د. عمر عبد الله الحلبي
(1) في السياسة الشرعية واليوم، وقد ظهر الفساد في البر والبحر، فلابد لأمة الإسلام، أن تتحمل مسؤوليتها، وتستمسك بسبب خيريتها، وتقوم بالمهمة المناطة بها .. لتضبط حركة البشرية جمعاء .. قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }[ آل عمران : 110]. قد يسأل سائل : وكيف السبيل إلى ماتدعو إليه، ونحن اليوم غثاء كغثاء السيل يعبث بنا أراذل الخلق وشراذمهم ؟ يتداعون علينا تداعي الأكلة إلى قصعتها، قد تفرقنا وتنازعنا، وأصبحنا كريشة في مهب الريح، لامقام مريح ولاسير صحيح، كمن يمشي مكباً على وجهه.. لانستطيع ضبط حركتنا، فكيف نضبط حركة البشرية جمعاء؟ فنقول : (2) في السياسة الشرعية إن الله عزّوجل أرسل إلينا رسالة أعظم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وهي لطالما نصر الله بها أولياءه .. وأهلكَ أعداءه .. بل كانت ومازالت ، وستبقى المعجزة التي تحدى الله بها خلقه جميعاً .. ولكي ننفذ أوامر الله سبحانه وتعالى وننتظم في هذه الحياة بنظام الكون الواحد، لابد لنا من : [ هداية وقيادة وسياسة ..] وبغير ذلك لانعرف أين نسير، ولانستطيع أن نعيش بكفاية وأمان .. ولابد أن نكون خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر (3) في السياسة الشرعية نحن من نزلت فينا معجزة الله الخالدة، لانملك منهاجاً سياسياً ، نترجمه إلى مشروع سياسي ، نضبط به حركة البشر، وننقذ العالم من الفساد وأصبحنا كالأيتام على موائد اللئام ، نقتات على فضلات ونظريات، ومشاريع أعدائنا نكيّف الإسلام عليها ..وكأن نظامنا السياسي سائل غير متماسك يتشكل بكل قالب يقدّم إليه ! (4) في السياسة الشرعية ماأحوج المسلمين اليوم إلى نظرية سياسية أو مشروع سياسي، يقوم بمحاكاة المشروع السياسي الإسلامي الاول، بقيادة رسول الله عليه وسلم ، المؤيد بالوحي { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } [ الشورى : 52] . نقتفي خطواته، وهو يتحرك مع أصحابه، رضي الله عنهم، منتقلاً بين المراحل والأطوار ، من شدة الاستضعاف، إلى قمة التمكين، بحركة منضبطة بالنص القرآني ، الذي كان يتنزل على هذه الثلّة الكريمة ، فيضبط حركتها على مدار 23 عاماً .. ويستنفر طاقاتها وقدراتها، ويصحح عثراتها، ويحدد خطواتها القادمة …ويحدد طبيعة الخطاب والسلوك الموجّه لهم ومواجهتهم لأعدائهم، ويمدها بكل ماتحتاج من استراتيجيات الصراع، ومنهجيات الخطاب في كل مرحلة من مراحلها … (5) في السياسة الشرعية … وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم خَلَفه في منهجه التطبيقي ( الخلفاء الراشدون ) بتطبيق بشري خالص، غير مؤيد بالوحي المباشر، في فترة هي استمرار للمرجعية التطبيقية السياسية الإسلامية، كما وصفها صلى الله عليه وسلم : (“خلافة على منهاج النبوّة “.. ودعا لاتّباعها، فقال : ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ” . وعالجت هذه الفترة المواضيع السياسية التي حالت خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم من تطبيقها في حياته ..كتداول السلطة وعملية انتقال الحكم … والآن لابد من نظرية سياسية، ذات رؤيا سياسية اسلامية ، لتنهض هذه الأمة … ولتنتقل من غياهب التيه ودياجير الظلام إلى ضياء الإسلام ونور القرآن … 6) في السياسة الشرعية … السياسة كمصطلح .. لم يرد في كتاب الله عزوجل ، ذكر لمصطلح السياسة .. إنما ذكر لنا مايعبر عن هذا المصطلح، وهو ” الأمن والخوف ” .. فيتحصل لنا تعريف جديد لمصطلح السياسة، وهو : إدارة الأمة في حالاتها المختلفة ، مابين الأمن والخوف، والقوة والضعف ، وفق دلالات القرآن والسنّة النبوية الصحيحة .. (7) في السياسة الشرعية الشرعية هي صفة للأحكام المنسوبة والمستمدة من الشريعة الإسلامية، من مصدريها الأساسيين،( القرآن الكريم، والسنّة النبوية الصحيحة) ومادلّ عليهما من ( القياس الصحيح والإجماع المعتبر ). ( في السياسة الشرعية الوصف المختار للسياسة الشرعية ، هو : فنُّ إصلاح واستصلاح وإدارة حركة الجموع المسلمة ، وتنظيم علاقتها فيما بينها، وعلاقة المجموع مع غيره من المجموعات والكيانات والدول ، ابتداءً من تشكل الكتلة المسلمة العاملة للإسلام، في حالة الاستضعاف، والوصول إلى تأسيس الدولة في حالة التمكين والاستخلاف، وسعياً لنشر الإسلام الكامل والصحيح، فوق كل شبر على هذه الأرض (9) في السياسة الشرعية المنهجية في السياسة الشرعية ، خُطىً ثابتة في طريق واضح المعالم .. منهجية تأصيلية مستمدة من الأصول المرجعية من القرآن والسنّة النبوية الصحيحة .. والسيرة النبوية .. والخلافة الراشدة .. منطلقة من الايمان بشمولية النصوص التفصيلية ، وحركيتها، لضبط الكتلة المسلمة استراتيجياً ومنهجياً بأحكام وتوجيهات عملية، والتي تسعى إلى تحقيق وضوح في الرؤيا وأصالة المرجعية وحركية الواقع … وتنزيل الأحكام على واقع الأمة بمنهجية استنباط دقيق، لتكون قادرة على علاج الواقع في كل زمان ومكان .. وليسير العمل السياسي الإسلامي بخُطىً ثابتة في طريق واضح المعالم (10) في السياسة الشرعية … إذا كان أعداء اليوم ، ليسوا إلا امتداداً لأعداء الأمس ، ومعركة اليوم ليست إلا استنساخاً لمعارك الأمس، فمن غير المعقول أن نُلقي السلاح الذي انتصرنا به بالأمس ، جانباً لابد لنا من استعمال نفس السلاح .. حتى ننتصر .. ” فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به اولها ” فالصورة هي الصورة والوسيلة هي الوسيلة ، بل الألفاظ هي الألفاظ