مقالات

ماذا عن المفاوضات السورية؟

العميد د. م. عبد الناصر فرزات

عرض مقالات الكاتب

تهدف المفاوضات عادةً إلى فض النزاعات بين الأطراف المتنازعة، والتوصُّل إلى اتفاق لحل الخلاف أو النزاع، والتفاوض وسيلةٌ للوصول إلى نتائج تُرضي الأطراف المتنازعة كافة على أسس عادلة، وتعتمد بشكل رئيس على براعة وذكاء المتفاوضين. والمفاوضون -غالباً- محترفون ومتخصصون، سياسيون أو دبلوماسيون أو أصحاب خبرة، وقد يكونون سماسرةً في بعض الأحيان. ويتصف المفاوضون عادة بمجموعة من المهارات والقدرات أهمها:

التواصل، الإقناع، التخطيط، التفكير الاستراتيجي، العمل الجماعي والتعاون.

 ولا بد للمفاوض من امتلاك هذه المهارات وإتقانها قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

تتضمن مهارات التواصل امتلاك القدرة على الفهم والاستماع، وتجنّب سوء التفاهم للوصول إلى الاتفاق العادل.  أما مهارات الإقناع فهي القدرة على التوضيح والتأثير على الآخرين، وبالتالي كسب تأييدهم. ولابد للمفاوض أن يكون متمكناً من التفكير الاستراتيجي، وامتلاك الرؤية المستقبلية، ولديه القدرة على العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين، وإمكانية التنظيم والتخطيط لنتائج المفاوضات.

هل يملك مفاوضو الثورة السورية هذه المهارات؟ 

جاءت المفاوضات في الحالة السورية كنتيجة للإجرام والإرهاب الذي مارسه النظام ضد الشعب، والتدخلات الخارجية الداعمة للسلطة الحاكمة في دمشق من أجل الحفاظ عليها من السقوط على أيدي الثوار، وتحويل نصر الثوار إلى حالة من التفاوض بسبب انسداد آفاق الدعم أمام الثوار، ودخول الجيوش الأجنبية.

وقد جاءت هذه المفاوضات كحدث مفاجئ للثوار أثناء خوضهم الأعمال القتالية، ولم يكن لدى الثوار على الأرض الخيار في تحديد أعضاء الوفد المفاوض، بل تم تحديد المفاوضين من قبل جهات خارجية بما يتناسب مع الأجندة الخارجية لتحويل الثورة والحراك الثوري إلى معارضة هزيلة، ومن ثم المزيد من التنازلات.

إن عدم توفّر مؤهلات التفاوض لدى مفاوضي الثورة، أدت إلى تحويل المفاوضات إلى جلسات حول موائد مستديرة وطاولات متعددة في أمكنة مختلفة، ووصايات وتبعيات (جنيف، أستانة، سوتشي، القاهرة، وغيرها ….)، وهنا بدأ الاستهتار بالثورة السورية من الأطراف الخارجية، وبدأ المزيد من التنازلات على الصعيد العسكري والسياسي والنفسي لدى الثوار والحاضنة الشعبية، ولا بد من الإشارة إلى أن وفود النظام كانت على مستوىَ عالٍ من التأهيل والتدريب من أجل التفاوض وكسب الجولات التفاوضية، بحيث استطاعوا قلب الحقائق، وتأجيل البت في الأمور و القضايا المصيرية، وبالتالي كانت النتيجة، استمرار القتل والاعتقال والتهجير، وعدم وصول المفاوضات إلى أية نتائج لصالح الثورة.

ولكن عملياً لا نزال نملك حرية القرار، بالرغم من كافة الصعوبات والتنازلات لوفود التفاوض، ولا نزال قادرين على صياغة قرارنا، وتصوراتنا عن سورية الحرية والعدالة التي نصبو إليها، والتي دفعنا ثمناً غالياً ودماءً غزيرة من أجل بنائها بيد السوريين الأحرار، وصياغة القرار الوطني الحر الذي يلبي مطامح الثوار الأحرار.

من أجل ذلك لا بد لنا من التمسك بتنفيذ المتطلبات الدولية الواردة في القرار ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي المحكومين تعسفياً، وتوحيد كافة الجهود باتجاه الهدف، واختيار القادة والمفاوضون الأحرار الأكفاء للجلوس حول طاولة المفاوضات، والتعاون الإيجابي مع الخارج بما يتوافق مع سيادة القرار الوطني، والعمل على إقصاء ومحاسبة السلطة الحاكمة بكل ركوزها ومكوناتها.

سنعمل بكل جهودنا وطاقاتنا من أجل بناء سورية وطنٌ واحدٌ مستقلٌ كاملُ السيادةِ، وللشعب السوري وحده الحق في تقرير دستوره ومصيره. سورية حرة لأبنائها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. صدقني حضرة العميد “لا بد لنا من التمسك بتنفيذ المتطلبات الدولية” ليس هناك متطلبات دولية سوى ابقاء طوق العبودية في رقابنا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى