ثقافة وأدب

الغزو اللغوي

باسل المحمد

مدير الأخبار – رسالة بوست
عرض مقالات الكاتب

لم يكن الغزو الأوربي للبلاد العربية غزواً عسكرياً واقتصادياً يهدف إلى السيطرة عليها ونهب خيراتها ومقدراتها فحسب، بل تعدَّاه ليصل إلى النواحي الثقافية والحضارية أيضاً. وقد تجلّى ذلك واضحاً في محاولة الاستعمار النيل من اللغة العربية وتهميشها وفرض لغته بالقوة مكانها، كما حصل في الجزائر والعديد من الدول العربية غيرها، وكان هدفه من ذلك قطع الصلة بين المجتمع العربي وتاريخه وحضارته أيضاً؛ لأن هذه اللغة هي الحامل الثقافي للحضارة العربية بشكل خاص، وللدين الإسلامي بشكل عام.
وربما أفضل من يصف هذا الغزو اللغوي الأديب والشاعر المغربي تقي الدين الهلالي، الذي عايش فترة الاستعمار لبلاده، وآلامهُ ماحلَّ بلغته من ضعف وركاكة، وقد عبَّر عن هذا الواقع بقوله: “إن لغة المستعمر الغالب استعمرت اللغة العربية، كما استعمر أهلها، فغيرت تراكيبها وشوهت محاسنها وتركتها جسداً بلا روح، فالمفردات عربية والتراكيب أعجمية”.
وللأسف فقد سار بعض المثقفين العرب وأدعياء الثقافة منهم مع هذا التيار، فهم كانوا يحرصون على إقحام المفردات والتراكيب الأجنبية في حديثهم وكتاباتهم، على الرغم من وجود ما يغنيهم ويكفي مؤنتهم منها في لغتنا العربية، طبعاً كانوا يفعلون ذلك حتى يعبِّروا عن تطورهم وتفوقهم المعرفي والثقافي، أو لربما كان دافعهم في هذا هو عقدة النقص التي يشعرون بها تجاه لغة وحضارة المستعمر القوي. وقد زاد هؤلاء المثقفين الطين بلة عندما بدؤوا بترجمة الكتب والمؤلفات الغربية، مع عدم إلمامهم بقواعد اللغة العربية، فعمدوا في أغلب الأحيان إلى الترجمة الحرفية للغة الأجنبية، مما أدى إلى إدخال مصطلحات ومفردات غريبة وبعيدة كل البعد عن جمال ورونق لغتنا العربية.
ونحن هنا لا ننكر أن اللغات تتداخل مع بعضها البعض، فمن المستحيل أن تبقى لغة بعيدة عن الاحتكاك والتفاعل مع غيرها من اللغات الحية، فاللغة كائن حي يؤثر في غيره ويتأثر به ولولا هذا التأثر والحيوية التي تتمتع بها لغتنا لكان مصيرها الموت والاندثار كباقي اللغات المنقرضة. نعم نحن لا ننكر ذلك، ولكننا نرفض أخذ الكلمات والمصطلحات الأجنبية كما هي وإقحامها بلغتنا بشكل فاضح، على الرغم من غنى ووفرة اللغة العربية بما يعوضنا عن هذه الكلمات الدخيلة، فلغتنا تملك أكبر عدداً من الكلمات بين لغات العالم.
ولست هنا بوارد عرض كل الكلمات الدخيلة على لغتنا، فالمجال لا يتسع لذلك بسبب كثرتها وشيوعها، حتى إن أغلب الناس بات يظنها أنها من صميم لغتنا، ولكن سأكتفي بسرد بعضها للتدليل على صحة كلامي.
منها: قولنا نحن كسوريين، هذه الكاف لا داعي لها، الصواب أن نقول نحن السوريين، ومنها أيضاً (قام بكتابة الأخبار) هذا التعبير ركيك لأن اللغة العربية لا يوجد فيها أفعال مساعدة كالإنكليزية، فالصحيح أن نقول: كتب الأخبار، ومنها أيضاً قولنا (فيما يتعلق بكذا)، والصحيح أما كذا.. قال تعالى: {أما السفينة فكانت…}، ومن المصطلحات الدخيلة التي نسمعها كثيراً على وسائل الإعلام عبارة (كيف تقرأ الخبر؟)، فالصواب أن يقال كيف تفسر الخبر أو كيف تقرأه؟، ونسمع كثيراً عبارة (لعب دوراً في..) والصواب أن نقول عمل جاهداً في… هذا بالنسبة للتراكيب والمصطلحات، أما بالنسبة للمفردات فهي أكثر وأشيع وسأذكر هنا بعض الكلمات الدخيلة وما يقابلها بالعربية: (بنك- مصرف)، (صالون- مجلس أو نادي)، (بترول- نفط)، (موديل- نوع)، (روتين- رتابة)، (ألبوم- سجل صور)، (قارنَ- وازنَ)، (أجندة- مفكرة أو مذكرة).
فما أحرانا أمام هذا الغزو اللغوي أن نتمسك بلغتنا ونتقنها قراءةً وكتابةً، فهي الحامية لحضارتنا والحافظة لديننا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على AbdAlhamidAlahmad إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى