دين ودنيا

عللُ المجتمعات

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

سَكرةُ الفواحش:
إن أسوأ أنواع السَّكرات وأخطرها هي سكرة الفواحش، فقد أخبر الله عن قوم لوط، فقال: {إنهم لفي سكرتهم يعمهون}، وما أسكرتهم إلا الفواحش وعلى رأسها فاحشة إتيان الذكور، وتتضح شدة خطورة السكْر على الوعي الجمعي، من خلال أمور عديدة في هذه الجملة:
-استخدام حرفي التوكيد إن واللام.

  • إضافة السكرة إليهم، ولم يقل: إنهم لفي سكرة.
    -إفراد السكرة، كأنّ حياتهم كلها سكرة واحدة، ولو قال: في سكرات، لفُهم بأنهم ربما يفيقون ثم يعودون!
    -استخدام الفعل يعمهون بزيادة حرف الهاء، ومعلوم أن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى، كأن العمى قد أصاب الجوارح والجوانح كلها، وصاروا في عمى كامل ودائم!

صراحة الفاسدين:
ظل الفساد يتجمل بشعارات جذابة ويتخفى تحت عناوين براقة، لكن كفر الأولين، مع ذلك، كان أكثر صراحة في إبداء عقائده والإفصاح عن مطلوباته، فهؤلاء قوم لوط يتواصون ضد المؤمنين الأطهار، فيقولون بكل وضوح: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}، فقد أصبحت الطهارة جريمة.
وهؤلاء الملأ من قوم شعيب يقولون: {لنُخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا}، فقد وصفوا اصحاب شعيب ب{الذين آمنوا}، بمعنى أن أصحاب المؤتفكات اتهموا لوط ومن معه بالتطهر وليس بالقذارة أو التدنس، وأصحاب مدين اتهموا شعيب ومن معه بالإيمان وليس بالكفر أو الفسق!
ومع ذلك نلاحظ أن الطرفين قد احتكرا الوطنية لهما: {من قريتكم}، {من قريتنا}، وهذا ديدن الكبراء الفاسدين في كل زمان ومكان!

كفران النعمة:
عندما طلب اليمنيون القدامى من الله أن يباعد بين قراهم بمسافات مادية، باعد بينهم ولكن بمسافات معنوية؛ حيث صاروا يتفرقون لأتفه الأسباب، وهذه عاقبة الكفر بالنعمة، قال تعالى: {فقالوا ربنا باعِد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}[سبأ:١٩]، ومعنى {جعلناهم أحاديث}: أي صيرناهم مضرب الأمثال في التفرق والانقسام، حتى قيل (تفرقت أيدي سبأ)، بعد أن كانوا أصحاب وعي جمعي وأهل دولة مركزية متماسكة، وقيل في عصرنا عن هذا الداء العربي المبين: إذا دخل خمسة عرب غرفة؛ فإنهم يخرجون منها بستة أحزاب!
وهذا هو سر امتنان الله على العرب بنعمة الائتلاف التي حققها لهم الإسلام بتعاليمه الشاملة: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى