مقالات

مساعداتٌ أم غوصٌ في الوحلِ ؟

رضوان الأطرش

الرئيس السابق للهيئة السياسية في محافظة ادلب
عرض مقالات الكاتب

منذ فترة قريبة انتهى مؤتمر بروكسل للمانحين فيما يتعلق بالأزمة السورية كما أسمتها الدول ، وتم من خلال هذا الاجتماع طرح المشكلة السورية ،على الصعيد الإنساني، وجمع ملايين الدولارات باسم الشعب ، ولكن التساؤل الذي دار في رؤوس الجميع هل هذا الاجتماع هو الأخير؟
هل هذه المساعدات هي من مطالب الشعب وفيها الخلاص؟
هل ستكون من نصيب أهل الخيام و اللاجئين أم ستكون في خزائن الدول والمنظمات ؟
وقبل كل شيء هل الاغاثة حلاً أم زيادة في المأساة ؟
وهل سورية وحدها من مرت في أزمة أم مرت على الكثير من الدول ؟
لنبدأ من الهند ،وحصراً من الزعيمة انديرا غاندي
أول ما توّلت زمام الحكم في الهند ؛ منعت المساعدات والإغاثا، فقيل لها: سيموت الشعب الهندي جوعاً
فردت: فليمت بشرف، خيرٌ له من أن يصبح عالة ، ويصبح كل الشعب متسولاً بلا شرف !
بعدها توجه كل واحد منهم إلى فأسه ، ومعوله ، وقلمه ، ونهضت الهند.
اليد السّفلى لا تصنع مجداً…
والأساس الهيّن لا يُبنى عليه..
يجب أن يقتنع الجميع بأنّ المساعدات الإنسانية تقتل قدرات وإمكانيات الشعوب ،وتحولها إلى شعوب متسولة تنتظر في طابور طويل للحصول على حفنة قمح، أو عبوات زيت مغموسة، بإهانة الكرامة الإنسانية، وتدمر عنفوان الإنسان وشهامته.
ويتحول الشعب الحر الأبيّ إلى قطٍّ أليف كسوول ينتظر حصة المساعدات ليغطي احتياجاته ،وينتظر بخوف تلك المساعدات ،وهي تُستهلك حتى تنتهي، ويخشى أن تتوقف تلك المنظمات عن توفير حصة الشهر القادم لينضم في طابور طويل ليحصل على الحصة التالية ،وهكذا تستمر الحياة مع المساعدات الإنسانية للشعوب الميتة التي ترفض الحرية، والاستقلال، والخاضعة للعبودية والإذلال ،وفي الأخير يخضع الجميع لشروط المانحين لأنه لم يعد هناك خياراً آخر، إمّا الموت جوعاً، ومرضاً ،أو الخضوع لشروط المانحين التي قد تُمزق الحرية والاستقلال.
لذلك نوضح باستمرار أنّ المساعدات الإنسانية هي سلاح ذو حدين، قد تكون ذا فائدة إذا تم استخدامها لفترة زمنية محددة للنهوض، وقد تكون كارثة، وقاتلة للشعوب إذا تم استخدامها للتواكل ،والاعتماد عليها باستمرار،

معظم دول العالم في شرق آسيا وإفريقيا وأوروبا وامريكا لم تنهض إلا بعد أن تجاوزت عقبة المساعدات والإغاثة الإنسانية بعد الحروب والكوراث.
جميع دول العالم عانت من الحروب ،والكوارث ولكنها تجاوزتها بقوة شعوبها، وتنميتها، وتوقيف المساعدات والإغاثة الإنسانية وليس باستمرارها.
ألمانيا بعد الحرب العالمية نهضت بالتنمية وليس بتسولها للمساعدات الإنسانية باستمرار، وكذلك اليابان، وفرنسا وجميع الدول والحضارات نهضت بنفسها ،ولم تتوسل نهضتها بمساعدة الآخرين ،ولن ينهض وطني إلاّ بمثل ما نهضت به تلك الدول والحضارات.
البعض قد يتساءل لماذا نرفض المساعدات الإنسانية ووضعنا الإنساني متدهور ؟

للإجابة على ذلك نؤكد أننا بهذا الطرح ؛لا نرفض وصول المساعدات للشعب ،ولكن وفقاً للشروط والمعايير الإنسانية الدولية التي حددت فترة ستة أشهر فقط لتقديم مساعدات إنسانية مباشرة ،ويجب أن تعقب هذه الفترة الزمنية فترة النهوض بالشعوب ،وتمكينها من الحصول على احتياجاتها بإمكانياتها الوطنية دون الحاجة الى مد يد العون من الآخرين، بحيث تتم دراسة كامل جغرافية المحرر وامكانياته الذاتية لتتم الاستفادة منها بشكل جيد لتغطية الاحتياجات
على سبيل المثال

  • المناطق الزراعية يجب أن يتم تحديد المنتجات المناسبة لزراعتها حسب الجغرافيا، والمناخ والاحتياج المحلي ،وبكميات تغطي الاحتياج المحلي بجودة عالية ،والانتقال الى مرحلة التصدير لها للحصول على العملة الصعبة.
  • التسويق الجيد، والمنضبط للمنتجات المحلية بحيث يتم تحديد أسعار عادلة لتلك المنتجات تغطي تكلفة انتاجها، وهامش ربح بسيط لا يزيد عن 10 % من سعر السلعة لتطوير، وتحسين وتوسيع الانتاج بحيث لا يثقل كاهل الشعب عند شرائها.
  • الموراد البشرية تعتبر من أهم الإمكانيات، والقدرات الوطنية التي يتوجب استثمارها بشكل جيد عن طريق التعليم، والتدريب، والتأهيل الجيد ،والمحترف بما يغطي احتياج السوق الوطنية للأيدي العاملة الماهرة.
  • مكافحة الفساد، وتجفيف منابعه، وتحطيم مكامنه، فالفساد يبتلع إمكانيات المحرر في ثقوب سوداء، ويعبث بها، ويحولها لتحقيق مصالح شخصية ضيقة بدلاً من المصلحة العامة .
  • دراسة كافة احتياجات الشعب للسكن، والمأوى، ودراسة خطط ابداعية لتغطية تلك الاحتياجات ،وبالإمكان اتخاذ اجراءت عاجلة لحجز مساحات مناسبة في محيط المدن، وتسويرها ،وإنزال مخططات عمرانية لها، وتوزيعها على المواطنين بشكل مجاني لكل شخص مساحة محددة مع توفير المرافق، وشق الطرق إليها وإيصال الخدمات.

صفوة القول :
نؤكد على خطورة المساعدات، والإغاثة الإنسانية المنفلتة غير المنضبطة ،وغير المحددة بفترات زمنية، وفقا للمعايير الانسانية العالمية، والتي يجب جدولتها، وتحويل مجالاتها من الإغاثة ،والمساعدة المباشرة الى التنمية، والتطوير للمجتمع للنهوض بالمجتمع لتغطية احتياجاته من موراده وإمكانياته الوطنية.
يجب أن تتوقف سيول المساعدات، والإغاثة الإنسانية المنفلتة التي تجرف كرامتنا واستقلالنا الوطني، وأن يتمّ تحويل مسارها نحو التنمية، والتطوير ،والمشاريع الوطنية الابداعية، وعدم الاستبشار بارتفاع حجم المساعدات الإنسانية لأنها مؤشر واضح على مدى فشلنا، وإخفاقنا في استثمار امكانياتنا الوطنية، واستمرار التواكل على الآخرين لتغطية احتياجاتنا الوطنية، لسنا قصارى، ولسنا سفهاء ليستمر استغفالنا ،وبالتالي يجب أن نرفع مستوى وعي شعبنا ليعرف الخطر قبل حلوله وفي مقدمة ذلك وجوبية إعادة النظر في المساعدات الإنسانية، وتزمينها ،وتحويل مجالاتها نحو التنمية.
وأما على الصعيد الثوري فإننا نؤكد على أن اختزال الثورة بالمساعدات الإنسانية، وسلة الإغاثة، ما هي إلا حلقة من حلقات التآمر على الثورة ؛وهي الرضا بالواقع والتدجين والاستكانة والقعود بانتظار المساعدات الإنسانية وعدم الانتفاضة على الواقع، وتثبيت الواقع لا غالب، ولا مغلوب، والجلوس بلا حراك بانتظار المساعدات !
وهذا الوضع يسيئ إلى الثورة السورية، ويحول دون تحقيق أهداف الثورة التي خرجنا من أجلها…
فمن يتحمل المسؤولية ؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أحياناً أشعر أن واقعنا المعاصر في العالم العربي أشد تخلفاً من واقع العرب في عصر الجاهلية ناهيك عن عصر الإسلام الذي أخرج العرب من الظلمات إلى النور و ألَف بين قلوبهم من بعد فرقة و صراع.
    عنترة بن شداد كان رجلاً لديه إباء و أنفة و لم يرض لنفسه أن ينال اللقمة المغموسة بالذل أو الشربة المحاطة بالإذلال . في قصيدتين مختلفتين ، رأينا عنترة “الجاهلي” و هو يرفض أن يكون بطنه مصدر خنوعه للآخرين الذين يهوون استعباد الناس فيقول ” وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ ** حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ” و يقول أيضاً ” لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ ** بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ” .
    خرج شعب سوريا في ثورته تحت مطالب اتفق عليها الجميع ” الحرية ، الكرامة ، العدالة ، تكافؤ الفرص” . ما خرج هذا الشعب الكريم من أجل طعام أفضل أو شراب ألذَ ، لكن أيادي الاستعمار أرادت التضليل و قامت بتصوير المشكلة على أنها ثورة جياع ، و ما كان ذلك موجوداً على الإطلاق في سوريا بلد الخير بل الخيرات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى