دين ودنيا

أقاويل الظالمين

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

تهافت الاتهامات:
تبرُز عظمة القرآن في أمور كثيرة أغلبها تثوي داخله، وبعضها تتصل بما يعتمل في الخارج بشأنه، ومنها أن أعداءه وقعوا، في “أمرٍ مريجٍ” بشأنه وهم يحاولون النيل منه، كما ورد في (سورة ق)، فالمريج يعني المختلف، حيث لم يتفقوا على سبيل واحد في نسف فكرته وتسفيه شخصية الداعي إليه، إذ ارتبكوا ارتباكاً شديداً أمام عظمة إعجازه ولم يدروا ما يقولون: {بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر}[الإنسان: ٥]، ونلاحظ هنا كيف تنقّلوا في أودية التهم بسرعة، كما يشير إلى ذلك حرف الإضراب “بل”، وذلك نتيجة لعدم اقتناعهم بما يقولون أو لشعورهم بأن سامعيهم غير مقتنعين بهذه التهم.
وقد عجّب الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن ورائه أمته، من هذا التناقض، فقال: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً}[الإسراء: ٤٨]، أي لم يستطيعوا أن يرسوا سفينة اتهامهم في بر واحد، وهذا ما تجلى أيضاً في اتهامهم لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو مجنون، مع ما في ذلك من تناقض صارخ بين هذه التُهم المُتهافتة!

التقوّل على الله:
لو تأمل الذين يتقوّلون على الله بغير علم، قوله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}[الحاقة: ٤٤ – ٤٦]، لأدركوا خطورة ما يقومون به على أنفسهم أولاً وعلى أمتهم ثانيا، فقد هدد الله أحب الخلق إليه بأنه لو تقوّل عليه بعض الأقاويل، فإنه سيأخذ منه باليمين وسيقطع له حبل الوتين، وهذا بالطبع الجزاء الدنيوي فقط، فكيف بمن جعلوا القرآن كله أداة لخدمة الظلمة والكبراء؛ بتأصيل أفكارهم العوراء وشرعنة أفعالهم العوجاء، وبتطويع الضعفاء للأقوياء وتذليل الفقراء للأغنياء، حتى صارت الشعوب دواباً يركبها سائر المغامرين والمقامرين!
لقد ولج هؤلاء إلى ساحات التقول على الله من أبواب التأويل الفاسد، ويأتي في مقدمة المتقولين على الله من يقولون باصطفاء الله لبعض خلقه على أساس عرقي سلالي لا علاقة له بالتقوى والكفائة، ومن يقولون بأن الشورى معلمة للحاكم وليست ملزمة له، ومن يرون أن الحاكم ظل الله في الأرض وأن طاعته واجبة في كل حال ولو جلد الظهور وسلب الأموال !

خطورة الأنانية:
تدفع الأنانية صاحبها إلى احتكار الحق وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، ومن ثم الاندفاع بالضرورة نحو تسفيه الآخر الذي لا يرى رأيه ولا ينضوي تحت رايته، كما فعل إخوة يوسف حينما دفعتهم أنانيتهم إلى اعتقاد أنهم على الحق المبين في مكرهم بأخيهم يوسف وتآمرهم عليه، فقد اتهموا أباهم يعقوب بالضلال حينما قالوا: {إن أبانا لفي ضلال مبين}، مستخدمين ثلاث مؤكدات في جملة واحدة، مع علمهم بأنه رسول من الله، وأن المرسلين معصومون، وهذا يبين لنا خطورة احتكار الحقيقة، وإلى أي حد يرتكس أصحابها، حيث وصل بهم الأمر إلى حد تسفيه أبيهم النبي الذي يوحى إليه من السماء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى