حقوق وحريات

بعد مغامرة شباب الفنيدق .. هل سينفذ المعاقون المعطلون تهديدهم للوزيرة جميلة المصلي باللجوء الإنساني إلى “إسرائيل”؟

عبد العالي كويش (أبو المعالي)

شاعر وأديب من المغرب
عرض مقالات الكاتب

حملت إلينا الأنباء خبر قيام عشرات الشباب المغاربة في اليومين السابقين السبت والأحد بهروب جماعي من مدينة الفنيدق الشمالية إلى مدينة سبتة المغربية المجاورة التي تحتلها إسبانيا منذ قرون ، قصد إيجاد فرص عمل هناك ، وذلك بواسطة السباحة لقرب المسافة بين شاطئي المدينتين ، وأكدت الصحف وصول 70 شابا مغربيا إلى سبتة المحتلة ، فيما لفظت أمواج البحر جثتي شابين لقيا مصرعهما في محاولة العبور، وما زال عدد آخر من الشباب المغامرين في عداد المفقودين .
هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها شباب من الشمال المغربي باللجوء إلى سلطات الاحتلال الإسباني جاءت بعد الإجراءات المفاجئة التي اتخذتها حكومة العثماني بفرض الإغلاق التام في شهر رمضان ابتداء من الثامنة مساء إلى السادسة صباحا ، مما عرض عشرات الآلاف من الأسر للجوع وفقدان مصادر أرزاقها .
مشهد مؤلم لشباب المغرب الذي يعاني في بلده .هذا البلد الذي عامله بالقمع والحرمان وفرض عليه الفقر الشديد ، ويركب المخاطر ليجد مكانا يحتضنه ويمنحه الأمان ولقمة العيش ، فلم يعد يجد خيارا آخر بعد القرارات الحكومية التفقيرية للشعب وسياساتها التي ترسخ التفاوت الاجتماعي وانسداد الآفاق وإشاعة اليأس بين الشباب .
تذكرنا هذه المغامرة التي أقدم عليها شباب الفنيدق ، بذلك التهديد الذي وجهه حملة الشهادات الجامعية في وضعية إعاقة ، إلى جميلة المصلي وزيرة التضامن ، في رسالة مفتوحة تناقلتها العديد من الصحف الإلكترونية، حيث أكد هؤلاء الشباب الذين يعانون البطالة والفقر والتهميش ، أنهم سيحرقون شهاداتهم أمام مقر وزارة التضامن في الرباط ثم سيقدمون طلب اللجوء الإنساني إلى “إسرائيل “.
إنه تهديد جدي من الشباب المعاقين الذين انفقوا سنوات كثيرة من أعمارهم في الدرس والتحصيل للحصول على شهادات جامعية ، حتى إذا نالوها بعد جهد وعناء وتحد للمجتمع الذي يرمقهم بنظرية دونية ، وجدوا أنفسهم في الشارع بدون عمل ولا موارد ، وأغلقت الدولة أبوابها في وجوهههم ، وحرمتهم من التوظيف ، حتى تلك الكوطا التي قررها الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي سنة 2001 والتي تنص على تخصيص سبعة في المائة من مناصب مباريات الوظيفة العمومية للأشخاص المعاقين لم تطبق لحد الآن ، وتم تفويت المناصب فيها للمترشحين الأسوياء!
خطوة اللجوء إلى “إسرائيل ” ليس عليها إجماع بين المعاقين حملة الشهادات الجامعية ، ففريق منهم يرى أن التعامل مع كيان محتل استولى على فلسطين وهجّر سكانها ومارس القتل والاضطهاد يوميا لا يجوز بأي حال من الأحوال ، وفريق ثان يعتقد أنها قضية سياسية لا شأن له بها وأن ما بهمه هو قضاء مصلحته كما تفعل الدول والحكومات ويتشجع باتفاقية التطبيع الذي وافق عليها المغرب ، حيث إن رئيس الحكومة وزعيم الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) سعد الدين العثماني وقع على اتفاقية التطبيع رسميا مباشرة أمام الكاميرات وتلقى الدعم الكامل من حزبه! وقد بدأت الاتصالات المباشرة بين وزراء الحكومتين وتم الاتفاق على التعاون في مجالات اقتصادية واجتماعية ورياضية ..إلخ وقريبا سيبدأ تسيير رحلات جوية مباشرة بين الدولتين .
هذه الخطوة التي صرح بعزمهم على القيام بها معاقون متضررون من سياسة الحكومة اتجاه فئتهم ، والتي واجهوا بالإعلان عنها الوزيرة جميلة المصلي باعتبارها المكلفة داخل الحكومة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ، (هذه الخطوة) قد تنال ترحيبا من الجانب الآخر الذي سيفرك أصابعه فرحا بتقبل جزء من الشعب المغربي لفكرة التطبيع ، بعد عقود من الرفض التام المجسد في مظاهرات مليونية في العاصمة والدار البيضاء .
ولكنها كذلك ستكون خطوة انتحارية لشباب لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد أن وجدوا شهاداتهم الجامعية لا تصلح لشيء ، فأصبحوا عالة على أسرهم الموجودة أغلبها تحت خط الفقر . أقول انتحارية بسبب اللجوء إلى سلطات بلد غاصب ولسان حالهم يقول : شياطين الصهاينة أرحم من ملائكة العدالة والتنمية.

فما رأي الوزيرة جميلة المصلي ذات الوجه الملائكي التي تملأ صفحتها الرسمية في الفيسبوك بأنشطتها الميدانية وهي تفتتح المؤسسات وترعى الأحداث الخاصة بالمسنين والأطفال والأرامل، في هذا التهديد الخطير الموجه من أشخاص معاقين مفروضة عليهم البطالة ومحرومون من ولوج الوظيفة رغم شهاداتهم الجامعية ، ومنهم من تجاوز الخمسين من العمر ومرت أكثر من عشر سنوات على نيله الشهادة ؟
نتوقع أن تجيب الوزيرة المصلي ، إن خرجت أخيرا عن صمتها بعد أكثر من شهر من الرسالة المفتوحة الموجهة إليها، بأن الحكومة نظمت مباراة موحدة سنوية لفائدة ذوي الإعاقة ، قصد مساعدتهم على ولوج الوظيفة العمومية ، وانه قد فاز أكثر من ستمائة مترشح في وضعية إعاقة بمناصب الوظيفة، خلال المباريات الثلاث المنظمة سنوات 2018و2019و2021 ، لكن أي دور لهذه المباراة في التقليص من البطالة وهي مفتوحة أيضا للموظفين الذين شاركوا فيها وأخذوا مناصب خاصة بالعاطلين ، ناهيك عن خروقات كثيرة في هذه المباراة تضرب مبدأ الاستحقاق المذكور في الدستور؟ ولنفترض أن المباريات كانت نزيهة ونظيفة، وهذا مستبعد كليا ، فماذا أعدت الحكومة للمترشحين الذين لم يمروا في المباراة الأخيرة وعددهم 1300 ، إذا صحت إحصائيات وزارة التضامن ؟
ترى ماذا ستقول الوزيرة لهذا العدد الضخم من المعاقين حملة الشهادات العالقين بين أنياب البطالة والفاقة ؟ هل ستطلب منهم انتظار المباراة القادمة للسنة القادمة التي قد تُجرى وقد لا تُجرى إذ أنها لم تقدم أي تعهد بذلك للوزير مصطفى الرميد حين راسلها في الموضوع ؟ أم أنها ستأخذ احتجاجاتهم بعين الاعتبار وتعمل على إيجاد حلول مناسبة لهم بإدماجهم في برامج الوزارة ومشاريعها وتسريع تفعيل القانون الإطار 13.97 الذي يعطيهم بعض المكاسب ؟ أم ستظل على صمتها وتترك المعاقين المتضررين يهاجرون إلى ” إسرائيل ” ليأخذوا من مسؤوليها خبزا مسروقا من الفلسطينيين .

جميع المؤشرات تؤكد أن المعاقين حملة الشهادات العاطلين في المغرب قد عيل صبرهم ، لا سيما أنهم يواجهون سياسة الأبواب المسدودة والآذان الصماء ، وقد يقدمون على خطوات يعلم الله ماهية عواقبها ، وما حادثة شباب الفنيدق إلا نموذج مصغر لجيل جديد يئن بين براثن الحرمان ويبحث بأية طريقة عن الانعتاق .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا لهذه المجلة المحترمة لنشرها صوت الحقيقة وتعاطفها مع هذه الفئة المهمشة في المجتمع .فئة المعاقين حاملي الشهادات الجامعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى