مقالات

الطفيليات البشرية !

حسام نجار

كاتب صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

مملكة النبات مملكة واسعة جداً خلق الله فيها من الأصناف أعداداً لم يتم حصرها، وتختلف تلك النباتات في كيفية عيشها ونموها ومصادر غذائها ،وكذلك مدى قدرتها في البقاء على قيد الحياة كما تختلف فيما بينها بكيفية الإزدياد والتكاثر .

خلق الله هذه النباتات ليرينا عجائب قدرته فلم يخلقها عبثاً، بل في كل صنف منها دروس مستفادة ونموذج حياة ،وفيها أصناف تطابق الإنسان في نمط حياتها ،بالطبع المقصود هنا نموذج العيش و الإعتماد على الأخرين .

فكلنا يعرف تلك الطفيليات التي تعيش على حياة النباتات الأخرى و تتسلق عليهم و تأكل من طعامهم بل تسبقهم للأكل وقد تسبب لهم الموت في بعض الأحيان وحتى هذه النباتات الطفيلية تختلف فيما بينها في كيفية تأمين الغذاء والبقاء على قيد الحياة .

 بعد البحث والنظر في مملكة النبات يقودنا هذا لإسقاطه على عالم البشر ، ذاك العالم الذي تجد فيه أنواعٌ عجيبة غريبة تتسلق وتعيش على حساب حياة الأخرين .

تلك الأنواع التي طالما كانت عائقاً في التطور و التقدم والنمو ، وكذلك بالحياة الطبيعية للأخرين ، وهي كالنبات تحتاج لوسائل تسهل عيشها ونموها فوجود الضوء أحد أسباب هذا البقاء ، أما عند البشر فوجود الضوء الأخضر( غض النظر ) هو الذي يأمن لهذه الطفيليات البشرية العيش و التسلق .

إن وجود أنظمة و مجموعات يكون هدفها خلق تلك النوعية من البشر يعود لأسباب عدة ، وليس له مبررات واضحة ،كما أنه ليس في مصلحة المجتمع بشكل عام فلماذا تعمل تلك الأنظمة على خلق تلك المجموعات ؟؟.

من الملاحظ في المجتمعات التي تم حكمها بطريقة غير ديمقراطية و غير إنتاجية أن الدول تترك مساحات

واسعة لتلك المجموعات ،بل تسهل عيشهم بهدف امتصاص ما ينتجه الآخرون ،و تعمل على التنصل من واجباتها بتأمين مصادر عمل وعيش لها ، فتتركها هكذا لتأثر على الأفراد المنتجين وتسحب منهم مصادر النفع والحياة .

بالطبع هذه الطفيليات تأخذ أشكالاً عدة ، وتمتد من هرم السلطة إلى أسفله ،بل قد يتجاوز الوضع ليكون الهرم نفسه ،وقد ابتلينا في مجتمعاتنا بهذه المجموعات وحماية السلطة لها بل وضع السلطة في يد تلك المجموعات ، فيستغلون سلطتهم أو سلطة داعميهم لإمتصاص غذاء الأخرين .

هذا لا يعني أنها لا توجد في بقية المجتمعات ، فهي موجودة ولكن بنسب ضئيلة جداً لا تذكر .

عندما تعتبر الدولة وجود تلك الطفيليات أحد أسباب بقائها و استمرارها ، وعندما تزداد و تتكاثر و تستطيع الهيمنة على مقدرات الدولة و تحاول بالمعية السيطرة على حياة الأخرين فلا بد عندها من النظر لطرق ناجعة لإيقاف هذا التسلط وهذه المسيرة .

قد تكون الأنظمة التي تضعها الدولة هي الوسط الذي تنمو به تلك الطفيليات من خلال ثغرات موجودة أو من خلال علاقة تبادلية تستفيد منها كل الرتب ،وهي كالشجرة في تسلسلها و لا يمكننا القضاء عليها إلا بالقضاء على الأصل ،منبع التطفل ومصدره أياً كان هذا المنبع ومهما كانت سلطته .

فلا يمكن للنباتات أن تتعايش معه لفترة طويلة كذلك البشر ،و من هنا كانت محاولة تغيير القشرة ووضع مضادات الإمتصاص والتسلق ، ومن هناك تبدأ معجزة التغيير و العيش وفق القواعد الصحيحة .

و أعتقد أن قدرة البشر تفوق قدرة النبات على التغيير إن كانت لديهم الإرادة ،و إن كان لديهم الدافع الحقيقي ،فاستمرار الأخرين بامتصاص خيراتهم وسلبهم سبل العيش لهو أدعى لهذا التغيير ،وهو السبيل لنفض الغبار المتراكم والعودة للحياة النقية الصافية .

عندما يكون رأس السلطة هو الطفيلي الأكبر ، وعندما يكون هو قمة باقي الطفيليات ،رعوه و غذوه  ليسهل لهم امتصاص خيرات الوطن ،و من الممكن أن يكون هذا الطفيلي منتجًا خارجيًا تم زرعه ووضعه في مكانه كي يساعدهم في جعل الشعوب تلهث وراء قُوتِها و الانشغال بإبعاد الطفيليات عن جسدها ورزقها وطعامها وتلهيهم بسفاسف الأمور ،وتعطي القوة لذلك الطفيلي بحجج واهية بل ترعاه وتساعده على البقاء في مجرى أوساخها وقذاراتها ، لأنها من خلاله تستطيع السيطرة على كل الخيرات وتمنع كل أنواع التغيير .

اعتادت تلك الأنظمة على جعل شعوبها مجال الامتصاص وسلطت عليه كل أنواع الطفيليات وزادت عليها بمنعها من التحدث والشكوى والأنين،فتولدت لدى تلك الشعوب القوة الذاتية لتغيير هذا الوضع ،فهي ميتة ميتة بكافة الأحوال فلماذا السكوت والركون ؟ فانطلقت تباشير الفجر و زغردت أهازيج التجديد ليوم جديد .

و كما يقول الشاعر / يحيى حاج يحيى :

فتباشير الفجر انطلقت    

من جرح شهيد وسجين

أنا لست أخاصم للدنيا   

دنياكم ليست ترضينِي

أنا لي هدف أسمى أعلى    

نفسي لا ترضى بالدونِ

فالنفس البشرية تواقة للإنعتاق من كل المفاسد والعبودية لغير الله ، ولديها تلك القدرة مادام الإيمان في القلوب و الوعي في العقول ، يكفي أن يكون هناك عدد قليل من أهل الوعي حتى يُحْدِثون ذاك التغيير ،و بالفعل وجدنا أن معظم تلك الشعوب تمتلك من الإدراك الشيء الكثير ،لكنها تحتاج للتوجيه والتنظيم ، وتحتاج للضبط وفق أسس و ضوابط أخلاقية حتى لا تشذ عن القاعدة .

 يقول هارفي فيرستين :

إذا أنكرت وتنصلت من جميع التزاماتك فلماذا ستكون حياتك ؟ .

من هنا بداية القضاء على تلك الطفيليات لتستمر الحياة بحلوها ومرها ولترتفع رايات الحق خفاقة في كل الجنبات ولتعيش الشعوب بأمان و سلام لا يضرها شيء إلا ما قد كتبه الله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى