دين ودنيا

إضاءات في السياسة الشرعية 3

د. عمر عبد الله الحلبي

21) في السياسة الشرعية – أصحاب المنهج السليم ، لايأخذون النص المتشابه ( منفرداً ) .. بل ( متشابهاً مثاني ) فحينما يضم النص المتشابه إلى مثيله المتشابه المتكرر في موضع آخر من القرآن، بناء على الوحدة الموضوعية، فإننا نستطيع التوصل إلى تأويل النص، وبذلك نستخرج طاقاته وقواه، فتتحصل لدينا منظومة محكمة، تؤخذ بمجموعها، لابآحادها .. – وأما منهج الذين في قلوبهم زيغ ، فهو اجتزاء النص المتشابه، مقطوعاً عن النصوص الأخرى المشتركة معه في السياق والوحدة الموضوعية، وهو مايمثل نموذجاً من نماذج الانحراف .. كمنهج_النسويات وأصحاب القراءات التحريفية_المعاصرة فالفتنة في منهجهم تكمن في أخذ النص المتشابه بشكل مجتزأ .. وتنزيله على ظرف وموضع لايحتمله.. * هذا العلم بالغ الأهمية لإدارة العملية السياسية بفهم دقيق للمرجعية الإسلامية ، قرآناً وسنّة. فتنزيل الحكم على الواقع بدون ضوابط، أو تعميمه على جميع مراحل العملية السياسية ، على حد سواء ، دون النظر إلى الواقع والمآل، هو وجه من وجوه اتباع المتشابه، المذموم والمنهي عنه .. (22) في السياسة الشرعية من صور الانحراف ..الانحراف عن المرجعية ، مرجعية القرآن والسنّة النبوية الصحيحة – الايمان بها ، ايماناً مجرداً مع رفض التحاكم إليها ، هذا ايمان صوري، يفتقر إلى الدليل ، ويوجب التهمة، بل هو خبر كاذب غير مطابق للواقع في نفس الأمر { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بماأنزل إليك وماأنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } [ النساء : 60]. (23) في السياسة الشرعية ، من صور الانحراف ،الانحراف عن المرجعية ، مرجعية القرآن والسنّة النبوية الصحيحة – وآخرون يدّعون أن احتكامهم إلى الطاغوت لم يكن إلا لأنهم يريدون الإحسان والتوفيق، ويريدون الخير للأمة ومصلحة الدعوة ، وهذا يشير كما يظهر أنهم بنوا تصوراتهم ومقررات عقولهم مسبقاً بأن الاحتكام إلى منهج الله ورسوله، لايؤول بهم إلى الاحسان والتوفيق .. { أولئك الذين يعلم الله مافي قلوبهم فأعرض عنهم } نحن مأمورون أن نعرض عنهم ، ونزجرهم، ونعظهم بأفحش العبارات .. ومثل هؤلاء لايؤتمون على الدعوة ، ولايصلحون للإمساك بزمام أمورها ، وليس لهؤلاء أن يديروا العملية السياسية للكتلة المسلمة .. ( 24) في السياسة الشرعية ” كان خُلقه القرآن ” عبارة غنية عن التعريف .. صرّحت عائشة ،رضي الله عنها، واصفة النبي صلى الله عليه وسلم : ” كان خلقه القرآن ” . ومعنى هذا : أنه عليه الصلاة والسلام ، صار امتثال القرآن له امراً ونهياً ، سجية وخُلقاً تطبَّعه، وترك طبعه الجبليّ . ( وكل ماجاء في القرآن من توجيه، كان خُلقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يمارسه في عالم الواقع، ويمارسه على الصورة المثلى، قبل أن يدعو إليه الناس، قبل أن يربي عليه أصحابه الكرام ..) ولانحسب أن معنى قولها، رضي الله عنها ،” كان خُلقه القرآن” الأخلاق بالمعنى المتداول فحسب، من البشاشة وحُسن التعامل والعفّة وغيرها إنما معناه : ( أن كل ماكان في القرآن صار صبغة صَبغتْه – صلى الله عليه وسلم – ومنهجاً يُسيِّر حياته ويضبطها ..). { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }[ الأحزاب : 21]. (25) في السياسة الشرعية … إن الله لن يدفع لنا حقّنا الموعود بالنصر والتمكين والاستخلاف حتى يأنس منّا الرشد، ولذلك رسم الله لنا الطريق، الذي نكون فيه قد حققنا شروط الرشد سلوكاً .. وطريق الرشد، كطريق للتمكين والاستخلاف، هو طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .. { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} [ التوبة : 55-56]. (26) في السياسة الشرعية ، الأمة في حاجة إلى اصلاحات كثيرة ،وفي كل اتجاه، لأنها متخلفة في كل اتجاه .. ولكن الخلل الأكبر في حياتها اليوم، هو التخلف العقدي، – سواء كان هذا التخلف جهلاً بمقتضى لا إله إلا الله ، كما أنزلها الله . – أو تقاعساً عن العمل بمقتضياتها . ( وكل إصلاح لايضع هذه النقطة في حسابه، فهو اصلاح مبتور، لايغيّر شيئاً حقيقياً في الواقع ..) (27) في السياسة الشرعية ،السنّة النبوية الصحيحة، (والسيرة النبوية ) واتباع ماجاء فيها، وجعلها المعيار الحقيقي للتطبيق في الحياة السياسية ، سواء في حالة التمكين أو عدمه، هو الطريق، إما للوصول إلى حالة التمكين، أو الحفاظ عليه .. وبهذا يكون الوعد في الانتقال من حالة ( الخوف إلى الأمن )؛ أي : الاستقرار السياسي للمشروع الإسلامي، الذي تعقبه خلافة راشدة ، على منهاج النبوّة .. (28) في السياسة الشرعية ، والواقع اليوم، ليس بالسهل ولا بالهيّن .. إنك لاتبذل جُهداً على الإطلاق، في أن تجعل أي إنسان يقول : لا إله إلا الله ..فهو يقولها صباح مساء.. عشرات وربما مئات من المرات في كل يوم .. ولكنك في حاجة إلى جهد كبير تبذله لتجعله يزيل من قلبه أولاً آثار الفكر الإرجائي، الذي يقول : إن الإيمان ، هو النطق والإقرار، وليس العمل داخلاً في مسمّى الايمان ! (29) في السياسة الشرعية ، الأمة الإسلامية اليوم ، إلا من رحم ربك ، تريد أن تمارس الإسلام شكلاّ بلا مضمون … ولهذا أصبحت غثاء كغثاء السيل ، وتداعت عليها الأمم كما تداعت الأكلة إلى قصعتها . (30) في السياسة الشرعية ، من لوازم إعداد الدعاة ( الذين هم الأداة التي يُرجى أن تغيّر أحوال الأمة فتخرجها من حالة الغثاء التي أصابتها وتعيدها إلى حقيقة الإسلام ) ، أن يعلموا موطن الخلل في الأمة، التي يقومون بالدعوة فيها، ويعلموا كذلك وسائل العلاج .. وموطن الخلل الأكبر فيها، عدم العمل بمقتضيات لا إله إلا الله، في الواقع.. والاكتفاء في أمرها بالنطق والإقرار ..( الفكر الإرجائي ) . وإن من ألزم اللوازم للدعاة أن يكونوا هم بريئين من هذا ( الخلل ) وأن يكونوا بفكرهم وسلوكهم ومشاعرهم أنموذجاً لما يدعون الناس إليه !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى