دين ودنيا

الفرق بين صومين

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ». النسائي وابن ماجه.

والسؤال الذي نبحثه: هذا يصوم فيمسك عن المفطرات فليس له من  صومه  إلا الجوع والعطش؟ و ذاك يصوم )إيمانا واحتسابا( فيُغفَر له )ما تقدم من ذنبه(؟؟ فالفارق عظيم بين صوم الاثنين، مع أن كليهما صام و أمسك عن المفطرات فالفعل واحد في واقعه، ولكن النتيجة الثواب على الفعل بعيدة بُعد السماء عن الأرض، فما تفسير هذا؟؟ ومن يرضى لنفسه الخروج بآخر النهار، أو بآخر شهر رمضان المبارك بمجرد الجوع والعطش، وكأنه في برنامج حمية شديد؟؟

الجواب موجود في نص الحديث الأول الذي ربط النتيجة، أي غفران ما تقدم من الذنوب، بكون الصيام (إيمانا واحتسابا) وهو ما يكون غائباً في حال الصائم الذي ليس له من صومه إلا الجوع والعطش! و عبارة (غُفر له ما تقدم من ذنبه) تعني أن هذا الصائم، لو مات من حينه وهو متلبس بالصيام إيمانا واحتسابا، فهو من المبشرين بالجنة، وهذا ثواب عظيم ولا شك، من منا لا يطمح اليه؟

وحين تكون الجنة، سلعة الله الغالية، هي الجزاء على صوم شهر رمضان فهذا يجعله أعظم وأهم شهر في السنة، ومن كانت الجنة غايته فعليه أن يجتهد في فهم هذا الوصف الذي جاء في الحديث النبوي ويسعى لتحققه بكل معانيه، وإلا فقد فاتته الغاية الأساس من فرض الصوم (لعلكم تتقون).

وقد جاء في الحديث قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ اللَّه تَعَالَى: كُلّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )، فالله سبحانه وتعالى بعظيم فضله ومنّه وكرمه استثنى ثواب الصيام من أعمال العبد المؤمن، ولم يضع حدا للثواب والجزاء الحسن عليه، فجعل جزاءه مغفرة ما سبق من الذنوب مهما كانت، متى تحقق فيه وصف-شرط (إيمانا واحتسابا).

أما قوله صلى الله عليه وسلم (إيمانا) فما هو وصف الإيمان؟ فمن  الناس من يؤدي فريضة الصيام متى حضر رمضان، ويبادر إلى المشاركة في صلاة القيام(التراويح) و يضبط لسانه من فحشاء القول، ويتعفف عن اتباع سبيل الشيطان، فإذا انقضى رمضان عاد إلى سالف عهده قبل رمضان، فهل هذا يتصف بصفة الإيمان؟[1] أي هل (يطرأ) عليه الإيمان في أيام رمضان المبارك، ثم يتبخر بعده إلى رمضان من العام الذي يليه؟ واضح أن الإيمان لا يتجزأ بل هو وصف يتسم به المؤمن في رمضان كما في بقية ايام السنة. فالصائم (إيمانا واحتسابا) يكون مؤمنا بالله سبحانه، ملتزما طاعته ساعيا في مرضاته قبل رمضان، قائما بالفرائض و مجتنبا المعاصي في شؤونه كافة، ثم يتوّج مسيرة الإيمان بصيام شهر  رمضان (إيمانا واحتسابا).  وليس المؤمن المنافق الذي يهرع الى صوم رمضان بينما هو معرض عن طاعة ربه خارج رمضان، فإذا جاء رمضان زعم انه من الصائمين الطامحين للفوز بمغفرة الذنوب. (غُفر له ما تقدم من ذنبه) تعني أنه لو مات من حينه لكان من أهل الجنة ، ولكن هذا مشروط بكون الصيام (إيمانا واحتسابا). فهل يكون الصائم مؤمنا في رمضان طالبا مغفرة الذنوب بينما هو معرض عن طاعة ربه خارج رمضان؟ أم أن الصائم في هذه الحال هو الذي جاء وصفه في الحديث ( ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)؟

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامه وشرابه). فليس الغرض من الصيام التلبس بالجوع والعطش عن المفطرات بينما صاحبه يرتكب الموبقات من قول الزور والعمل به! وليس الغرض من الصيام أن يعيش الصائم بقية السنة معرضا عن طاعة ربه، لاهيا وراء نزوات شيطانه في معصية الله، ثم يتمظهر بالتقوى والطاعة في رمضان، بل هذا هو النفاق بعينه!

 قد يقول البعض : “لقد حجّرتَ واسعا، فرحمة الله أوسع مما تقول”، وأقول حاشا لله أن أفتئت على رحمة الله أو أن أتألى على الله، ولكني أعرض ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم…ولئن وجد البعض من الغافلين عن طاعة الله في خارج رمضان  في شهر رمضان المبارك  فرصةً للتوبة إلى الله، فباب التوبة مفتوح في رمضان وفي غيره، وليس لأحد أن يصدَّ الناس عنه. ولكن هذه مسألة أخرى لا تتعلق بالحديث (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) الذي يصف واقع الصيام المفضي إلى غفران الذنوب وهو مفتاح دخول الجنة برحمة الله تعالى.

اللهم اهدنا للتفقه في أحكام دينك وفي صدق الإيمان بك و طلب مرضاتك ، وأعنّا على صيام رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1]  هو مشهد مألوف أن ترى بعض النساء اللواتي يصمن نهار رمضان، ويبادرن للمشاركة في صلاة التراويح، ثم في العشر الأواخر من رمضان يشاركن في صلاة التهجد المتأخرة(قبل السحور) فإذا خرجن من الجامع نزعن عن رؤوسهن الخمار!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى