دين ودنيا

الربانية والربانيون

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44

وقال: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران79.

وقال: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }المائدة63

وقال: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{147} فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}آل عمران148.

  • “الربانية” مصطلح قرآني يهدف إلى أمرين متلازمين: إصلاح النفس وإصلاح المجتمع.
  • ويطلق على الإنسان أنه “رباني” إذا كان وثيق الصلة بالله تعالى، عالماً بدينه، وكتابه، ومعلماً له، حليماً حكيماً، ولذا ورد عن أمير المؤمنين علي  بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (العالم الرباني هو الذي لا زياده على فضله لفاضل، ولا منزلة فوق منزلته لكامل)..
  • الرباني هو الذي يستمد أصوله وقيمه وفكره من الإسلام، بأحكامه وأنظمته ومبادئه، المتميز عن غيره بانضباط سلوكه الظاهر والباطن، وفق مقتضى شرع ربه جل جلاله … ويتحلى بكل صفات الربانية كما وصفه ابن القيم بقوله: (هو من عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صَدَق الله سبحانه وتعالى في عمله، ثم أخلص له في قصوده ونياته، ثم انسلخ من أخلاقه الرديئة وآفاته، ثم تطهر من أوساخه وأدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أحكام الله في نعمه وبلوائه، ثم دعا إلى الله على بصيرة بدينه وآياته.
  • الرباني عبد قريب من الله تعالى، وعليه يتوكل ويعتمد في سيره في هذه الدنيا، وإلى الله عز وجل مرجعه ومصيره، فهو عبد لا يأخذ توجيهاته إلا من ربه، ولا يتلقى نظام حياته إلا منه.
  • الرباني منسوب إلى الربان، والربان هو الذي يقوم على أمر الناس ويصلحهم، ولذا يسمى قائد السفينة الذي يتجنب بها الأهوال والأمواج والعواصف ويسلك بها سبيل النجاة حتى تبلغ مرادها، يسمى (رُبانا). ومن ثم فالرباني طبقاً لهذا المعنى: (عبد عرف كيف يقود الناس إلى الله، لينجو هو ومن معه، وليتجنب مزالق الشيطان)…
  • وقيل: الربانية من التربية، فلا يكون العبد ربانياً إلا حين تكون له ممارسة في تربية نفسه، وتربية غيره، فالرباني له أثره في التربية والإحياء والإصلاح..
  • وقال ابن مسعود: الربيون: الألوف الكثيرة، فلا يكون ربانياً من لم يضع يده في يد غيره من الصالحين من عباد الله، ليكونوا جميعاً ربانيين…
  • فالرباني هو الذي يتعلم أمر الله ونهيه، ويعرف شرع الله ووحيه، فيطبقه في ذات نفسه (فيكون صالحاً في ذاته أولاً) ويدعو غيره إليه، ويقوم بعملية الإصلاح في حياة الناس، لما فيه خير الناس في عاجلهم وآجلهم (فيكون مصلحاً لغيره ثانياً) فيجمع بين الصفتين اللتين هما قوام العبد المؤمن “الصالح، المصلح”.
  • الرباني هو الذي يكون دائم البحث عن الخير، دائم التعرف على الحق، والامتثال له، دائم القيام بتعليمه لغيره.
  • والرباني: هو الذي يكون حارساً على منهج الله، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.. عن طريق الجهاد والمجاهدة في سبيل الله..     
  • قال تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)، وقال أيضاً مبيناً مصير الإنسان في نهاية الأمر: (وإن إلى ربك المنتهى)، وقال: (إن إلى ربك الرجعى).
  • قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة 143، وقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110.
  • إن هذه الصفات ما هي إلا خادمة للهدف الأكبر والغاية العظمى، وهي: (مرضاة الله عز وجل وحسن مثوبته)، فهذا هو هدف الأهداف وغاية الغايات.. أو بالتعبير الحديث: الهدف الاستراتيجي العام الذي تندرج تحته كافة الأهداف والغايات.. لتستقيم الحياة، ويأمن الناس، ويسعد المجتمع.

هؤلاء هم الرجال الذين نحن بأمس الحاجة لهم اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى