مختارات

القادة العرب والفرص الضائعة

كم فرصةً أضاعها معظم قادتنا الميامين، على أثرها ضاعت حقوقنا العربية في العراق وسورية ولبنان واليمن والسودان والقرن الأفريقي، وقبل ذلك ضاعت فلسطين وسبتة ومليلة والإسكندرون والأحواز وأوغادين والحبل على الجرار في قادم الأيام. ضيّعوا هيبتنا وأهدروا كرامتنا وبذّروا ثرواتنا. صادقوا من ليس جديرا بصداقتنا، وتحالفوا مع كل من أراد بأمتنا شرّا، وآخرهم إسرائيل. تركوا روسيا الاتحادية تجرّب أحدث أسلحتها على رؤوس أهلنا في سورية، فقتلت الإنسان وأحرقت الزرع وجفّفت الضرع، ودمّرت المنازل والمستشفيات والجامعات والمدارس، وشرّدت أكثر من 15 مليون سوري. وقبل سورية، شرّدوا ملايين العراقيين، ومعظمهم من أصحاب المؤهلات العلمية العالية، وكان لإيران النصيب الأكبر في “الكعكة العربية”. .. حدث ذلك كله، وقادتنا في غيّهم يعمهون.

(2)

تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية، قبل أيام، أن مفاوضات جرت في بغداد بين السعودية وإيران، بوساطة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. وسرعان ما نفت الرياض تلك الأخبار، ولم تكذبها طهران أو تقرّها. والمفاوضات بين الدول، في حالات الحروب وفي اشتداد الأزمات، أمر مشروع، ولا عيب فيه ولا خجل. أقرّت إيران عن طريق أطراف بعيدة عن السلطة إعلاميا بأن محادثات تمت في بغداد بين رجال مخابرات سعوديين وإيرانيين، وهناك من أنكر الحدث وهناك من راوغ. وهنا يطلب المواطن العربي المغلوب على أمره مصارحته بما يجري حوله، وأن يدرك “قادة دبلوماسية الفهلوة” أن دبلوماسية الغرف المظلمة لم تعد مجديةً في عالم مفتوح لم يعد فيه أسرار.

لا ناصر للدول الضعيفة، والحرب من وسائل الدبلوماسية لاسترجاع الحقوق، فهل لديكم، يا قادتنا الميامين، إرادة لحجز مكان لنا نحن العرب بين الأمم المنتصرة؟

ناديت منذ سنين أن الحوار مع إيران أمر تفرضة الجغرافيا والتاريخ، فإيران دولة مكتملة التكوين، وفيها مؤسسات متجذّرة في مجتمعها، تقابل العالم بوجوه متعدّدة، لكن هدفها واحد لم يتغير. لم تكن إيران قوية سياسيا أو اقتصاديا، وحتى عسكريا، قبل احتلال العراق عام 2003. وناديت، في أكثر من مناسبة، بأن الوقت مواتٍ للحوار مع طهران، قبل أن تجمع قواها. وكان يعيننا في ذلك المقاومة العراقية الباسلة في العراق التي تجاهلها قادتنا، حتى تمكّنت منها إيران، عن طريق عملائها في العراق. ناديت بحماية الحدود العراقية ــ الإيرانيه (1458كلم)، منعا لتسلل جحافل المليشيات المسلحة الإيرانية إلى العراق. ناديت بالانتصار للمقاومة العراقية الباسلة، ولكن لا مجيب. لقد انشغل قادتنا الميامين، وما برحوا منشغلين، بمحاربة بعضهم بعضا على صعيد العراق، وإيران وحدها في الساحة العراقية، أحكمت قبضتها، والخلاص من تلك القبضة الفارسية يحتاج عملا غير عادي.

لم ينشغل قادتنا بتوحيد قوى المعارضة السياسية والمسلحة لمواجهة الشر القادم على العراق والعرب جميعا. راحوا يتنافسون فيما بينهم لمن تكون السيادة على العراق، لهذا النظام أم لذاك، وفشلوا جميعا، وخرجت دولة العراق ليحتضنها الحضن الإيراني المدعم بالفكر الطائفي المقيت. وهذا هو العراق اليوم ينخره الجهل والمرض والأمية والفقر والفساد والظلام (انظر مقال الكاتب “العراق بعد 18 عاما”، “العربي الجديد”، 14 إبريل/ نيسان الحالي)

(3)

تهيمن إيران اليوم هيمنة كاملة على أربع عواصم عربية. تصل نيران سلاحها إلى أسوار قصور الحكام والمؤسسات الاقتصادية والمراكز الاستراتيجية، والشاهد على ذلك ضربات نيران الحوثي المؤيَّد والمنصور من إيران تطاول معظم مدن السعودية، وتعدت لتصل إلى الإمارات المتحدة. أثبتنا بأفعالنا وسياساتنا المرتجلة ضعفنا، وأن مهمتنا حماية الذات، لا الوطن، فصغرنا في نظر قادة الدول العظمى. قال الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، بحسب ما نقل عنه مستشار له، إن العرب متخلفون وبدو وليس لديهم حضارة، فيما كان يقول إنك إذا نظرت إلى تصرفات الإيرانيين تجدهم استراتيجيين وغير متهورين ولديهم نظرة عالمية، وأن ايران ترى نفسها لاعبا مهما على المسرح الدولي. لهذا، يحسب العالم الصناعي حسابا لإيران، ولا يقيم لنا، نحن العرب، وزنا.

(4)

جاء بعض قادتنا الكبار ينشدون التفاوض مع إيران عبر قنواتٍ متعدّدة، وعلى مستوياتٍ مختلفة، ولا ضير من تلك الحلقات من التواصل، ولو على استحياء. إيران اليوم ليست إيران قبل خمس سنوات. وعلى ذلك، يجب أن تكون آلية التفاوض معها مختلفة، ومن منطلق القوة لا الضعف. ومن هنا، يجب تحقيق نصر فعلي في الساحة اليمنية، مستخدمين دبلوماسية الردع الحاسم. وكل وسائل القوة والإكراه متوفرة إذا توفرت الإرادة السياسية الوطنية عند القيادة السياسية. ويجب الحسم في سورية لصالح الشعب السوري وتحجيم أدوار الدول الأخرى التي تحتل سورية.

إيران اليوم ليست إيران قبل خمس سنوات. وعلى ذلك، يجب أن تكون آلية التفاوض معها مختلفة، ومن منطلق القوة لا الضعف

يجب الانفتاح المباشر على تركيا وشدّ أزرها في مواجهة قوى التآمر وتشعيب أزماتها. قد نختلف في اجتهاداتنا تجاه مشروع تركيا، ولكن اللحظة الراهنة تقتضي منا جميعا تجنيب كل الاجتهادات جانبا، والتركيز على ما نريد، نحن العرب، وهو أن نظهر أمام العالم بأننا قوة واحدة ذات سعة في السوق (350 مليون إنسان) ووفرة في الموارد الطبيعية والطاقة، وفوق هذا المكانة الاستراتيجية، والتي هي مركز مواصلات واتصالات العالم. نملك ونستطيع أن نحكم كل الممرات التجارية في العالم برا وبحرا وجوا، ومن هنا يكون ردّنا على أوباما.

5)

لا يحسب العالم للضعفاء حسابا. يجدّ في تقديم وجبات الطعام والخيام للضعفاء والمشرّدين من ويلات الحروب والنزاعات. تقديم المبادرات والتنازلات والشكوى إلى مجلس الأمن في شأن الحوثيين في اليمن غير مجدٍ، والدعوة إلى العملية السياسية جرّبها العرب، وكانت نتائجها وخيمة عليهم في العراق، فلا يجوز تكرار التجارب الفاشلة. الحسم الفعلي في الشأن اليمني أمر مطلوب عن طريق القوة لتحقيق مخرجات الحوار الوطني، وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرات مجلس التعاون الخليجي بكل سلبياتها. يمهد فعل ذلك الطرق لإجراء عملية تفاوضية مع كل الأطراف، حوثية كانت أو إيرانية.

آخر القول: لا مكان للضعفاء بين الأمم. ولا ناصر للدول الضعيفة، والحرب من وسائل الدبلوماسية لاسترجاع الحقوق، فهل لديكم، يا قادتنا الميامين، إرادة لحجز مكان لنا نحن العرب بين الأمم المنتصرة؟

المصدر : العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى