دين ودنيا

بين الورع وسوء الظن!

د. محمد عبد القادر الشواف

إعلامي وناشط سوري
عرض مقالات الكاتب

 درج بعض الناس على انتقاد غيرهم والإساءة لهم؛ بحجة الدعوة إلى الورع والتقوى، أو الترغيب بالزهد ومحاربة الإسراف وهدر الأموال ولكنهم – غالباً – لا يتبعون المنهج الشرعي في معالجتهم للأمور، بل إنهم قد يقعون في ذنب أكبر؛ من سوء ظنّ واتهام بغير دليل ولا برهان .
   ولتوضيح مقصدي أسوق لكم بهذا الصدد هذين النموذجين:
1- دخل زائرٌ إلى مكتب إحدى المؤسسات الخيرية العاملة على الساحة، فقام المسؤول بأداء حق الضيافة وأحضر كوباً من الشاي، وبعد أن شرب الضيف شايه؛ أخرج من محفظته بعض النقود وضعها على مكتب الموظف قائلاً: هذه قيمة الشاي الذي هو من مال التبرعات!
وانصرف دون أن ينتظر الجواب ..
قال لي الأخ المضيف : لا شك أن الورع محمود في الشرع ولكن هل يجوز سوء الظن بالمسلمين بحجة الورع، فكيف يتهمني هذا الأخ بأنني أفرط بأموال التبرعات؟ والله يعلم أني أدفع قيمة الضيافة الخاصة من راتبي.
      وأقول: قال بعض السلف: (إن من الورع ما يبغضه الله)، ولا شك أن هذا منه – والله تعالى أعلم – لما فيه من الإثم بسبب سوء الظن.
      2- ومثل هذا أيضاً؛ الأخ الذي ركب في سيارة إحدى الهيئات الخيرية؛ لتوصله إلى البيت ثم دفع للأخ الذي أوصله قيمة البنزين لأنه من أموال المتبرّعين!
      الورع الحقيقي أن يحتاط المسلم لدينه، ويتجنب الوقوع في الشبهات وسوء الظن، فلماذا لا نلتزم الورع بجميع جوانبه؟! وإن كنا حقاً منصفين أليس من الورع في الدين ألا نتهم أحداً أو نسيء الظن به دون دليل؟
فالأصل إذن عدم السؤال تقديماً لحسن الظن، وإن ثارت لديك شبهة بوسوسة من الشيطان فسدّها بأن تسأل بالمعروف .
     والأمثلة على مثل هذا التهاون كثيرة والمجال لا يتسع هنا لسردها أو حصرها، ومعاذ الله أن نقصد الإساءة لأحد .. بل المقصد العبرة والنصح .. فنحن بحمد الله نلتزم منهج السنة فنقول:
    ما بال أقوام يؤذون إخوانهم ويسيئون الظن بهم بدافع الحرص على مصلحة المسلمين، وما بال أقوام يفلسفون البخل وشح النفس بأنه حرب على الإسراف وهدر أموال الأمة ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ).
    ازهد يا أخي كما تحب وادع غيرك لهذه الصفات الحميدة ، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، ودون تنطع مقيت؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام :
( هلك المتنطعون – قالها ثلاثاً – ) رواه مسلم، وقال أيضاً : ( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ أحدٌ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا …). “البخاري ومسلم”
والله المستعان سبحانه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى