يعد المؤرخون وأصحاب الاختصاص في العالم الحضارة العربية الإسلامية العظيمة إحدى الحلقات الأصيلة للتراث الإنساني وهي كل متكامل لا يستقيم أبداً أن يتم الانتقاء من نتفها وتختزل عصورها النبوي والراشدي والأموي والعباسي والأندلسي بحادثة سلبية هنا وأخرى هناك والتنكر للكل الايجابي، في حين أن تاريخ الآخر الذي يدعي التحضر والإنسانية هو متخم بالجرائم الوحشية التي يندى لها الجبين سواء مع بعضه بعضا على أساس ديني، أو جرائمه ضد الآخر المختلف مثل : محاكم التفتيش بحق المسلمين واليهود في إسبانيا، وجرائم الصليبين بحق المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام، وجرائم المستوطن الأوربي المتحضر بحق الهنود الحمر في أميركا اللاتينية وأميركا، وفي المستعمرات الأفريقية والأسيوية، أو ضحايا الحرب العالميتين، أو جرائم الولايات المتحدة في اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان وقبله هرطقة غاليلو وتيار ابن رشد.
إن الكارثة في العالم العربي ومنه سورية تكمن في أن هناك إلى جانب سيطرة النظم السياسية الاستبدادية الخدمية للأجنبي هناك النخب الرثة التي تزعم الحداثة والتنوير وقد تربت وعاشت وأخذت فرصتها ومساحتها في ظل الدوائر الثقافية التابعة لتلك الأنظمة الحاكمة وأصبحت بهذه الرعاية تسيطر على توجيه الفكر والثقافة والاعلام وهي في حالة عداء لكل ما له صلة بالعرب والإسلام ويعملون بخطوات حثيثة على ربطنا بالأخر وفرض ثقافته بكاملها علينا وهذا بسبب أنهم خدم مأجورين وتلقوا تربية ثقافية مغلقة قائمة على الكراهية التي تقرأ بعين واحدة، ولذلك هم ينظرون إلى السلبي حصراً من تاريخنا وتراثنا العربي الاسلامي ويتركون عن قصد الإيجابي منه، وخاصة أن أمتنا ومنها نحن السوريين اكتملت في ظل الإسلام والحضارة والثقافة الإسلامية فعلى الرغم من حالة التفكك والتمزق والضعف التي نعيشها ولكن لارتباطنا الوثيق بالإسلام فإننا ما نزال نشكل تحدياً حقيقياً للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، وخاصة من قبل مفكريهم، فصموئيل هنتنغتون في كتابه ” صدام الحضارت ” يحذر من الإسلام على الحضارة الغربية الذي امتزج تاريخه كرسالة وحضارة بالعرب من منطلق أن تاريخ هذه الحضارة المشرف لا يزال حائزاً على قدر كبير من مكونات التحدي ومؤهلات التفوق. ولذلك لا نستغرب أبدأ هذه الهجمة المسعورة لشيطنة الإسلام إلى جانب العروبة بجريرة أعمال الجهلاء وتضخيمها والتغاضي عن جرائم النظام الطائفي التي هي أبشع من داعش من أجل دفعنا إلى الكفر بالإسلام لنصبح في مهب الريح، علاوة على وأد الثورات العربية وإعادة انتاج الأنظمة المستبدة.
ولذلك نحن العرب عامة والسوريون خاصة لن تقوم لنا قائمة ونهضة إلا عن طريق العودة إلى المنابع والأصول الحضارية للثقافة العربية الاسلامية مع الانفتاح الراشد المسؤول على العصر ومدنياته وثقافاته الإنسانية الأخرى، والاستفادة من كل إيجابي منها ولاسيما أن حركة المجتمع تأخذ اندفاعها من معطيات الماضي لتواجه الحاضر وتقتحم المستقبل، فالشعب الذي لا ماض له لا يمكن أن يكون له حاضر ولا يستطيع صناعة المستقبل، فاليابان ازدهرت لأنها حافظت على تراثها الثقافي وأخذت من الثقافة والمدنية الغربية أسمى ما وصلت إليه من التقدم ولذلك وجود الأمة يرتبط بوجود ثقافتها الخاصة وهويتها المميزة، فإذا زالت ثقافتها وهويتها أو انمسخت في ثقافة وهوية أخرى زالت من الوجود، وفي هذا الشأن يقول فرانز فانون: لا أمة بدون ثقافة خاصة، ولا ثقافة بدون أمة.