مقالات

الغرب شاطئ الأمان أم أخطر امتحان؟

علي الصالح الظفيري

ناشط سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

الغرب : هو ذلك الاسم الذي يطلق على أغلب دول أوربا وغيرها من بعض الدول المتقاربة معها ، ولا شك بأنّ تلك الدول في مقدمة دول العالم من حيث التقدم العلمي في أكثر المجالات .
ولاتزال تلك الدول حلم الشباب في القرن الماضي ولغاية الآن ، فهم يرونها جنة الله في الأرض والملاذ الآمن ، فرغم صعوبة الوصول إليها ، ترى الكثير يقصدها بشتى الطرق التي قد تودي بحياتهم للهلاك أحياناً ، وكم استقطبت تلك الدول أفضل الأدمغة والنخب من كل دول العالم.
وفي زمن الحروب وبخاصة تلك التي يطول فيها الأمد ، ليزداد النزيف البشري في تلك الدول -طبعاً – ستكون القبلة الأولى أوربا ، أو القارة العجوز كما يسمونها ، وهذا حال الكثير من الدول العربية والإسلامية التي عانت وتعاني أزمات سياسية واقتصادية ونزاعات وحروب وتسلط أنظمة الحكم جائر.


اليوم؛ نرى في بعض المدن الأوربية أحياء تسمى بأسماء مختلفة كالحي العربي ،أو شارع السوريين أو العراقيين وغيرها من الأسماء ، لكون غالبية ساكني تلك الأحياء من العرب أو المسلمين .
ومع دخولنا في مرحلة ثورات الربيع العربي زادت معاناة الشعوب الثائرة وأخص بالذكر الشعب السوري ، الذي هاجر نصفه أو يزيد إلى الخارج وبخاصة دول أوربا .
وهنا يُطرَحُ السؤال : هل كانت تلك الدول للمهاجرين شاطئ الأمان ؟
أم أنهم يخضعون فيها لأصعب امتحان ؟
اليوم تسأل من تعرفهم ممن يقيمون في أوربا كيف حالك هناك ؟
فيأتيك الجواب من أحدهم أني في أحسن حال ، وأفضل مما أنا فيه لا يوجد لأنه يقارن بين حياته السابقة وواقعه الحالي ، وآخر يقول لك : نعم مقومات الحياة الكريمة متوافرة ولكن التأقلم صعب جداً لاختلاف الثقافة والدين والعادات ، وثمة من يقول لك : هنا بلاد الحرية ،بل ويصدمك بأن يبدأ بانتقاد كل ماكان وكنا عليه ، بل ويتمادى البعض بأن ينصب من نفسه مجتهداً دينياً فتراه يبدأ بنسف الحديث أو التشكيك بثوابت الإسلام بل وبثوابت العادات والتقاليد التي تربينا عليها!
ولكن لو نظرنا للموضوع بنظرة المراقب سنستنتج بأنّ الصعوبة ليست فقط بالوصول للغرب ، بل ربما يكون الأصعب هو التأقلم في تلك البلدان التي لاتزال تحاول سنّ القوانين التي تحد من مساحة الحرية لمن يلجأ لها ، الحرية طبعاً ليست تلك التي يفهمها البعض بأن تتعرى من ثيابك متى تشاء ، وتتكلم بلا ضوابط عمن تشاء ، بل الحرية في أن تلبس وتمارس دينك متى وأين تشاء .
فأين بلاد الحريات من منع الخمار والحجاب أحياناً ومنع الأذان وصلاة الجماعة ؟ فكيف تكون الحرية بأن تسمح بالتعري وتمنع الحشمة ؟!
وكيف تكون حرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع إلا المسلمين ؟!
وكيف تكون المساواة في فرص العمل إن رَفضْتَ أن توظف امرأة تكون مستوفية كافة الشروط ، ولكن مشكلتها كونها محجبة ؟!
من كل ماسبق يتبين لكل منصف متابع بأن الغرب والإقامة فيه ماهو إلا وهمّ لا ينخدع فيه إلا من رضي بأن يتنازل عن ثوابته الدينية والثقافية ، طبعاً لا يعني أن نلوم من أقام اليوم هناك ونخطأه بالمطلق ، فبمثل حال الشعب السوري الذي تقطعت به السبل وسدت بوجهه أغلب الأبواب لم يبق أمام البعض سوى أن يغامر بحياته للوصول للغرب ليجد الحياة ، ولكن المعاناة هناك تكون مركبة ، بحيث ترى قسمًا لا بأس به يقيم هناك ومايزال يحافظ على ثوابت دينه رغم وصوله إلى الغرب منذ عقود ولكن هذا كان ممكنًا عند البعض الذي شكل لنفسه كيانًا منفصلاً في مطعمه ومشربه، وفي مجال التعليم والعمل ولكن هذا لم يعد متاحًا بتلك السهولة التي كان عليها والسبب ضغط حكومات الغرب على المهاجرين إليها للوصول إلى الانحلال في المجتمع بحجة الاندماج ، ولكن إن سلمنا جدلاً أن الجيل الأول استطاع وبصعوبة الثبات بوجه كل تلك الضغوط القاسية ، فقطعًا لن يستطيع الجيل الثاني الاستمرار بنفس العدد ، أماالجيل الثالث فربما يُجيبك إن سألته بأن أصوله عربية أو مسلمة بلغة البلد الذي يسكنه وزيهم وعاداتهم بل وربما بمعتقداتهم ، فمن يريد أن يقنعك أو يقنع نفسه بالاندماج بلا انحلال كمن يريد أن يقنعك بأن الزيت يمكنه أن يختلط بالماء، ويتجاهل بقع الزيت الظاهرة بوضوح على سطح الماء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى