مقالات

الهدف من الانتخابات الرئاسية في سورية !

د. قصي غريب

كاتب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

كان اندلاع الثورة السورية في 18 آذار 2011 ،التصميم الواعد من قبل أغلبية الشعب السوري على استرداد الدولة والنظام السياسي من عصبة عتاة طائفيين استولوا عليهما عنوة بوسيلة الانقلاب العسكري؛ من خلال زعم الانتماء إلى العروبة السياسية ،ورفع رايتها وتبني شعاراتها، ولكنهم في الحقيقة كانوا يمارسون التقية، فحكموا بالطائفة والطائفية ،وقاموا بدور سلبي بالضد من المصالح السورية والعربية، فضلاً عن ذلك فقد كانت الثورة السورية الخطوة الجسورة لتقويض النظام الرسمي العربي التابع للقوى المعادية لأمة العرب والشروع في إقامة النظام الوطني الديمقراطي القائم على المساواة والعدالة والشفافية والمحاسبة الذي من الممكن أن يكون الحجر الأساس لإقامة الوحدة العربية على غرار الديمقراطيات الأوربية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية وسعت إلى الوحدة الأوربية وحققتها ولكن هذا التوجه الوحدوي في العالم العربي يتعارض مع الحسابات الاستراتيجية المعادية القائمة على أن الحكم في سورية ،وفي المشرق العربي يجب أن يكون بيد الأقليات وبعيداً عن متناول الأغلبية لأنها تشكل خطراً على مصالحهم في المنطقة عامة، وعلى وجود إسرائيل خاصة ،فقيام نظام حكم وطني ديمقراطي سيكون حرّ الإرادة وصاحب القرار، وأقل استعداداً لقبول الإملاءات الأجنبية ولذلك هم يرون أن حماية هذه المصالح وديمومتها لن يستمر إلا إذا كان الحكم بيد الأقليات؛ وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إلى السعي الحثيث لوأد الثورة السورية، واستمرار بقاء نظام الأقلية الطائفي الخدمي من خلال استخدام كل طرق ووسائل الحيلة السياسية ،ولا سيما في ظل وجود معارضة رخوة تسيدت المشهد المقابل للنظام الطائفي المجرم ولكنها في الواقع لا تختلف عنه بشيء حيث يسيطر على أغلبها عقلية وسلوك ما قبل الدولة، وبسبب طموحها باستلام السلطة سكتت وتناغمت بمعرفة وجهل مع هذا التحايل حتى لا تثير حفيظة الإدارة الأميركية صاحب القرار والفعل في الساحة الدولية.

وقد بدأ التحايل الذي تقوده وتوزع أدواره وترعاه الولايات المتحدة عندما أعلنوا بالقول الوقوف إلى جانب الثورة كأصدقاء للشعب السوري، فأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة وكذلك أدان مجلـس الأمـن انتـهاكات حقـوق الإنـسان الـتي ارتكبـها نظامه ضد السوريين ،واعترف أن ما يحصل في سورية له أثر مزعزع للاستقرار في المنطقة وخارجها واتهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قوات النظام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ،وطالب بمحاكمة المسؤولين عنها ولكن على الرغم من هذه التصريحات وبناء على الرغبة الأميركية في استمرار بقاء النظام الخدمي لم تقم بواجبها الأمم المتحدة وتعمل بتطبيق بنود ميثاقها من خلال ضم قواها باتخاذ التدابير الفعالة الملائمة كي تحتفظ بالسلم والأمن الدولي ضد ممارساته الاجرامية ،وفي مقدمتها سحب الاعتراف السياسي والدبلوماسي منه باعتباره يهدد الإخلال بالسلم والأمن الدولي حتى يبقى ويستمر له الحق في تمثيل الدولة السورية فتحايلوا على الشعب السوري الثائر باستخدام الذين اختاروهم بعناية فائقة ووضعوهم في المشهد السياسي واعترفوا بهم من خلال ما يسمى الائتلاف كممثلين عنه وقد فاتهم أن هذا الاعتراف لا قيمة قانونية له إذا لم يتمتع بالشخصية القانونية الدولية ،بحيث يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات فالاعتراف له أهميته الخاصة في مجال تحديد من يكون له الحق في تمثيل الدولة ويتمتع بالحصانات والامتيازات المقررة طبقاً لأحكام القانون الدولي، ويكون سلطة ذات سيادة داخلية وخارجية.

إن النظام المجرم في سورية على الرغم من أنه فاقد الشرعية الشعبية، إلا أن دول الأمم المتحدة التي تقودها الولايات المتحدة ما تزال تعترف به سياسياً ودبلوماسياً ،وترتبط معه بعلاقات كممثل للدولة والشعب السوري ،ولذلك جاء تحديد ما يسمى بمجلس الشعب السوري يوم السادس والعشرين من أيار 2021 موعداً للانتخابات الرئاسية هو من أجل إعطائهم شرعية الاستمرار في الاعتراف به كما أن تأكيد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن الانتخابات الرئاسية القادمة في سورية ليست جزءاً من العملية السياسية التي ينص عليها قرار مجلس الأمن 2254 هي عبارة عن استمرار الغي بالمشاركة في جريمة لعبة التحايل الدولية على الشعب السوري الثائر لأنهم لو كانوا صادقين وبما يتفق ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة لقاموا بسحب الاعتراف به وانتهت اللعبة القذرة.

ولذلك إن لعبة التحايل ستبقى مستمرة إذا بقي السوريون بالعقلية الرخوة المستسلمة لثقافة التدليس ؛ولن يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام تجاه انتزاع الحرية الحقيقية والحياة الكريمة ،ولاسيما إذا بقي يسيطر على توجيه المشهد السياسي والثقافي والإعلامي للثورة السورية التيار السياسي الانتهازي تربية الطائفي الأول حافظ الأسد القائم على تكريس الرداءة الوطنية، والذي لا يختلف بالعقلية والسلوك عن نظامه الرث الذي حول الدولة السورية إلى ملعب لتسوية حسابات صراع مصالح القوى الدولية والإقليمية ،على حساب حرية وكرامة وحياة الشعب السوري. 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى