بقلم: شين يي Chen Yi خبير في الشؤون السياسية لمنطقة هونغ كونغ
ماذا يحدث في هونغ كونغ ؟!
منذ عام 1997، عملت هونغ كونغ على تبني حكم شبه ذاتي –متبعة أنظمة قانونية وسياسية واقتصادية منفصلة عن أي دولة بما فيها الصين – بقواعد قوانين ما يسمى القانون الأساسي، الذي يسمح بالحريات مثل حرية الصحافة والتجمع. وقبل تسليم المملكة المتحدة إدارة هونغ كونغ، تعهدت الصين بالحفاظ على إطار “دولة واحدة بنظامين” حتى عام 2047، أي ألا تتدخل الحكومة المركزية ببكين، بقرارات هونغ كونغ باستثناء السياسة الخارجية (وزارة الخارجية) والدفاع الوطني (وزارة الدفاع).
بدأت حكومة الرئيس الصيني الأخير “شي جين بينغ” بتغير قواعد اللعب ومحاولة الاستلاء على كافة مراكز القوى في هونغ كونغ، وأدخلت مؤخراً قانوناً شاملاً جديداً للأمن القومي من شأنه إصلاح أو إقتلاع حريات منطقة هونغ كونغ بشكل جذري، وبدأ العمل الفعلي في حيز التنفيذ بشهر تموز/ يوليو عام 2019، في تحدي صارخ لمعاهدة (ساينو-بريتيش) الموقعة بين الصين والمملكة المتحدة عام 1997.
يعتبر “قانون الأمن القومي” ضربة موجعة للحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وجاءت عقب احتجاجات حاشدة استمرت أشهر عديدة منذ منتصف عام 2019. وكانت معظم هذه الاحتجاجات تنادي ضد تأثير بكين على القيادة السياسية في هونغ كونغ وعدم التدخل بنظام هونغ كونغ القضائي.
ما هي اتفاقية ساينو-بريتيش (Sino-British)

سبق أن استأجرت بريطانيا منطقة هونغ كونغ لمدة 100 عاماً ضمن اتفاقية بين إمبراطورية الصين وبريطانيا عام 1898. قُبيل مغادرة بريطانيا هونغ كونغ، وقعت كلاً من الصين وبريطانيا اتفاقاً يمنح هونغ كونغ حكم ذاتي نسبياً لمدة 50 عاماً على الأقل، يبدأ منذ مغادرة الحكومة البريطانية هونغ كونغ عام 1997 وحتى العام 2047م. من شروط العمعاهدة، أن تحافظ هونغ كونغ على نظامها المالي الحر، وحرية التعبير وحرية التعليم والقضاء والهجرة وكافة دعائم الحكم الديمقراطي باستثناء التدخل في الدفاع الخارجي ومناقشة السياسة الخارجية.
تتعامل معظم الدول مع هونغ كونغ بمعاملة خاصة وبالأخص حرية نقل الأموال والاستثمار وتأشيرات السفر من وإلى هونغ كونغ، كما تتمتع هونغ كونغ باتفاقيات تجارية منفصلة عن الصين، مما مكن هونغ كونغ من جعلها المركز المالي الأول في آسيا والثالث عالمياً بعد نيويورك ولندن.
وعليه تحكم هونغ كونغ نفسها بنفسها، من خلال هيئة تشريعية خاصة بها، إلا أن رئيسها التنفيذي لا يتم انتخابه كرئيس تنفيذي بشكل مباشر من المواطنون ولكن يتم اختياره من قبل لجنة، يقول معارضو النظام أن الصين تواصل ممارسة سيطرة لا داعي لها على هذه العملية وعلى اللجنة في المجلس التشريعي.
من المتفق عليه بالمعاهدة، أن يبدأ انتخاب رئيس تنفيذي على المنطقة مباشرة من خلال أصوات المواطنين في عام 2012، إلا أن الصين فرضت تأجيل لهذا الانتخاب، وعين المجلس التشريعي رئيس تنفيذي (ضعيف الشخصية، وتسيطر عليه الصين في معظم أعماله) مما تسبب باشتعال الشارع بالاحتجاجات السلمية في عام 2014، وسميت حركة الاحتجاجات بـ (احتلال مركز المدينة) (Occupy Central)، التي خاضها طلاب الجامعات والمثقفين وبعض الكتاب والقضاة البارزين.
بدأت القيادة الشيوعية في الصين بالتدخل في الشؤون الداخلية لمنطقة هونغ كونغ رويداً رويداً لكنها دخلت في مواجهات حادة منذ تولي الرئيس الصيني الأخير “شي جين بينغ” قيادة الصين عام 2012. وبدأت المجابهة بين المواطنين والشرطة المحلية (كونه لا يسمح لشرطة أو جيش الصين الدخول إلى هونغ كونغ لصد مسيرات سلمية)، لكن سلطات الأمن في هونغ كونغ استعانت سراً بشرطة الصين وألبستهم ملابس شرطة هونغ كونغ لقمع المظاهرات، وأصدرت في حزيران/ يونيو 2020 قانون مثير للجدل أسمته “قانون الأمن القومي الصيني في هونغ كونغ”.
ماذا يعني قانون الأمن القومي ؟

يصفه المطلعون على أنه قانون أشد قسوةً مما توقعه الكثيرون، وبموجب القواعد الجديدة، يمكن إصدار عقوبة قصوى بالسجن مدى الحياة لأي شخص أدين بارتكاب أعمال “تخريب أو تؤدي للانفصال أو الإرهاب أو التواطؤ مع دولة أجنبية”، كما تضمنت عقوبات على من يُشتبه به أن لديه أفكار معادية للحكومة الصينية وحكومتها.
مَهد هذا القانون الطريق أمام السلطات في بكين لتأسيس مجلس جديد للأمن القومي في هونغ كونغ، على أن تختار السلطات في بكين أعضائه. كما يعمل القانون على تعيين محكمة صلح جديدة ووكالات إنقاذ للقانون مع السلطات الصينية، ويسمح للسلطات اعتراض الاتصالات والمراقبة السرية للمواطنين المشتبه بهم بمخالفة “الأمن القومي”.
كيف يتم تطبيق القانون ورد فعل المواطنين عليه؟

جاء توقيت قانون الأمن القومي متوقعاً، كون مواطني هونغ كونغ على دراية بنوايا الحكومة في بكين وتعدد أساليب القمع التي يسلكها الحزب منذ قيامه منذ 70 عاماً. بدأ مواطنو هونغ كونغ بإلغاء حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدموا استراتيجية إخفاء النوايا المعادية للحكومة، كما أحلت كافة الأحزاب المناصرة للديمقراطية، استقالة النشطاء السياسيون منها.
وبدأت السلطات في هونغ كونغ باعتقال النشطاء واحداً تلو الآخر، ولم تقتصر على من تراوحت أعمارهم الـ 16 عاماً، بدأت السلطات بمداهمة من ينشر تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو اعتقال الصحفيين المعارضين. ولم تنج أكبر صحيفة معارضة (Apple Daily) من الانتقام الصيني، وتم اعتقال صاحب الصحيفة وعدد من موظفيه فيها بتهم معدة مسبقاً. وأعلن مالك الصحيفة الناشط المخضرم (Jimmy Lai) أن الصحافة في هونغ كونغ معلقة الآن بخيط رفيع، لكن موظفي شركته سوف يلتزمون تماماً مواجبهم في الدفاع عن حرية الصحافة.
نهاية هونغ كونغ التي تعود العالم عليها من قبل

أخبر وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو المشرعين في هونغ كونغ أنه يرى تحرك بكين على أنه “الأحدث في سلسة من الإجراءات التي تقوض بشكل أساسي استقلال هونغ كونغ وحريتها”، مما يعني أنه لا يمكن لأي شخص عاقل أن يؤكد اليوم أن هونغ كونغ تحافظ على درجة عالية من الاستقلال الذاتي عن الصين، بالنظر إلى الحقائق الملموسة على أرض الواقع.
طالب المناهضون للحكومة بتغييرات حكومية مرنة تمنح المواطنين حرية اختيار ممثلهم، وقُبِلت مظاهراتهم بعنف مفرط، استخدمت فيه الشرطة الغازات المسيلة للدموع والذخيرة الحية. سَنت الرئيسة التنفيذية الحالية للمنطقة السيدة/ “كاري لام” قانون الطوارئ، الذي يحظر تغطية الوجوه (التي كان المتظاهرون يرتدوها للحفاظ على سرية هويتهم من التعرف الرقمي). انتهكت الشرطة كافة قواعدها وخطوطها الحمراء وساعدها على ذلك قانون الطوارئ. جاء وباء كورونا ليمدَ يَدّ العون على الحكومة لكي تمنع التجمهر والتظاهر، وفرضت عقوبات بالسجن لمن يحاول التظاهر، واستخدمت القانون لاعتقال أعمدة النشطاء الديمقراطيين.
كيف قيدت الصين منطقة هونغ كونغ وابتلعتها؟

خططت الحكومة المركزية في الصين على ابتلاع منطقة هونغ كونغ ودمجها داخل المجتمعات الصينية الخاضعة لسيطرتها، وكانت هونغ كونغ هي الخنجر في حلق التنين الصيني. وربما سئم أعضاء الحزب الشيوعي من مجابهة مواطني هونغ كونغ الذين لا يكفون عن انتقاد أعضاء الحزب الحاكم وينشرون كل فضيحة وقضية فساد في الصين. واستغلت الحكومة الصينية الوقت المناسب لتنفرد في السيطرة على هونغ كونغ وانشغال القوى العظمى عن أعمالها. ركزت الصين في خططها للاستلاء على الحكومة في هونغ كونغ بدأت بالخطوات التالية:
- دعمت تعيين رئيسة تنفيذية للمنطقة تفتقد للشخصية القيادية.
- ضخت أموال هائلة وسيطرت على المصارف الكبرى وسوق الأسهم.
- اعتقلت معظم المعارضين والقياديين في هونغ كونغ.
- قامت الصين بالسيطرة على المجلس التشريعي وبدأت بسن قوانين قيد الانفراد باتخاذ أي قانون بدون الرجوع إلى موافقة بكين.
- فرضت قانونًا مثيرًا للجدل “قانون الأمن القومي” يمنح سلطات أوسع للاعتقال أي معارض أو من يشتبه به معارض لحكومة بكين.
- تغيير الكتب المدرسية وتمجيد الحكومة المركزية.
- إجبار موظفي الحكومة المدنيين بالتوقيع على بيان ولاء كامل للحكومة في بكين، ومن يعارض منهم يجرد من وظيفته.
- أي شخص يسعى أو يحرض على انفصال هونغ كونغ يعتقل.
- تقييد حرية الصحافة ومنع دخول الصحفيين الأجانب إلا بموافقة بكين.
أين المجتمع الدولي من كل هذه الانتهاكات؟
حاولت الدول العظمى “سابقاً” والعجوزة حالياً متمثلة بأمريكيا وبريطانيا بفرض عقوبات على الصين لكنها وصفت بالخجولة، كما بدت هذه الدول في حالة عدم الاكتراث لقضايا النزاع على السيطرة الصينية على هونغ كونغ، مما شجع الصين للتمادي والمطالبة باستعادة جزيرة تايوان حتى لو كلفها الدخول في حرب عسكرية. وظهرت تعبير “الذئب المحارب” الذي يصف السلوك الدبلوماسي الصيني الراهن في وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولم يعد مجرّد مجاز مستوحى من الفلم الصيني الشهير الذي يحمل العنوان ذاته، ويحيل على أكثر من نحو سلاسل <رامبو> ولكن في سياق بطولي صيني. بدأت الدبلوماسية الصينية والتي كانت توصف عادةً؛ بالخجولة والمهذبة، بدأت تتغير رويداً رويداً وقد وصفت أحد نقاد السياسة الصينية في فرنسا بـ “أزعر صغير” و”ضبع مسعور” و”قزم إيديولوجي”. ولم يكن وزير الخارجية الفرنسي هو الوحيد الذي بوغت بسلسلة الشتائم هذه، غير المعتادة البتة في أروقة الدبلوماسية الصينية.
أحد الروابط المهمة في البحث:
أنصح بمراجعة هذا الرابط، كما أنصح بقراءة كتاب بعنوان (صدام الحضارات، إعادة صنع النظام العالمي) تأليف: (Samuel Huntington)