كان أسبوعاً أسود حزيناً في الأيام العشرة الأولى من رمضان المبارك حيث توالى فقداننا لمجموعة من الأخوة والأصدقاء من قادة الفكر والسياسة في سورية بشكل خاص وعلى امتداد الجغرافية العربية بشكل عام.
(وسأكتب عنهم كما تعرفت عليهم بدون الغوص في الشخصنة والتركيز على دورهم في الشأن العام)
كان أول الراحلين الحبيب والصديق حبيب عيسى ” أبو عصمت” ولكم كنت أتمنى من كل قلبي أن أتعرف عليه وأقابله بشكل فيزيائي لكن عاكستنا الظروف والأقدار من تحقيق ذلك؛ تواصلت معه عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحاورنا وتناقشنا لم نختلف وتواعدنا أن يكون اللقاء يوماً في سورية التي أحببنا والتي ضحينا من أجلها ومن أجل حرية الإنسان ومستقبل أمنه وأمانه وتميز أبو عصمت بصلابة موقفه الوطني ووقوفه في وجه الاستبداد ودفع ضريبة تلك الوقفة من سجن واعتقال لسنوات وحجز على بيته وتجريده من حقوقه المدنية وأولها منعه من السفر، وبقي صامداً صادقاً مع نفسه أولاً ومع فكره ثانياً ولم يهزم أو يهتز قيد شعرة وقاوم كل ما تعرض له ولكن ذاك الوباء (كورونا) الذي تسلل إلى جسده ورغم أنه قاومه في البداية لكن فعل الله كان أمراً مقضياً.
كنت أرى في أبي عصمت أنه من أهم حملة فكر الدكتور عصمت سيف الدولة ومن أهم مجتهدي ومفسري فكره، والأكيد أنه كان من أهم الشخصيات القومية التي عملت وسعت لتأسيس (التنظيم القومي) على امتداد مساحة الوطن العربي الذي دعت إليه نظرية “الثورة العربية” التي كتبها وصاغها المفكر الدكتور عصمت سيف الدولة.
رحيل المحامي الأخ حبيب عيسى خسارة لا تعوض لأهم زارعي الياسمين الدمشقي ليس في دمشق وحسب بل في عموم بلاد الشام.
وفجعت كما فجع غيري من الأخوة والأصدقاء برحيل الأخ تيسير حاج حسين ذاك الأخ الوطني القومي العربي الذي عرفته منذ أكثر من أربعين عاماً مضت كانت ملأى بالحوار والهم الوطني والقومي المشترك عرفته أخاً صاحب شخصية قيادية متميزة ومحاوراً جيداً يستمع بشكل متقن ويتحدث بشكل متزن وهادئ ديمقراطياً في الحوار والسياسة والفكر والحياة الاجتماعية بشكل عام، يتميز بحركية ممتازة ومقدرة على توجيه الحديث والوصول إلى نتائج ترضي جميع من حاوره ومن عرفه ويعرفه.
عرف عنه الصمود في وجه الاستبداد والطغاة طيلة حياته ولم يستطع قهره ذاك السرطان الأسدي ولكن تسلل إلى جسده ـ وللأسف ـ سرطان من نوع آخر ورغم ذلك قاوم أبو تميم ذاك السرطان ورغم تلك المقاومة الكبيرة لكن قضي الأمر وكان ما كان رحمه الله.
خسارتنا برحيله لا تعوض على الصعيد العام والخاص، رحم الله أبا تميم وألهمنا وأسرته وإخوته الصبر والسلوان.
وبالحديث عن الراحل الثالث المناضل الثائر ميشيل كيلو أقول: إن رحيل أبو أيهم خسارة كبيرة للثورة السورية على الصعيد الذاتي والموضوعي كانت رسائله تبعث الأمل عند كثير من أحرار سورية وأكثرهم كان يستشهد بكلامه ويدلل على صحة وجهة نظره بما يطابق كلامه أو لما يجيء في رسائله.
ميشيل كيلو تاريخ من الصراع مع نظام الأسد وابنه، تاريخ من الاعتقالات من أجل الوطن وحرية الوطن وفقراء الوطن، التقيته في أواخر عام ٢٠١٤ أثناء وجودي في مدينة “عينتاب” التركية وعند التعارف قدمت له نفسي أني القادم من الريف الشمالي لحماة (كفرزيتا) فرحب ترحيباً مميزاً وخاصاً لأني قادم من الداخل من تحت القصف والدمار كما قال.
تحدث في الشأن العام وحينها شعرت أني أتحدث مع جبل من النضال والمقاومة والصمود في وجه الطغاة والمستبدين.
الراحل أبو أيهم له ماله وعليه ما عليه لكنه كان حراً ثائراً والعيب بمن خذله وليس به كان ثابتاً ومتمسكاً بثوابت الثورة وحراكها الذي بدأ في عام ٢٠١١.
وأكرر القول إن خسارتنا كبيرة جداً برحيلك أيها الثائر الحر الذي صمد وقاوم استبداد آل الأسد على مدار ستين عاماً، لكن ذاك الوباء فعل ما فعل وكان ما كان فالرحمة لروحك من قبل ومن بعد أبا أيهم.
أراحنا الموت والوباء الذي يفتك بالإنسانية يومين لا أكثر ليفجعنا من جديد بخبر وفاة قامة وطنية “ناصرية” من قامات الفكر والسياسة والنضال والثورة الأخ الكبير
محمد خليفة /أبو خالد/ الصحافي الشاعر المحامي والكاتب وصاحب المواقف المعروفة قومياً ووطنياً.
عرفته صحفياً وهو في مقتبل الشباب فلفت انتباه الآلاف من قراء مجلة الشراع التي كانت تصدر في بيروت العربية في منتصف ثمانينات القرن الماضي وبالطبع كنت أنا العبد الفقير لله كنت ممن لفت انتباههم بما يكتب وخاصةً نشره لحلقات الحوار السياسي والقومي مع الرئيس الجزائري “أحمد بن بله” رحمه الله تعالى، والذي نشره
الأخ محمد خليفة في كتاب لاحقاً حيث اقتنيناه لنغذي به عقولنا ونغني مكاتبنا وكانت الثورة وكان لا بد من التواصل والسعي للقاء أبي خالد فكان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي فتعرفت عليه أكثر في الحوار والنقاش و الاتفاق حيناُ و الاختلاف حيناً آخر إلا أن هنالك قضيتين لم نختلف عليهما بالمطلق الانتصار للثورة السورية والتضحية من أجلها والتمسك بأهداف الثورة التي طرحت في ساحات الحرية في عام ٢٠١١ والقضية الثانية الوحدة العربية والقضية الفلسطينية.
كان محمد خليفة رحمه الله أخاً ناصرياً متميزاً صلباً وقامةً قوميةً لا يخاف في الحق لومة لائم، عروبياً إسلامياً إلى أبعد الحدود ديمقراطياً وملتزماً برأي الأغلبية وإن خالف قناعاته.
التقيته للمرة الأولى في مدينة (أورفا) التركية ضمن لقاء وطني ثوري إلى جانب شخصيات مهمة في النضال الثوري في الثورة السورية، وفي الحقيقة كان لقاءً متميزاً بنوعية الحضور والحوار والنتائج وكان للأخ محمد خليفة دور مميز في نجاح ذلك اللقاء الثوري الذي لم يكتب له الاستمرار لأسباب خارجة عن إرادة منظميه.
أما المرة الثانية فكانت في مدينة “كولن” الألمانية في اللقاء الأول لـ “ملتقى العروبيين السوريين” حيث كنت إلى جانب فقيدنا الكبير في لجنة المتابعة لذلك اللقاء واستمر اللقاء لمدة يومين وكان – رحمه الله – شعلةً من العطاء والحركة والمقدرة على الحوار والصياغة والعطاء إلى جانب أخوة آخرين من الحاضرين، وانتهى اللقاء وكان لي الشرف بوجودي في هيئة المتابعة لملتقى العروبيين الأول الى جانب قامات وطنية عروبية مثل الأخ أبي خالد – رحمه الله –
لم تستطيع الدولة الأمنية بكل أجهزتها عبر أكثر من أربعين عاماً أن تنال من عزيمة أبي خالد الأخ العروبي الناصري إلى أن – كما باقي الراحلين – استطاع كورونا الخبيث أن يتسلل إلى جسده ويفتك به رغم أنه قاوم ذلك وبقوة ولكن كان ما كان فكان الوداع والرحيل.
وبذلك تكون خسارتنا وخسارة سورية والثورة وأمتنا العربية لا تقدر برحيل مجموعة القادة والقدوة – رحمهم الله – ونعاهدهم أن نتخذهم مناراتٍ نسترشد بها وبفكرهم الذي تركوه دليل عمل للأجيال القادمة.