مقالات

حربٌ على الاسلام ونشرٌ للعلمنةِ بالقوة الغاشمة في آنٍ واحد!

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر  التي استهدفتْ الولايات المتحدة في 2001، أصبح الإسلام كدينٍ يوصف بأنه الأكثر انتشاراً في العالم ومن ثمَّ أصبح هو المستهدف في الغرب والشرق على حدٍ سواء، وحتى لا تكون الحرب مباشرة ضد الإسلام نفسه تم فبركةٌ مسميات مثل “الإسلام المتطرف” و”الإسلام الراديكالي” و”الإسلام الأصولي” وغيرها من المصطلحات الأخرى التي تظهر أنها لا تستهدف الدين كشعائر، ولكن الدين كواقع يغيّر حياة الناس ويُسيّر شؤونَهم.

هذه الحرب على الإسلام أخذت تتلون وتتشكل وأطلقت العنان للغرب حتى يصنف التطرف كما يراه هو – وليس كما هو في عرف الدين الإسلامي أو علم الأصول أو حتى في العلوم الجنائية والقانونية- ، فوصل الأمر لحد أنّ كل من يلتزم به في عرف الغرب أصبح متطرفا.

وقد سمعنا وزير الخارجية الأميركي الأسبق تليرسون في جلسات استماع في الكونغرس وهو يتحدث عن اتفاقات مع دول عربية وإسلامية ليس على تغيير المناهج في المدارس والجامعات وحذف ما يراه الغرب منها من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية وتحويل الدين الإسلامي إلى كهنوت يشبه الكهنوت الكنسي فحسب، وإنما أن تقوم هذه الدول بجمع الكتب الإسلامية التي يرى الغرب أنها خطر عليه من مكتبات الجامعات والمدارس والمراكز الإسلامية والمساجد وتسليمها للحكومة الأميركية ، وليس الاكتفاء بحرقها – مثلما حدث في مدارس مصر حينما قام نظام السيسي بعد الانقلاب بإقامة حفلات لحرق الكتب الإسلامية في فناء كل مدرسة بعدما يتم جمعها من المكتبات .

إن تحالفاً شيطانياً عالمياً اجتمعت أطرافه من كل حدب وصوب همه الأول والأخير هو تشويه الإسلام وتدمير معانيه الإنسانية في نفوس العالمين وإظهار المسلمين على أنهم شياطين يريدون تدمير العالم وليس هدايته للحق والعدل وقيم الإنسانية العليا كما جاء في القرآن والسنة ، وكما تحمل معاني الإسلام.

ففي العالم العربي والإسلامي نصَّب كثير من السياسيين والعلمانيين وحتى بعضُ المسيحيين والملحدين والجهلة أنفسهم كمفسرين للإسلام وممثلين لتعالميه يأخذون من آيات القرآن ومن الأحاديث النبوية ما يريدون ، ويفسرونه بما يوافق هواهم وفُتحت لهم الفضائيات ليقولوا ما يشاؤون ونُصِّب آخرون ليشوهوا تاريخ الإسلام والمسلمين حتى أن محطات تليفزيونية عالمية تعاقدت مع إعلاميين جهلة ومفكرين فاسدين حتى يقدموا حلقاتٍ يشرحون فيها للمسلمين والعالم “الدين الإسلامي الجديد” الذي يريدون نشره بين الناس.

لقد اجتمع المفسدون في المشرق والمغرب في آنٍ واحدٍ لتقديم فروض الطاعة والولاء والانبطاح والاتباع لما يُرسم في الغرب، حتى أنهم أصبحوا يأخذون دينهم مما تُقرّره العواصم الغربية وإسرائيل، وما تنشره مراكز الدراسات والأبحاث الغربية وأجهزةُ الاستخبارات التي تكره الإسلام وتقوم بتشويه صورته وصورة أتباعه من خلال دراسات وتقارير ممولة بأموالٍ طائلة حتى تقدم في النهاية صورةً مشوهة للإسلام وأعلام المسلمين في كل أنحاء العالم، وتخلط الفاسدَ بالصالح والخطأ بالصواب والوسطية والاعتدال بالتطرف والمغالاة وأصبحت تدور كلها في إطار التشويه والتدمير والشيطنة.

وبالتزامن مع الحرب المعلنة على الاسلام كدين، يأتي مشروع علمنة المجتمعات العربية والاسلامية بالقوة الغاشمة، وليس ما يجري في دول مثل مصر والسعودية والامارات وغيرها من دول المنطقة إلا جزء من هذه المؤامرات والمخططات التي تهدف بالأساس إلى تدمير هوية المجتمعات العربية والاسلامية، وتدمير الشباب بشكل خاص وصرفهم إلى ما يدمر أخلاقهم وبناءهم النفسي .

إنها عملية تجري على قدم وساق منذ أن قام السيسي بانقلابه ، حتى أن أحد أهداف الانقلاب الأساسية هو تدمير الدين في نفوس المصريين وأن يصبح التَّدين تهمةً.

لقد جاء الزمان الذي أصبح يُعَيَّر فيه المؤمن بإيمانه والمتديّنُ بتدينه، أما من يجهرُ بالعداء للدين فأصبحت البرامج التليفزيونية مفتوحةً أمامه ليبث هرطقاته وأكاذيبه و فتاواه الفاسدة حتى يشغل الناس بما يبعدهم عن دينهم، وأصبحت القضايا القبيحة والتافهة التي تدخل بيوت الناس كفيلة بأن تدمر ما تبقى من دينٍ وخلقٍ عند الناس.

لقد دمرت العلمانية المجتمعات الغربية ، وتفشت كل الأمراض الاجتماعية في تلك المجتمعات وأصبحت تهدد وجودها ؛ فالأسرة هُدِّمت والأخلاق لم يعد لها وجود ، وقبل عشرين عاما كان يطلق على المثليين (الشواذ) وكانوا يحاربون ،لكنهم الآن يتزوجون من بعضهم البعض تحت سقف الكنيسة.ويبدو أن الذين يقودون علمنة الدول العربية والاسلامية يريدون أن يقودوا المجتمعات الاسلامية إلى هذا المصير الأسود ، بل إن هناك من يتربص بكل من يكتب تغريدة أو يُبدي رأياً رافضا فيكون السجن مصيره ، والأكثر من ذلك أصبح الصمت عن تأييد العلمنة أمرا يوجب الاعتقال والسجن للصامتين في بعض الدول العربية.

إن الهدف النهائي هو تدمير المجتمع وتدمير الوزاع الديني في حياة الناس وتدمير الإنسان، بل وتدمير البناء الإنساني الذي تماسك به المجتمع الاسلامي وتميز به عن كل المجتمعات الأخرى على مر العصور.

إن هؤلاء الذين يقودون المجتمعات الإسلامية نحو العلمنة ليسوا سوى أدواتٍ في أيدي أعداء الأمة، وإن المشكلة ليست في الغرب أو في أي دولة ترى في الإسلام والمسلمين خطرا عليها ، لكن المشكلة في المسلمين أنفسهم حيث تحالف جزء منهم مع أعدائهم و تخاذل آخرون عن نصرة دينهم، وتقاعص العلماء والدعاة عن تقديم الإسلام على حقيقته للناس: أنه دين يقيم العدل ، وينشر الرحمة والسلام والأمان والمساواة بين الناس.

لكن ما يُطمئن الإنسان المسلم هو أن ما يجري ليس سوى زبد سيذهب جفاءً ، ولن يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس، ومهما أنفقوا من مليارات فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ، لأنها في النهاية حرب مع الله (ومن يغالب الله يُغلَب ولو بعد حين ) ، و من يقرأ التاريخ ويعي قصص القرآن يدرك أنه إذا عجز الناس عن ردِّ الباطل فإن ربَّ الناس يتدخل بقدرته وآياته ليردَّ الناس إلى الإيمان به ، ولتذكيرهم أنه مالكُ الملك وهو المُدبِّر علَّام الغيوبِ (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى