أخبار عاجلة

آداب الإنفاق في سبيل الله

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

إن من تمام الإحسان، إحسان أداءه، والمبالغة في الأدب مع الله وعباده..
وعندما نقول آداب لا نعني واجبات وفروض، بل السنن والنوافل. ولذلك نستعمل كلمة (يحسن ولا يليق)
أكتب هذا وأنا لا أنسى ذهولي وتأثري البالغ يوم حملت مالاً وِكِّلت بإيصاله لامرأة، وكانت غنية ميسورة تعطي الزكاة والصدقة وتعيش حياة الرفاهة واليسر، وشاء الله لها أن تمتحن في مالها فأصبحت بسبب الحرب بين ليلة وضحاها بحاجة لأي مساعدة، لا أنساها وهي عاجزة أن تمد يدها لأخذ المال، لا أنسى دموعها، لا أنسى تأثرها، خجلها، حياءها، ترددها..
أكاد أجزم أنها لم تأخذ صدقة في حياتها، ولن ولم تطلب مهما بلغت بها الحاجة، ولولا فاضلة من معارفها نبهتنا لها لما وصلنا إليها، فاخترعت لها قصة وهمية لأشعرها أن هذا المال دين لأبيها على أحدهم حان وقت الوفاء به، وإذا كان الفقهاء قد أجازوا ذلك الفعل (بضوابط) للإصلاح بين المتخاصمين، فلا أظن أنهم سيمنعونه في إصلاح القلوب، ومراعاة الخواطر، وجبر النفوس..
هؤلاء هم الفقراء الجدير بنا أن نبحث عنهم ونفتش لنجدهم..
يحسن بالغني أن يستحضر نِعم الله عليه، وأنه سبحانه هو الرزاق، وأن العبد موكَّل على المال لا ملك له فيه، وهذا المعنى هو حقيقة الشكر بالقلب، وأن يتبعه بشكر اللسان.
يحسن به أن يعلم أن الفقير صاحب فضل عليه؛ لأنه باب من أبواب القرب إلى الله تعالى..
يحسن به أن يبحث بنفسه عن الفقير لا ينتظر أن يبذل الفقير ماء وجهه وعفته في الطلب، فيغنيه عن ذل السؤال أو يوكل به أحداً ممن يحسن ذلك ويتقنه، وإن اضطر لدفعها بنفسه فليراع الأدب مع الفقير؛ لأنه فرع عن الأدب مع الله، ويدسها له دون علمه أو انتباهه، أو يضعها أمام منزله ويطرق ويمضي بعد أن يضع فيها رسالة تفيد أنها له وليست لُقطة، أو يعطيها له دون النظر في وجهه، أو يخترع له قصة تحفظ ماء وجهه، أو يعطيه إياها على أنها من محسن وهو رسول لإيصالها، وخاصة إن كان الفقير من معارف الغني أو اقرباءه ليقيه من الحرج، وخاصة في نفوس لم تعتد المسألة .
يحسن به أن يخرج من أطيب ماله وأحبه إليه، فلا يليق ما يفعله بعض الناس من انتقاء أرذل المتاع ورديء البضاعة، وزوائد الطعام وبقايا المتاع اللباس المهترئ الذي لا يصلح فيخرجه لله {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن كانت البضاعة قديمة أو مستعملة فجميل جداً أن يجعل بينها قطعة جديدة غير مستعملة، وأن لا يعطيه شيئاً غير صالح للاستعمال.
حقيق به أن لا يطلب منه مقابلاً ولو الدعاء، وأن يبتغي المقابل والأجر من الله ولا يطلبه..
حقيق به أن يمد يده بصيغة الآخذ من الأسفل، لتكون يد الفقير هي العليا وهو شأن لا يفعله كثيرون..
حقيق به أن لا يكلفه المجيء إليه، بل يذهب الغني أو المؤسسة أو الوكيل بأنفسهم ويوصلون المعونة إليه.
حقيق بالمنظمات والهيئات الإغاثية أن تراعي ذلك فلا تصور الفقير إلا بإذنه، وغالباً سيأذن، ولن يرفض لأنه محتاج، فما معنى الإذن إذاً!، وإن كنت أرى أن التصوير حرج، فلم لا نعود إلى زمن لم تكن فيه آلات ولم يكن هناك تصوير، وإن فرضنا جدلاً أن التصوير شيء لا بد منه للمنظمات، وهو جزء من عملها، فلا أقل من أن تراعي أن تكون الصور بإذنه وأن يبين له أن ملامحه ستخفى وأن تكون عفوية دون شعوره. وأن يتعامل معها بمنزلة أكل الميتة وشرب الخمر للجائع والعطش اللذان يخشيان الهلاك، ثم إخفاء ملامحه تماماً، وملامح كل ما يمكن أن يشهر به أو يهينه ويذله ويمحق كرامته.
حقيق بالمنظمات الإغاثية أن لا تستعمل في عملها من لا يتقن هذه الأدبيات، ولا يحسن تلك المكارم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

خطيئة أصحاب الأمية الفكرية في تقييم أردوغان وحزب العدالة والتنمية!

أ.د فؤاد البنا أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي يقع أصحاب الأمية الفكرية في …