مقالات

حدث في رمضان 17

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

حدث في 17 رمضان سنة 2 هـ

    في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثالث عشر من شهر آذار للعام الميلادي 624، كان يوم جمعة، كانت موقعة بدر الكبرى، بدر هو موضع على طريق القوافل، يقع على مبعدة نحو 150كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من المدينة المنّورة، كانت معركة حاسمة انتصر فيها جيش المسلمين بقيادة الرسول مُحَمّد (عليه الصلاة والسلام) على المشركين من قريش، وعلى رأسهم أبو سفيان، قُتل منهم سبعين مشركاً. ومن أشرافهم أميّة بن خلف، أبي جهل بن هشام، زمعة بن الأسود، أبو البختري العاص بن هشام، تحقق النصر بالرغم من قلة عدد المسلمين المقاتلين، وكثرة عدد المقاتلين المشركين. وقد أعُتبر هذا النصر معجزة وتأييداً من الله عزّ وجّل للدين الجديد، بعد هذه المعركة قال رسول الله مُحَمّد الأمين (صلى الله عليه وسلّم) : (( الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده )).

    مكث النبي صلى الله عليه وسلم في أرض المعركة في بدر 3 أيام، لتحقيق عدة أهداف عسكرية ونفسية، منها مواجهة أي محاولة من المشركين لإعادة تجميع الصفوف والثأر للهزيمة، وهو ما يفرض استمرار بقاء الجيش المسلم في حالة تأهب واستعداد لأي معركة محتملة؛ لأن من الأسباب التي تصيب الجيوش المنتصرة بانتكاسات هو أن يسري بين الجنود أن العمليات العسكرية والحرب قد توقفت، فتهبط الروح المعنوية إلى أدنى مستوياتها، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجنب المخاطرة بانتصاره، إضافة إلى أن البقاء في أرض المعركة هذه الفترة يتيح للجيش المسلم القيام بإحصاءات دقيقة عن خسائره وخسائر عدوه، وبعث رسالة نفسية إلى الجيش المهزوم أن النصر لم يكن وليد المصادفة. 

   كان من أهم الأمور التي أثيرت بعد بدر قضيتان مهمتان، هما “الأنفال” و”الأسرى”، وقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في الأنفال التي ساءت فيها أخلاقهم كما يقول “عبادة بن الصامت”، إذ تنازع الناس في الغنائم من يكون أحق بها؟! فنزعها الله تعالى منهم وجعلها له تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم عاتبهم بغير عتاب كما جاء في بدايات سورة الأنفال بأن ذكرهم بضرورة إصلاح ذات بينهم، وذكّرهم بصفات المؤمن الحق التي يجب أن يتحلوا بها وينشغلوا بتحقيقها في أنفسهم قبل السؤال عن الغنائم، ثم مضت 40 آية من الأنفال، قبل أن يبين الله حكم تقسيمها، والمشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بالتساوي بين الصحابة، وأعطى بعض الذين لم يشهدوا القتال لبعض الأعذار مثل عثمان بن عفان الذي كان مع زوجته رقية في مرضها الذي ماتت فيه، وأعطى أسر الشهداء نصيبهم من الغنائم. 
أما الأسرى، فلم يسأل الصحابة فيهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الغالبية العظمى كانت تميل إلى أخذ الفداء باستثناء “عمر بن الخطاب” و”سعد بن معاذ” اللذين كانا يحبذان الإثخان في القتل، لكسر شوكة الكفر فلا يقوى على محاربة الإيمان. 

   استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في أمر الأسرى، فأيدوا الفداء، إلا أن القرآن الكريم أيد الإثخان في القتل، لكن روعة الإسلام أن القرآن لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع عن القرار الذي اتخذ بعد الشورى حتى لا يصير الإعراض عن الشورى سنة في الإسلام، وأن يكون من قواعد التشريع الإسلامي أن ما نفذه الإمام من الأعمال السياسية والحربية بعد الشورى لا يُنقض، وإن ظهر أنه كان خطأ. 
ومن روعة الإسلام أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء بعض الأسرى أن يقوموا بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، وهو إدراك لأهمية العلم الذي يساوي الحرية والحياة.

حدث في 17 رمضان سنة 40 هـ

   في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك الموافق للثامن والعشرين من شهر كانون الثاني للعام الميلادي 661، قُتل بمسجد الكوفة الإمام عليّ، هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب ابن عمّ الرسول (عليه الصلاة والسلام)، أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وُلد قبل البعثة بعشر سنين وتربى في حجر النبيّ (عليه أفضل الصلاة والسلام) في بيته، أول من أسلم بعد السيدة خديجة {رضي الله عنها}، أخفى إسلامه مدة خوفاً من أبيه، أصفاه الني مُحَمّد (عليه الصلاة والسلام) صهراً له وزوجّه ابنته فاطمة الزهراء {رضي الله عنها}، ضربه بالسيف ابن ملجم أثناء خروجه إلى صلاة الصبح، كانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، قبل موته دعا ابنيه الحسن والحسين وصواهما بقوله/ {أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بَغَتْكما ولا تأسفا على شيء ذوى منها عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصماً وللمظلوم ناصراً ولا تأخُذُكما في الله ملامة}، تولى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، صلى عليه الحسن {عليه السلام} ودُفن سَحَراً، قيل قبلة مسجد الكوفة، وقيل عند قصر الإمارة، وقيل بالنجف، والصحيح أنهم غيبوا قبره الشريف {كرّم الله وجهه} خوفاً عليه من الخوارج.

حدث في 17 رمضان سنة 223 هـ

   في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك سجّل استسلام مدينة عموريّة، أغار الإمبراطور البيزنطي تيوفيل على منطقة أعالي الفرات في عهد الخليفة المعتصم عام 838 للميلاد، فأستولى في طريقه على زبرطه مسقط رأس والده الخليفة المعتصم أسر من فيها من المسلمين ومثّل بهم، أعتبر الخليفة المعتصم هذه الغارة تحدياً شخصياً له، فخرج الخليفة من سمراء وأستهدف مدينة أنقرة أولاً وكتب على ألوية الجيش كلمة عموريّة، وقرر دخول الأراضي البيزنطيّة من ثلاثة محاور، جيشٌ بقيادة الأفشين، جيشٌ بقيادة أشناس، جيش بقيادة الخليفة نفسه، على أن تجمع هذه الجيوش عند سهل أنقرة، وأستطاع جيش الخليفة وجيش أشناس من فتح أنقرة، بينما التقى جيش الأفشين الذي توغل كثيراً داخل الأراضي البيزنطيّة يجيش الإمبراطور تيوفيل، فهزم البيزنطيين شر هزيمة، بعدها شاع خبر مصرع الإمبراطور، غير أن حقيقة الأمر أنه فرّ من المعركة، وطلب مصافحة المعتصم، مبدياً اعتذاره عن مذابح زبرطه وتعهد ببنائها، فرفط الخليفة المعتصم، ووصل إلى عموريّة وحاصرها، فاستسلمت بعد أسبوعين في مثل هذا اليوم، هدم المعتصم أسوارها وأمر بترميم زبرطه وتحسينها.

   في السادس عشر من رمضان سنة 223 هــ / الاول من شهر آب 838 م ضرب  الخليفة العباسى المعتصم حصار عمورية الذي انتهى بفتحها، فقد غزا توفيل ميخائيل إمبراطور الروم مدنا إسلامية مستغلا إنشغال المسلمين بقتال الزنديق بابك الخرمي الذي أرسل إليه يطلب منه غزو بلاد المسلمين، فقتل وأسر ومثل بقطع الأذان وجدع الأنوف وسمل العيون، وخرب مدينة ملطية وهدم أسوارها، وبلغ عدد النساء الأسيرات لديه أكثر من ألف امرأة، فيهن امرأة هاشمية اسمها _شراة العلوية_ استغاثة من شدة التعذيب فقالت: *(وامعتصماه)*، فضحك العلج الرومي عليها وقال: لا يأتي المعتصم لخلاصك إلا على فرس أبلق – فرس فيه سواد وبياض – ، بلغ ذلك المعتصم فوثب وثبة الأسد وقال: والله لا يطأ رأسي غسلا من جنابة حتى أغزو بلاد الروم. فدعا للنفير، وخرج في جيش كبير على مقدمته أربعة آلآف من الخيول البلق، ثم سأل الأمراء: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ قالوا: عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها وهي أشرف عندهم من القسطنطينية. فقال المعتصم: هي هدفنا.

   وسار المعتصم بجيشه في جمادى الأولى حتى وصل سروج بالقرب من طرسوس فقسم جيشه إلى فريقين: الأول بقيادة الأفشين ووجهته أنقرة، وسار هو بالفريق الثاني وبعث قائده أشناس بقسم صغير إلى أنقرة من طريق آخر، وسار المعتصم في أثره على أن يلتقي الجميع عند أنقرة.

   ولكن إمبراطور الروم كمن عند دزمون فباغت الأفشين وحدثت معركة دزمون في 25 شعبان فانهزم الإمبراطور وفر إلى القسطنطينية، وأرسل قسما من جيشه بقيادة خاله مناطس إلى عمورية لتحصينها وحمايتها.

   دخل المعتصم أنقرة فوجدها قد أخليت بعد هزيمة الإمبراطور، فتوجه إلى عمورية وضرب الحصار عليها في السادس رمضان، وكانت عمورية ذات أسوار منيعة وأبراج عالية كبيرة كثيرة مليئة بالرجال والسلاح.

   في الوقت نفسه بعث الإمبراطور برسالة إلى المعتصم يعتذر فيها عن ما بدر منه ويطلب الصلح ويتعهد ببناء مدينة ملطية ورد كل ما أخذه منها وإطلاق الأسرى، ولكن المعتصم رفض ذلك.
   بدأت المناوشات وكانت ممكن أن تستمر مدة طويلة، ولكن أسيرا عربيا نصرانيا قد أسره الروم دل الخليفة على جانب ضعيف في السور، فركزت المجانيق ضرباتها على ذلك الجانب حتى فتح، فدخلت جيوش المعتصم عمورية في 17 رمضان -وقيل أوآخر شوال- وهم يكبرون ويهللون ويعملون السيف في الجنود، ولم يبق مكان محصن إلا الذي فيه مناطس، ثم خارت قواه واستسلم، وغنم المعتصم من عمورية أموالا كثيرة وأسر عددا من الروم افتدى به أسرى المسلمين.
   بعد ذلك أحضرت المرأة العلوية إلى المعتصم، واستقدم العلج الذي عذبها واستهزأء بها، فقال له المعتصم: هذا أنا المعتصم قد جئت على فرس أبلق، ثم قال للمرأة: احكمي فيه بما تريدين. فقالت: أعز الله ملك أمير المؤمنين، بحسبي من المجد أنك انتصرت، فهل تأذن لي في أن أعفو عنه وأدع مالي له؟ فأعجب المعتصم لمقالها وقال: لأنت جديرة حقا بأن حاربت الروم ثأرا لك، ولتعلم الروم أننا نعفو حين نقدر.


قال أبو تمام في فتح عمورية:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف

في متونهن جلاء الشك والريب….

حدث في 17 رمضان سنة 650 هـ

   في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المُبارك وكان يصادف يوم الإثنين أبصر النور في بلدة مرسيّة في الجنوب الشرقي من الأندلس محيى الدين بن عربي المُلقب بالشيخ الكبير، والذي كان من أئمة المتكلمين في كل علم، وهو كما قيل عنه {قدوة القائلين بوحدة الوجود}، وقد وضع أكثر من 251 كتاباً ورسالة، كان مبدعاً في تفكيره مجدداً في آرائه، جريئاً في نظراته رقيقاً في شعره، هو أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي الذي عُرف في المشرق بابن عربي، تلقى مبادئ العلوم الدينية في بستونة ثم في أشبيلية التي كانت آنذاك من أكبر مراكز التصوف في الأندلس في عهده، وقضى نحو ثلاثين عاماً، وضع كتابيه {رسالة القدس} و{الفتوحات المكيّة} بكثير من التقدير والإكبار، قام لابن عربي برحلات عديدة إلى بلاد أخرى في الأندلس لملاقاة العلماء فيها، ولقي بها الفيلسوف الكبير ابن رشد، الذي كان قاضي المدينة آنذاك، في عام 588 للهجرة ترك الأندلس وبلاد المغرب وذهب إلى المشرق ليقضي فريضة الحج، وربما كانت رحلته فراراً من الأندلس والمغرب، وجوهما الصاخب دينياً وسياسياً الذي كان يسودهما من تزمت من جانب الفقهاء، واضطهاد للمفكرين الأحرار من جانب الحكّام، زار مصر في العام الهجري 598 ولكن لم تطب إقامته فيها، لأن أهل مصر أنكروا عليه {شطحات} صدرت منه، فلم يحسنوا وفادته، بل حاول بعضهم اغتياله، وكان ابن عربي كلما هبط إلى بلد، لقيه أهاليها بالتجلي والإعظام، عدا مصر، وخلع عليه كبراؤها الهدايا، ولكن نفسه كانت تعافها ويمنحها للفقراء، لا تكفي المراجع التي ذكرت سيرة محيي الدين ابن عربي على وفرة مادتها في تصوير شخصيته الفذّة تصويراً كاملاً، ولا بد من الاستعانة بكتبه التي كثيراً ما يشير فيها إلى نفسه، شخصيته شخصية معقّدة، متعددة الجوانب بل هي شخصية تبدو لمن لا يفهمها متناقضة أشد التناقض، أقام بدمشق مدة طويلة قبل وفاته، توفي بها في الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني للعام الهجري 638، دُفن بمقبرة القاضي محيي الدين بن الزنكي في جبل قاسيون، قال عنه ابن البسط: {كان يقول إنه يحفظ الاسم الأعظم، ويقول إنه يعرف الكيمياء بطريقة المتازلة لا بطريق الكسب، وكان محيي الدين ابن عربي فاضلاً في علم التصّوف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى