دين ودنيا

سؤال عن الرجوع في الهدية؟

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

سأل سائل عن شخص أهدى لصديقه ساعة يد ثم بعد شهرين تقريباً أخبره أنه يريد رجوع الساعة التي اهداها إليه فرفض صاحبه وتنازعا في ذلك. فهل يجوز شرعاً للشخص أن يرجع في هديته. أفتونا وجزاكم الله خيراً.

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

يقول الله تعالى في محكم التزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) سورة المائدة آية رقم1.

فالآية الكريمة تفيد وجوب الوفاء بالعقود؛ فالهدية والعطية والصدقة والهبة والتبرع عقد تشمله هذه الآية.

الهبة اصطلاحاً: تمليك المال بلا عوض في الحال. أو تمليك العين في الحياة بلا عوض. والهدية: هي المال الذي أتحف به وأهدي إكراماً له. أما العطية فهي كالهبة ومعناها يشمل الصدقة والهدية والهبة.

وهناك نص قرآني آخر يفيد حرمة إبطال الأعمال؛ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) سورة محمد آية 33.

فالآية تفيد حرمة إبطال الأعمال؛ فالرجوع في الهدية أو الهبة أو الصدقة أو العطية من وسائل إبطال الأعمال. فالآية نص يقضي بعمومه عدم جواز الرجوع في الهبة إلا بدليل شرعي خاص من السنة النبوية الصحيحة مثل استثناء هبة الوالد لولده. 

 أما عن حرمة الرجوع عن الهبة في السنة النبوية:

الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذي يَرجِع في صدقته كمثلِ الكَلب يقيء ثم يعود في قيئه، فيأكله). الحديث رواه مسلم في كتاب الهبات.

فالحديث صوّر لنا منظراً مستقبحاً للكلب يقيئ ثم يعود فيأكل قيئه! كما الرجوع في القئ حرام فكذلك الرجوع في العطية أو الصدقة أو الهبة الهدية حرام كمثله. 

الحديث الثاني:

روى الترمذي سننه في أبواب الولاء والهبة بسنده عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما يرفعان الحديث قال:  (قال: لا يحلُّ للرجل أن يعطي عطية، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، مثل الذي يعطي العطية، ثم يرجع فيها، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد إلى قيئه). هذا حديث حسن صحيح.  قال الشافعي: لا يحلُّ لمَن وهَبَ هِبةً أن يَرجع فيها، إلا الوالد، فله أن يرجع فيما أعطى ولده، واحتجَّ بهذا الحديث)أهـ

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة.

على أية حال إن الرجوع في الهبة مدخل للشيطان يؤدي إلى العداوة والبغضاء وهذا محرم شرعاً.

صفوة القول

أرجح رأي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية؛ في حرمة الرجوع في الهبة بعد القبض للأدلة المسطورة في كتبهم ويشمل ذلك العطية والهبة والهدية والصدقة.

وبناء عليه فجوابي على السائل الكريم عدم جواز رجوع صاحب الهدية في هديته. والله أعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى