد جسماً لا تعترف به أصلاً !؟ ثم كيف تطالبه وتطلب منه وأنت تنفي عنه صفة الشرعية !؟

وهذا الأمر بدوره سهل عملية إقصاء أو تهميش أو تجاوز الائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري وثورته، في المسارات والمفاوضات السياسية أو الاتفاقات والمعاهدات.

3. احتكار القرار السياسي والتنفيذي للأطراف السورية (النظام أو المعارضة) من قبل الدول المتدخلة في الصراع السوري والمتواجدة على الأرض السورية، بالإضافة إلى الضغوط السياسية التي تمارسها دول أخرى لتحقيق مصالحها وأجنداتها ودعم حلفائها في الساحة السورية.

4. الأداء السياسي الباهت، والركود الملحوظ للائتلاف وأعضاءه لفترات طويلة، لم يتم استغلالها في تحقيق الوجود الفعلي للائتلاف داخلياً وخارجياً، وفي توسيع نطاق العلاقات واستجلاب الدعم السياسي والمادي اللازم لتقوية نفوذ الائتلاف داخلياً ولتمكين سلطته في الداخل المحرر، وأيضاً لتقوية الجانب الإعلامي للرد على الادعاءات والاتهامات الموجهة لهذا الجسم الثوري وللدفاع عن شرعيته.

فزيادة الحضور والتواجد الداخلي للائتلاف وشخصياته من خلال افتتاح المزيد من المكاتب والمراكز التمثيلية له، وتأسيس هيئات للعمل المدني باسمه، والإشراف على المزيد من الفعاليات والمشاريع الثورية، تخدم الترويج الإعلامي للائتلاف الوطني وتزيد شعبيته وبالتالي شرعيته، فيكسر الصورة النمطية التي سادت عنه لسنوات في الوسط الثوري.

ورغم ذلك، فقد قام الائتلاف الوطني بعدة خطوات تبين الدور القيادي له وتثبته، رغم أن هذه الخطوات وصفت بالمتأخرة، ومنها دخول الجسم التنفيذي له وهو الحكومة السورية المؤقتة إلى الداخل السوري المحرر في عام 2016، والتي بدورها قامت بعدة أعمال ومشاريع إدارية وتنفيذية في مختلف المجالات رغم الإمكانيات المتواضعة والدعم المحدود، كما كثف الائتلاف الوطني من حضوره في الداخل في عام 2020، فبدأت شخصيات ممثلة له بحضور العديد من الفعاليات الثورية، وتم افتتاح مكتب ممثل للائتلاف الوطني في مدينة اعزاز في العام نفسه. ولكن ما يزال الدور القيادي للائتلاف الوطني قاصراً عن المطلوب منه، ومقتصراً على بعض الجوانب الهامشية وغير المؤثرة بشكل مباشر على مسار الثورة وحياة السوريين في الداخل المحرر، كما يظل دوره السياسي الدبلوماسي خارجياً يتصف بالعجز والشلل في كثير من المواقف، ويمكن تفهم هذا الوضع من العقبات والمشاكل التي ذكرناها آنفاً، والتي أعاقت مسيرة الائتلاف الوطني في تعزيز دوره القيادي والتنفيذي كأهم ممثل شرعي ورسمي للشعب السوري.

وأخيراً، لما كان مستقبل سوريا وثورتها العظيمة، مرتبطاً ارتباطاً ضرورياً وحتمياً بالعمل السياسي والدبلوماسي، ولما كان وما يزال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المتصدر الأول والمسؤول الأكبر عن هذا العمل، وجب عليه أن يعمل بالحد الأقصى وبكل الإمكانات المتاحة في صالح الثورة السورية وضد النظام على المستوى السياسي في الداخل السوري وفي ساحة العلاقات الدولية خارجياً، وأن يتدارك ويعوض الوقت الفائت والضائع من عمر الثورة، وأن يعمل على إصلاح أخطاء الماضي، وذلك بوضع خطط وبرامج استراتيجية قريبة وبعيدة المدى تتضمن خطة شاملة لتطوير عمل الائتلاف الوطني على الصعيد السياسي خارجياً، وعمل الحكومة السورية المؤقتة داخلياً، فتضمن بذلك فرض الائتلاف كمتحدث ومفاوض رسمي وشرعي وحيد باسم الشعب السوري، ووضع خطة سياسية للتحشيد عالمياً ضد النظام السوري وتطويقه وتقويض محاولات إعادة تأهيله أو الإبقاء عليه، كما تضمن من ناحية أخرى ضبط عمل الفصائل العسكرية والمنظمات المدنية العاملة في الداخل السوري المحرر، ودمجها جميعها في إطار سلطة الحكومة المؤقتة وضمن منظومتها.

وفي المقابل، يلزم من جميع العاملين والناشطين في الثورة السورية دعم شرعية الائتلاف وعدم العمل على اسقاطه وتقويضه، وتوجيه النقد البناء والنصح الصادق الموجه والجاد في حال وجود ما يستحق ويستدعي ذلك، فإن لم يكن ذلك لقناعة ذاتية، فهو للضرورة والحاجة، فلا بديل عن هذا الجسم الثوري الآن، ولا إمكانية أصلاً لإنشاء وتأسيس بديل آخر، وحتى وإن وجد هذا البديل بإرادة داخلية أو خارجية، فهو في أحسن أحواله لن يكون غالباً أفضل من الموجود، إذا ما نظرنا إلى الحد الأدنى من مطالب الائتلاف الوطني التي التزم بها والتي لم تتنازل عن مطالب الثورة السورية الأساسية في بدايتها، وهي إسقاط النظام السوري بكافة رموزه وأشكاله والبدء بمرحلة انتقالية تضمن لسوريا الوصول إلى دولة ديمقراطية تسودها العدالة والمساواة والحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى