بحوث ودراسات

المربط الصفوي مقاربات عقدية وسوسيولوجية وسياسية وتاريخية 11

أكرم حجازي

كاتب وباحث أكاديمي
عرض مقالات الكاتب

تاسعا: مملكة إيران ( 1925 – 1979م)

    تأسست على يد رضا بهلوي سنة 1925، على أنقاض «الدولة القاجارية» التي كان آخر ملوكها أحمد مرزا القاجاري. وظلت قائمة حتى أطاحت بها ثورة الخميني في 12/2/1979. وقد تميز بنزعة استبدادية متوحشة، وتغريبية فجة، على شاكلة صديقه التركي مصطفى كمال أتاتورك. أما عنصريته فأبت أن تحتفظ بالاسم التاريخي للبلاد، فغير اسم « فارس» إلى  « إيران»، ليس بعدا عن فارس وتاريخها بل بوصفها إحدى الشعوب الآرية المتفوقة، وأن الاسم مشتق من كلمة آري. وهو ما يكشف عن عمق عنصريته وعلمانيته وتوجهه نحو العرق الأبيض، وتوافقه مع الأطروحة العرقية النازية. وبسبب علاقاته وتعاطفه مع الزعيم النازي، أودلف هتلر، خلال الحرب العالمية الثانية، اجتاحت القوات البريطانية والسوفياتية إيران سنة 1941. وفرّ الشاه منها، وخلت البلاد من حاكم حتى أعادت القوات الغازية ابنه محمد إلى الحكم ونصبته ملكا على البلاد.

   أما ابنه محمد فاقترب من الغرب حتى انتهت إيران أشبه ما تكون بمقاطعة أمريكية، بواقع 900 معاهدة عسكرية وأمنية واقتصادية، و 45 ألف مستشار وخبير ومتخصص أمريكي يتقاضون نحو أربعة مليارات$ في السنة، و 400 ألف جندي واقعون تحت السيطرة الأمريكية التامة، وعلاقات عسكرية وأمنية قوية مع «إسرائيل». وسط طموح إمبراطوري بالتوسع إقليميا، ورغبة في الهيمنة والنفوذ، بما يكفي ليثير الفزع في الخليج والعراق، حتى أنه اشتهر بلقب « شرطي أمريكا في الخليج»[1].

    وفي أكتوبر/ تشرين أول سنة 1971 في برسبوليس، وعلى امتداد ثلاثة أيام، احتفل بمرور 2500 عام على إقامة الإمبراطورية الفارسية، بحضور 90 ملك ورئيس ورئيس حكومة من العالم. وفي سنة 1976 استبدل التقويم الهجري بالتقويم الفارسي، ليغدو التقويم، بين ليلة وضحاها، من سنة 1395هــ إلى سنة  2535 ملكية. ولا يزال التقويم الذي تعرض لغضب واحتجاجات شعبية، زمن العلمانية والتغريب، ساري المفعول في جمهورية الخميني المسماة إسلامية.

   وفي إحدى خطاباته القومية التي تمجد فارس، وتهتدي بأكاسرتها، لاسيما مؤسس الإمبراطورية الفارسية، وتؤسس لوراثة التاريخ الإمبراطوري، في صورة إيران الجديدة وهويتها العلمانية، قال: « ها أنت يا كورش الكبير .. ويا ملك الملوك .. نم آمنا هادئا قرير العين، فأنا أحرس هذا الشعب، وهذه البلاد»[2].

الفصل الرابع

البعث الفارسي (2)

ورقة الحاضر، جمهورية إيران الإسلامية

    بدءً من الانقلاب الذي دبرته المخابرات الأمريكية والبريطانية على حكومة د. محمد مصدق في 19/8/1953، وتنصيب الجنرال فضل الله زاهدي مكانه، دخلت إيران في عهد استبدادي متوحش مع الشاه محمد رضا بهلوي، استمر زهاء ربع قرن، لينتهي بسقوط الملكية في إيران، ورحيل الشاه عنها في 16/1/1979 بعد سنتين من المواجهات الشعبية مع النظام، ( منتصف 1977 – منتصف 1979)، بمشاركة كافة القوى السياسية، العلمانية والدينية. وفي 1/2/1979 عاد الخميني إلى إيران على متن طائرة فرنسية خاصة، مجللا باحترام وحماية فرنسية رفيعة، وغطاء دولي، ودعم إعلامي غير مسبوق، قدمته محطة «BBC» البريطانية، بفرعها الفارسي، ووسط استقبال شعبي حاشد. وهكذا دخلت إيران عهدا جديدا تحت ما يسمى بحكم « ولاية الفقيه».

    على متن الرحلة من باريس إلى طهران، تلقى الخميني من أحد الصحفيين، وأمام عدسات الكاميرا، سؤالا اعتياديا، لرجل غاب عن وطنه نحو عشرين عاما، وينتظر استقبالا شعبيا مليونيا، ممن باتوا يرون فيه قديسا ومخلِّصا. أما السؤال فهو: « ما هو شعورك تجاه عودتك مرة أخرى إلى إيران؟» فكان الجواب: « لا شيء» !!! ثم تكرر السؤال مرة أخرى، فبقي الجواب: « لا شيء»[3]!!! فمن هو هذا الرجل الذي لا يأبه لرقابة 150 صحافيا يرافقونه على متن الطائرة؟ ولا لملايين المستقبلين له في المطار؟ ولا يستشعر أية عاطفة أو حنين تجاه ما يفترض أنهم أهله وناسه ووطنه وسماءه وهواءه وتضاريسه؟ ولا لسنوات الغربة والملاحقات والمطاردات والضغوط من هنا وهناك؟ وما الغاية من العودة إنْ لم يكن ثمة ما يستحق ذلك؟

المبحث الأول

أصول الخميني في الروايات الشائعة

أولا: الرواية الشيعية

   كعادة الرافضة في الرواية، على اختلاف مناحيها، من شبه المستحيل الحصول على نص قاطع. والسائد هو تعدد الروايات التي تناقض بعضها بعضا. بل أن الرواية الواحدة تنقض ذاتها بشكل صارخ. وقد يستعجب المحقق من فداحة القصور الذي يتجاوز حدود الفضيحة. والمشكلة حين تصل الروايات إلى هذا المستوى يلجؤون إلى حذفها في النسخ اللاحقة، أو ملاحقة النص في شتى وسائل الميديا الإعلامية، وحذفه من الجذور إذا استطاعوا، كما سبق وفعلوا مثلا بسيرة السيستاني على موقع « الويكيبيديا». لكنهم في الغالب يتجاهلون الأمر، وكأنه لا يعنيهم. وأكاد أجزم أنهم يتعمدون سلوك هذا المنهج استجابة (1) لدهمائهم من جهة، و (2) عملا بنظرية غوبلس النازية القائلة: « إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس»، و (3) تشكيك المسلمين بعقائدهم، و (4) أخيرا شحن المسلمين بأقصى قدر من الغيظ على آل البيت، رضوان الله عليهم، بفعل تأليههم وأنفسهم، واتهام الرسول r، بالتقصير في تبليغ الدعوة، ولعن صحابته، والطعن بأزواجه، رضوان الله عليهم. فليعذرنا القارئ على تقسيط رواية قناة « المنار»[4] الشيعية عن أصول الخميني إلى عدة مشاهد، باختصار وبعيدا عن التفاصيل، كي يتسنى لنا الفهم الدقيق لها.

  • المشهد الأول: هجرة الأجداد إلى الهند

    عادة ما يتم نسبة الخميني إلى العرب، ومكة المكرمة، وعلى وجه التحديد إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم، رضي الله عنه (128هـ – 183هـ / 745م – 799م)، الحفيد الخامس للنبي r والإمام السابع وفق « الإمامية». لذا، وللمفارقة فهو عربي أصيل، وفي نفس الوقت يصف العرب بـ « الوحوش»! أما نسبته إلى أصول هندية، فترجعها القناة، بحسب الحلقة الأولى من برنامجها الوثائقي: « روح الله»، إلى أجداده الذين هاجروا من مكة على أن استقر بهم المقام في الهند، منذ أكثر من ألف عام، للعمل على نشر الإسلام في بلاد الهند، وخاصة في كشمير التي صارت موطنهم الجديد. وتستدل « القناة» في روايتها هذه بجد الخميني الثالث المسمى بـ « مير حامد حسين الموسوي»، الذي قتل مع ابنه المسمى « دين علي شاه»، على يد العائلات الإقطاعية، قبل 250 سنة من ولادة الخميني. أي سنة 1652، باعتبار أن الخميني ولد سنة 1902. بل وتدعم « القناة» روايتها بمعالم تاريخية تتعلق بوجود ضريح كبير في الهند للجد الثالث[5].

  • المشهد الثاني: هجرة الجد الأول إلى إيران

    بعد مقتل والده وجده، هاجر « أحمد بن دين علي شاه»، من كشمير إلى النجف، رغبةً منه في تلقي العلوم الدينية، وبعد وقت قصير رحل إلى قرية « خمين» في إيران، وعمل بها قاضيا، بانتظار الحفيد القادم الذي سيتكنى بها.

  • المشهد الثالث: ولادة الأب

    سنة 1864 أنجب الجد الأول « أحمد» مولودا أسماه « مصطفى»، هو والد « الخميني». أي بعد 212 سنة من مقتل جده « مير حامد حسين الموسوي» وأبيه « دين علي شاه»، على يد الإقطاعيين كما قالت « المنار»!!! هذا يعني، بحسب تواريخ القناة، أن أحمد ولد، على الأقل، في نفس العام الذي قتل فيه والده وجده، فضلا عن أنه عاش، على الأقل، 212 سنة حتى ينجب والد الخميني!!! وغني عن البيان أن خط النسب انقطع بين « أحمد» و « مصطفى» بسبب هذا الفارق الزمني العجيب.

  • المشهد الرابع: ولادة « الولي الفقيه»

    بطبيعة الحال فقد تزوج مصطفى. وفي سنة 1902 أنجب الحفيد الثالث لجده الأول وأسماه « روح الله». لكن الشاه رضا خان بهلوي قتله بعد أربعة شهور من ولادة وليده، الذي سيغدو بعد 77 عاما « سيدا، وحاملا لقب وسلطة « الولي الفقيه» للإمامية.وصار الاسم الكامل له، بحسب المصادر الشيعية،هو:« روح الله بن مصطفى بن أحمد بن دين علي شاه بن مير حامد حسين الخميني».

  لا شك أن أميز ما في رواية التنسيب الشيعية هذه، أنها خلت تماما من الاسم الهندي، لتبدو الأسماء المستعملة في الرواية متناسقة مع الأصول العربية لآل البيت وذريتهم. لكن التميز لا يتوقف عند هذا الحد. إذ أن أقدم جد للخميني هو الجدد الثالث المسمى « مير حامد حسين الموسوي»، المنتسب، بحسب الرواية الشيعية، إلى الإمام موسى الكاظم، الذي توفي قبله بنحو 1000 سنة. وهذا نسب لا يمكن أن ينقطع كليةً لو كان صحيحا، خاصة أن ضريحه بات معلما بارزا بين الناس. وهذا يؤشر على وجود ذرية يمكن التواصل معها أو، على الأقل تقصيها. أما الحقيقة فالنسب كما لاحظنا انقطع، للمرة الثانية، عند مصطفى الذي تفصله عن والده 212 سنة! فما الذي يجعل نسب الموسوي صحيحا؟ سؤال؛ أثار حفيظة بعض الشيعة.

    ولعل صاحب « الثورة البائسة» و « الجمهورية الثانية»[6] (ص352)، كان من أوائل المتسائلين عن نسب الخميني. فقد كتب يقول: « الذي يعرفه الجميع أن جد الخميني (الأول) أحمد قدم من الهند إلى إيران .. قبل مائة عام، وسكن قرية خمين. وولد أباه مصطفى الذي قتل ابان ثورة الشباب في تلك القرية. وهذا كل ما يعرفه الشعب الإيراني من نسب الرجل وسوابقه». ويواصل د. الموسوي القول:« أما من هم أسرته؟ وأين كان موطنها في الهند قبل الهجرة إلى إيران؟ فهذا شيء لا يعرف أحد شيءً عنها، ولا هو أشار إليها من القريب ولا البعيد ولا أجهزة الإعلام أشارت .. إلى هذا الموضوع الحيوي من حياة أسرة الخميني … وبما أن هجرة جد الخميني إلى إيران كانت قبل مائة عام .. والمائة من السنين في حياة الأسر يعتبر تاريخا لثلاثة أجيال فقط. فإذن لا يمكن أن نصدق أن صلة الخميني مقطوعة بأسرته في الهند، أو قد نساهم. فـ .. ما هو السر الدفين في تناسي أسرته وقطع الصلة بهم؟ أليس هناك ما يعتبر غريبا وخطيرا في هذا الكتمان الشديد؟ وهذا التعتيم غير الطبيعي على نسب الخميني، ومؤسس الجمهورية الإسلامية، ومرشد الثورة الإسلامية في إيران؟».

   المثير في شهادة الموسوي أنها لم تتوقف عند هذا الحد رغم خطورتها. فبعدها، وما تضمنته من تساؤلات، ختم بفقرة أشد إثارة، حين قال: « أترك الجواب للمعجبين بالرجل ومريديه وصحافته وزمرته في أرجاء إيران. وكلي أمل أن لا يهمس بعضهم في أذن البعض الآخر قوله تعالى: ﴿ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾، ( المائدة: 101) ». المؤسف أن الرجل كما لو أنه كتم أمرا ما. لكنه توفي قبل أن يفصح عنه.

     وبخصوص لقب عائلة الخميني وأسماء والده وإخوته، يذكر الموسوي أن والد الخميني، حين قدم من الهند، كان يحمل اسم « سينكا»، قبل أن يُكنى بـ « مصطفى»، أما الشقيق الأكبر للخميني فظل يدعى باسمه الهندي « بسنديدة» حتى مماته. ومن جهته يُثبت الخميني « لقبه العائلي» بخط يده، في كتابه« شرح دعاء السحر»، الذي كتبه حين كان يبلغ من العمر 27 سنة، بالصيغة التالية: « أما بعد فيقول المفتقر إلى الرب العظيم والمفتخر بالانتساب إلى الرسول الكريم، السيد روح الله ابن مصطفى الخميني الهندي». وفي حديثه عن لقب العائلة، لاحظ الكاتب الإيراني، أمير طاهر، أن: « جزء من العائلة أمضى عشرات السنين في كشمير، ومن ثم فإن الاسم العائلي الأصلي للخميني هو (الهندي)، وقد غير روح الله الخميني اسمه العائلي عام 1930، لكن شقيقه الأصغر احتفظ به».


[1] د. موسى الحسيني، « الثورة البائسة»، مرجع سابق.

[2] د. موسى الحسيني، « الثورة البائسة»، ص12.

[3] نفس المرجع.                                                   

[4] « روح الله»، برنامج من عشر حلقات يتحدث عن الخميني من ولادته حتى وفاته، أيلول / 2012، الحلقة الأولى، قناة « المنار» الفضائية، على موقع « يوتيوب»:  http://cutt.us/aOMB. مع الإشارة إلى مقالة الباحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي، بلال الهاشمي، الذي قام بدوره في التحقيق في الرواية، في مقالته: « الخميني أصله هندي وهذا هو البرهان»!!، 9/9/2011. موقع الكاتبعلى الشبكة: http://cutt.us/QtbRs

[5] نفس المرجع.

[6] وفيه يقول الموسوي: « قدم جده من الهند قبل 120سنة وسكن قرية خمين في إيران. ووالده هو مصطفي ابن احمد وكان يدعى سينكا، ولد سنة 1842 في كشمير من أسرة سيخية ثرية، وكان والد سينكا تاجر خمر وعلى علاقة ودية بالإنجليز، ولما تعرف على فتاة مسلمة تدعى طاهرة وهي ابنة أحد التجار المسلمين قرر اعتناق الدين الإسلامي للزواج منها فهدده أهله بالقتل ففر مع طاهرة من كشمير إلى مدينة لكفؤ، وأسلم سينكا على يد سيد حامد حسين مؤلف كتاب عبقات الأنوار. وحفيد عم الخميني يسمى ودا ويعيش بالقرب من مدينة سريناجار عاصمة كشمير، وهو مسؤول عن معابد السيخ هناك. وهذه المعلومات استقاها المؤلف من علماء الشـيعة في كشمير».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى