تحقيقات

بعد محاولة انقلابيَّة بسبب قناة إسطنبول الجديدة…هل يتكرَّر سيناريو مصر في تركيا؟

رسالة بوست – فريق التحرير

شهدت السَّاعات الأولى من يوم الاثنين 5 أبريل 2021م إيقاف عشرة من القادة العسكريين المتقاعدين في الجيش التُّركي، بعد إصدارهم بيانًا يطالب بإيقاف مشروع قناة إسطنبول الجديدة، الَّذي تعتزم الحكومة التُّركيَّة تنفيذه بدءً من هذا العام، وقد وقَّع على البيان 103 من ضبَّاط البحريَّة التُّركيَّة، جميعهم من المتقاعدين. بحسب ما نشره موقع العربيَّة الإخباري، انتقد ذلك البيان مشروع قناة إسطنبول الجديدة، الَّذي رأوه متعارضًا مع مبادئ “اتّفاقيَّة مونترو”، وهي اتّفاقيَّة تعود لعام 1936م تتعلَّق بتنظيم مرور السُّفن عبر المضائق التُّركيَّة. من جانبها، نهت وزارة الدّفاع التُّركيَّة عن استغلال الجيش في تحقيق أهداف سياسيَّة أو شخصيَّة، مع الإشارة على عدم تمثيل القادة الموقّعين على البيان للجيش؛ كونهم متقاعدين ولا يحملون صفة رسميَّة.

وأثار إيقاف الحكومة التُّركيَّة للقادة العشرة، المتَّهمين بإثارة الاضطّراب والتَّمهيد لانقلاب عسكري، حفيظة حرب الشُّعوب الكردي، متّهمًا النّظام الحاكم بمحاولة “اصطناع انقلاب”. ولا يختلف حزب الشُّعوب الكردي في موقفه عن سائر أحزاب المعارضة في تركيا، حيث تتَّخذ جميعهاٍ موقفًا معارضًا لمشروع قناة إسطنبول الجديدة؛ تحت ذريعة تأثيره السَّلبي على البيئة. وكانت وكالة الأنباء الرُّوسية سبوتنيك قد نقلت في 30 مارس 2021م عن برلماني تركي، ينتمي إلى حزب الشَّعب الجمهوري العلماني، وهو أكبر الأحزاب المعارضة للنّظام التُّركي الحالي، رأيه المعارض للمشروع؛ بسبب استمرار أعمال الحفر لما يصل إلى 6 سنوات، وفقدان مقدار كبير من المياه العذبة، بالإضافة إلى إضرار المشروع بسير الأعمال اليوميَّة في منطقة حفر القناة. وقد صرَّح البرلماني التُّركي بقوله “نرى أنَّ مشروع قناة إسطنبول الجديدة سيخلق مشاكل بيئيَّة خطيرة وسيضر بالتَّوازن البيئي”. ويأتي هذا التَّصريح بعد إعلان أكرم إمام أوغلو، رئيس بلديَّة إسطنبول والقيادي البارز في حزب الشَّعب الجمهوري، رفْضه لمشروع قناة إسطنبول الجديدة، ما عبَّر عنه من خلال نشْر ملصقات دعائيَّة تندّد بالمشروع وتبرز جوانبه السَّلبيَّة؛ ما أغرى الحكومة التُّركيَّة بفتح تحقيق لاستجواب إمام أوغلو، كما نشرت جريدة الشَّرق الأوسط في 19 نوفمبر 2020م.

وتصرُّ الحكومة التُّركيَّة على تنفيذ مشروع قناة إسطنبول الجديدة، برغم المعارضة الشَّديدة والمعوّقات، الَّتي أدَّت إلى تجميد المشروع على مدار عقود طويلة. فقد أعلن عادل قره إسماعيل أوغلو، وزير النَّقل والبنى التَّحتيَّة التُّركي، عن التَّحضير لطرْح مناقصة لتنفيذ المشروع، حيث يرى أنَّ “قناة إسطنبول الجديدة مشروع يمثل رؤية تركيا، وهي أحد أكبر المشاريع حول العالم”، بحسب ما نشرته وكالة الأناضول التُّركيَّة في 5 أبريل 2021م. أمَّا عن طبيعة مشروع قناة إسطنبول الجديدة، فهو حفْر ممر مائي بطول 45 كيلومترًا على الجانب الأوروبي من تركيا، ليصل البحر الأسود ببحر مرمرة، ويربطه بذلك ببحري إيجة والمتوسط. وقد يجد البعض أنَّ من المبالغة ادّعاء أنَّ تنفيذ ذلك المشروع قد يعصف بالمستقبل السّياسي للرَّئيس التُّركي الحالي، رجب طيّب اردوغان، في مقابل صعود نجم منافسه، أكرم إمام أوغلو، ولكن هذا ما نشرته مجلَّة فورين بوليسي السّياسيَّة الأمريكيَّة، ونقله عنه موقع الحرَّة الإخباري الأمريكي في 16 يناير 2021م تحت عنوان ” قناة إسطنبول الجديدة… 45 كيلومترا قد تحدد هويَّة الرَّئيس التُّركي القادم”.

صحيح أنَّ اردوغان يعدُّ من أكثر المؤيّدين لمشروع قناة إسطنبول الجديدة، الَّذي أعلن عنه في 2011م، وقتئذ كان لم يزل رئيسًا للوزراء، لكنَّ طرْح الرَّئيس التُّركي الحالي للمشروع هو السَّابع تاريخيًّا، حيث طُرح المشروع لأوَّل مرَّة في عهد السُّلطان سليمان القانوني، أي في النّصف الأوَّل من القرن السَّادس عشر للميلاد، وكان باقتراح من المعماري العثماني الرَّائد، معمار سنان. وبحسب ما يورده مقطع نشرته صحيفة الاستقلال السّياسيَّة في 23 أبريل 2020م تحت عنوان “قناة إسطنبول الجديدة الجديدة…لماذا تهاجمها المعارضة وتخشاها الإمارات؟”، كان السُّلطان مراد الثَّالث مَن أمَر بتنفيذ المشروع في عام 1591م، لكنَّ التَّنفيذ توقَّف لأسباب غامضة. تكرَّر طرْح المشروع عدَّة مرَّات في فترات لاحقة في عهْد الدَّولة العثمانيَّة دون تنفيذ، ليُعاد طرْحه عام 1994م على يد السّياسي التُّركي بولنت أجاويد، ومن جديد دون تنفيذ فعلي. ويبدو أنَّ حزب العدالة والتَّنمية قد تعلَّم من دروس الماضي، فآثر عدم الإعلان عن المشروع إلَّا بعد دراسات سريَّة واتّخاذ خطوات جديَّة، ليعلن عنه بن علي يلدريم، رئيس الوزراء السَّابق ووزير المواصلات حينها، في البرلمان التُّركي في 2009م، ثمَّ يعتمده اردوغان بعدها بعامين، مطلقًا عليه “المشروع العاصف”

مشروع قناة إسطنبول الجديدة

أمَّا عن سبب إصرار مناصري المشروع على تنفيذه فهو التَّخفيف عن مضيق البسفور، الَّذي يمرُّ عبره عدد كبير من السُّفن الحاملة للنَّفط، ولا يتجاوز عرضه 30 كيلومترًا، بينما ستُشقّ قناة إسطنبول الجديدة بعرض 45 إلى 50 كيلومترًا، وهذا يسمح بمرور أكبر السُّفن والنَّاقلات في العالم؛ ممَّا دفَع البعض للتَّكهُّن بأنَّ تلك القناة الجديدة ستصبح مستقبلًا أهمَّ ممر مائي في العالم، متجاوزة قناتي السُّويس وبنما في الأهميَّة.

قناة إسطنبول الجديدة مقارنة بمضيق البسفور

ويلقي مقطع صحيفة الاستقلال عن مشروع قناة إسطنبول الجديدة الضَّوء على موقف المعارضة التُّركيَّة الرَّافض للمشروع، معتبرًا أنَّ المنافسة التّجاريَّة الشَّرسة بين تركيا ودولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة هي المحرّك الأساسي لرفض المشروع؛ حيث أنَّ القناة الجديدة، إن حُفرت، ستنقل التّجارة بين الصّين وأوروبا من موانئ عدن وعصب وبربرة، الَّتي تخضع لنفوذ الإمارات، إلى البحر الأسود. يعني ذلك انتهاء أهميَّة ميناء دبي في مقابل تحوُّل إسطنبول إلى مركز تجاري عالمي، خاصَّة بعد الانتهاء من مشروع طريق الحرير الصّيني.

ويعيد الصّراع في الدَّاخل التُّركي بشأن قناة إسطنبول الجديدة إلى الأذهان ما شهدته مصر أواخر عام 2012م من اضطراب سياسي في أعقاب الكشف عن مشروع تنمية قناة السُّويس، الَّذي أقرَّه الرَّئيس المصري آنذاك، محمَّد مرسي. حتَّى قبل الإعلان الرَّسمي عن المشروع في يناير 2013م، اندلعت مظاهرات مندّدة بحُكم مرسي ومطالبة بإسقاطه أو إجراء انتخابات رئاسيَّة مبكرة عُرفت بـ “أحداث الاتّحاديَّة”، نسبة إلى اسم القصر الرّئاسي الَّذي حاصره المتظاهرون وكادوا يقتحمونه، أثناء وجود الرَّئيس الأسبق ورجال نظامه. وقد كتب الأكاديمي المصري، عبد التَّواب بركات، مقالًا تحت عنوان “في ذكرى رحيله: لكنَّه الرَّئيس محمد مرسي”، نشره موقع الجزيرة. نت في 15 يونيو 2020م، أشار فيه إلى دور الإمارات في تدبير “الانقلاب” على مرسي؛ بسبب خوفها على مستقبل ميناء جبل علي، مصرّحًا “إن شئت فقل أنَّ هذا المشروع أحد الأسباب الرَّئيسيَّة لتمويل الانقلاب على الرَّئيس مرسي”. والسُّؤال: هل يواجه اردوغان مصير مرسي لنفس السَّبب وبنفس الأيدي وباتّباع النَّهج ذاته؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى